أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي
تجلت بوضوح في التحولات التشريعية الجوهرية التي شهدتها البيئة الاستثمارية في المملكة العربية السعودية، فمع صدور نظام الاستثمار السعودي الجديد الذي جاء ليحل محل نظام الاستثمار الأجنبي السابق، واضعًا إطارًا أكثر تكاملًا ووضوحًا لتنظيم الاستثمارات داخل المملكة. ولم يقتصر هذا التغيير على إعادة تعريف الاستثمار والمستثمر، بل امتد ليشمل توسيع نطاق حرية الاستثمار، وتعزيز المساواة بين المستثمرين المحليين والأجانب، وتوفير ضمانات أوسع لحماية الحقوق الاستثمارية. كما أن بيان الهدف من النظام أصبح أكثر تفصيلًا، ليعكس رغبة المملكة في تحقيق بيئة استثمارية أكثر جذبًا وعدالة وشفافية.
ومن بين أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي أيضًا، نجد أن النظام الجديد قدم إطارًا متطورًا للمحفزات الاستثمارية، ورسخ آليات جديدة لحماية الأمن الوطني، كما استحدث سجلًا وطنيًا للمستثمرين لضمان مزيد من الشفافية والتنظيم. ولم يتوقف التطوير عند هذا الحد، بل شمل أيضًا إدخال وسائل بديلة لتسوية المنازعات، وتعزيز الالتزامات الدولية للمملكة في مجال الاستثمار، مما يعكس توجهًا نحو مواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية.
كما أن العقوبات والمخالفات والتظلمات شهدت إعادة هيكلة شاملة، حيث تبنى النظام الجديد إجراءات أكثر وضوحًا ودقة في تحديد العقوبات، مع إتاحة فرص أوسع للتظلم وفق مدد زمنية محددة وأمام جهات مختصة، وهو ما يضمن للمستثمرين بيئة استثمارية تتمتع بالأمان القانوني والاستقرار التنظيمي.
وفي هذا المقال، سيتم تسليط الضوء على أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي، من خلال تحليل التغيرات الجوهرية في تعريف الاستثمار والمستثمر، وبيان الهدف من النظام، وحرية الاستثمار، والمساواة في المعاملة، وحماية الحقوق، والتحفيزات الاستثمارية، والوسائل البديلة لحل المنازعات، وحماية الأمن الوطني، والتزامات المستثمرين، والعقوبات والمخالفات والتظلمات. ومن خلال استعراض هذه الفروقات، يتضح كيف أن نظام الاستثمار السعودي الجديد يعكس توجهًا استراتيجيًا نحو تعزيز الشفافية، وتحفيز الاستثمار، وضمان بيئة أعمال مستدامة وجاذبة لرأس المال المحلي والأجنبي.

أولًا: تعريف الاستثمار والمستثمر
تُعد طريقة تعريف الاستثمار والمستثمر من أبرز التغييرات التي طرأت في النظام الجديد. ففي نظام الاستثمار الأجنبي (1421هـ)، كان المفهوم القانوني للاستثمار الأجنبي مقتصرًا على توظيف رأس المال الأجنبي في نشاط مرخص له، كما أن المستثمر الأجنبي كان يُعرف على أنه الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي لا يتمتع بالجنسية السعودية.
أما في نظام الاستثمار السعودي الجديد (1446هـ)، فقد جاء تعريف الاستثمار أكثر شمولية، حيث يتضمن جميع الأنشطة الاستثمارية المتعلقة باستخدام رأس المال في إنشاء المشروعات أو تطويرها أو تمويلها أو إدارتها لتحقيق منفعة اقتصادية. كما أن تعريف المستثمر أصبح أوسع نطاقًا، حيث يشمل المستثمر المحلي والمستثمر الأجنبي، مع تقديم تعريف واضح لكل منهما. ويعكس هذا التعديل تحولًا جوهريًا في منهجية التعامل مع الاستثمار، حيث أصبح النظام أكثر شمولية، ويدمج جميع أنواع المستثمرين في إطار تنظيمي واحد، مما يعزز من تكافؤ الفرص داخل السوق السعودية.
ثانيًا: بيان الهدف من النظام
كان عدم وجود نص صريح يحدد الهدف من النظام من أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي، حيث لم يتضمن نظام الاستثمار الأجنبي لعام 1421هـ أي مادة تفصيلية تحدد أهدافه أو الغايات التي يسعى لتحقيقها.
أما نظام الاستثمار السعودي الجديد، فقد جاء أكثر وضوحًا في هذا الجانب، حيث نصت المادة الثانية منه على أن الهدف الرئيسي للنظام يتمثل في تطوير وتعزيز تنافسية البيئة الاستثمارية في المملكة، مع التركيز على:
- تسهيل تأسيس الاستثمار، وتملك الأصول، والتخارج من الاستثمارات أو تصفيتها.
- ضمان حقوق المستثمرين وتعزيزها.
- ضمان المساواة في المعاملة بين المستثمر المحلي والأجنبي.
- ضمان توفير إجراءات شفافة وعادلة للمستثمرين.
- دعم مبدأ الحياد التنافسي وضمان تكافؤ الفرص.
ويعكس هذا التغيير في النظام الجديد التوجه نحو بيئة استثمارية أكثر تنظيمًا ووضوحًا، حيث يتمتع المستثمرون بإطار قانوني يحدد أهداف النظام بشكل دقيق، مما يوفر لهم وضوحًا أكبر عند التخطيط لاستثماراتهم داخل المملكة.
ثالثًا: حرية الاستثمار وتوسيع نطاقه
فيما يتعلق بحرية الاستثمار، فإن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي تكمن في مدى الانفتاح الذي يوفره النظام الجديد مقارنة بالنظام السابق. فقد كان نظام الاستثمار الأجنبي (1421هـ) يتطلب الحصول على ترخيص مسبق من الهيئة العامة للاستثمار، كما كان مجلس الوزراء هو الجهة المخولة بإصدار قائمة الأنشطة المستثناة، ما جعل الاستثمار الأجنبي خاضعًا لإجراءات تنظيمية أكثر تقييدًا.
أما في نظام الاستثمار السعودي الجديد (1446هـ)، فقد تم إقرار مبدأ حرية الاستثمار بشكل واضح؛ حيث يحق للمستثمر الاستثمار في أي قطاع أو نشاط متاح، باستثناء الأنشطة التي تحددها قائمة الأنشطة المستثناة، والتي يتم تحديثها من قبل الجهة المختصة ونشرها من قبل وزارة الاستثمار. كما أن النظام يمنح المستثمر الأجنبي الحق في التقدم بطلب للاستثمار في الأنشطة المقيدة، مع وجود آلية واضحة للموافقة. بالإضافة إلى ذلك، نص النظام الجديد على أن للوزارة الحق في إيقاف أي استثمار أجنبي لحماية الأمن الوطني، بشرط أن يكون القرار مبنيًا على أساس موضوعي ومتوافقًا مع التزامات المملكة الدولية.
وبذلك، فإن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي تتجلى في توسيع نطاق حرية الاستثمار وتقليل القيود التنظيمية، مما يجعل بيئة الاستثمار في المملكة أكثر جاذبية ومرونة.
رابعًا: المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب
لم يكن نظام الاستثمار الأجنبي (1421هـ) ينص صراحة على مبدأ المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب، حيث كان يركز على تنظيم الاستثمار الأجنبي دون الإشارة إلى التكافؤ في الحقوق والالتزامات بين الفئتين.
أما نظام الاستثمار السعودي الجديد (1446هـ)، فقد أقر مبدأ المساواة بين المستثمرين المحليين والأجانب بشكل صريح، ونص على تمتع جميع المستثمرين بحقوق متساوية في الظروف المماثلة. كما أكد على معاملة المستثمرين بعدالة وإنصاف، وحمايتهم من أي إجراءات تعسفية قد تؤثر على استثماراتهم. ومن الضمانات التي نص عليها النظام الجديد:
- عدم جواز مصادرة الاستثمارات كليًا أو جزئيًا إلا بحكم قضائي نهائي.
- عدم نزع الملكية إلا للمصلحة العامة، وبموجب إجراءات قانونية واضحة، مع تقديم تعويض عادل.
- حرية تحويل الأموال داخل المملكة وخارجها دون تأخير.
- حماية الملكية الفكرية والمعلومات التجارية السرية.
- تسهيل الإجراءات الإدارية وتقديم الدعم اللازم للمستثمرين.
وبذلك، فإن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي تكمن في تعزيز الحماية القانونية للمستثمرين، وضمان المساواة بينهم، مما يخلق بيئة استثمارية أكثر تنافسية وشفافية.
خامسًا: حماية حقوق المستثمرين
تعد حماية حقوق المستثمرين من الجوانب الأساسية التي شهدت تطورًا ملحوظًا في نظام الاستثمار السعودي الجديد مقارنةً بنظام الاستثمار الأجنبي السابق. فقد نص نظام الاستثمار الأجنبي لعام 1421هـ على عدم جواز مصادرة الاستثمارات إلا بحكم قضائي، كما أتاح للمستثمر الأجنبي إعادة تحويل أمواله للخارج. ومع ذلك، لم يكن النظام السابق يتضمن نصوصًا تفصيلية حول الضمانات الأخرى التي تعزز حماية المستثمرين.
أما نظام الاستثمار السعودي الجديد لعام 1446هـ، فقد جاء أكثر شمولًا؛ حيث نص في المادة الرابعة على مجموعة واسعة من الحقوق التي يتمتع بها المستثمر، سواء كان محليًا أم أجنبيًا، ومنها:
- المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب في الظروف المماثلة.
- الحماية من المصادرة أو نزع الملكية، إلا بحكم قضائي نهائي أو للمصلحة العامة، مع تقديم تعويض عادل.
- حرية تحويل الأموال داخل المملكة وخارجها دون تأخير.
- حماية الملكية الفكرية والمعلومات التجارية.
- تيسير الإجراءات الإدارية وتقديم الدعم اللازم للمستثمرين.
وبذلك، فإن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي في هذا الجانب تكمن في تعزيز الضمانات القانونية لحماية الاستثمارات، وتوسيع نطاق الحقوق الممنوحة للمستثمرين، مما يعزز من استقرار البيئة الاستثمارية.
سادسًا: التحفيزات الاستثمارية
لم يتطرق نظام الاستثمار الأجنبي لعام 1421هـ بشكل واضح إلى مفهوم الحوافز الاستثمارية، مما يعني أن تقديم أي محفزات كان خاضعًا لسياسات متفرقة، دون وجود إطار تنظيمي شامل يحكم منح التسهيلات أو الاستثناءات.
أما نظام الاستثمار السعودي الجديد لعام 1446هـ، فقد أدخل مفهومًا واضحًا للمحفزات الاستثمارية؛ حيث نصت المادة الأولى على أن المحفزات الاستثمارية تشمل المزايا أو التسهيلات أو الاستثناءات التي تُمنح لتشجيع الاستثمار. كما نصت المادة السادسة على أن منح هذه المحفزات يتم وفق معايير استحقاق موضوعية وعادلة تحددها اللائحة التنفيذية، مما يضمن الشفافية وعدم التمييز بين المستثمرين.
وبذلك، فإن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي في هذا الجانب تكمن في إدخال إطار قانوني واضح لمنح الحوافز الاستثمارية، مما يعزز القدرة التنافسية للاستثمارات داخل المملكة ويشجع المستثمرين على ضخ المزيد من رؤوس الأموال في المشاريع الاقتصادية.

سابعًا: استخدام الوسائل البديلة لتسوية المنازعات
فيما يتعلق بتسوية المنازعات، فقد كان نظام الاستثمار الأجنبي لعام 1421هـ يقتصر على النص على ضرورة تسوية الخلافات الناشئة بين المستثمر الأجنبي والحكومة أو بين المستثمر الأجنبي وشركائه السعوديين وديًا قدر الإمكان، وفي حال تعذر ذلك، يتم حل النزاع وفق الأنظمة المعمول بها، دون أن ينص بشكل واضح على إمكانية اللجوء إلى التحكيم أو الوساطة.
أما نظام الاستثمار السعودي الجديد لعام 1446هـ، فقد أتاح آليات أكثر مرونة ووضوحًا لتسوية المنازعات، حيث نصت المادة العاشرة على أنه:
- يحق للمستثمر اللجوء إلى المحكمة المختصة في حال وقوع أي نزاع، ما لم يتم الاتفاق بين الأطراف على غير ذلك.
- يمكن للمستثمرين الاتفاق على تسوية نزاعاتهم من خلال الوسائل البديلة، بما في ذلك التحكيم، والوساطة، والمصالحة، مما يوفر حلولًا أكثر كفاءة وسرعة في فض النزاعات الاستثمارية.
وبذلك، فإن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي في هذا المجال تكمن في تعزيز اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات، مما يسهم في تسريع عمليات تسوية النزاعات الاستثمارية ويمنح المستثمرين مزيدًا من المرونة القانونية في إدارة استثماراتهم.
ثامنًا: حماية الأمن الوطني
يعد تعزيز الأمن الوطني أحد أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي. حيث لم يكن النظام السابق يتضمن نصوصًا صريحة تعطي الجهات المختصة الحق في إيقاف أي استثمار أجنبي لأسباب تتعلق بالأمن الوطني، مما يعني أن التعامل مع هذه المسألة كان يتم وفق أنظمة وإجراءات عامة دون وجود نص قانوني مباشر ضمن نظام الاستثمار الأجنبي.
أما نظام الاستثمار السعودي الجديد، فقد نصت المادة التاسعة منه على منح وزارة الاستثمار الحق في إيقاف أي استثمار أجنبي لحماية الأمن الوطني، على أن يكون قرار الإيقاف مبنيًا على أساس موضوعي، وبما يتماشى مع التزامات المملكة بموجب الاتفاقيات الدولية، ووفق الإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية.
ويبرز هذا التغيير كإضافة جوهرية في النظام الجديد، حيث يتيح إطارًا قانونيًا واضحًا لإدارة الاستثمارات الأجنبية في إطار متطلبات الأمن الوطني، مما يوفر مرونة تنظيمية محكمة مع الحفاظ على التزامات المملكة الدولية.
تاسعًا: تسجيل المستثمرين والسجل الوطني
من أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي إدخال مفهوم السجل الوطني للمستثمرين، وهو ما لم يكن موجودًا في النظام السابق. فقد كان نظام الاستثمار الأجنبي لعام 1421هـ لا يشترط تسجيل المستثمرين الأجانب في سجل وطني مركزي، مما قد يؤدي إلى تحديات في تتبع البيانات الاستثمارية وإدارتها.
أما نظام الاستثمار السعودي الجديد، فقد استحدث سجلًا وطنيًا للمستثمرين تديره وزارة الاستثمار، وأوجب على المستثمر الأجنبي التسجيل لدى الوزارة قبل القيام بأي استثمار، وفقًا لما تحدده اللائحة التنفيذية. وقد نصت المادة السابعة من النظام الجديد على مجموعة من الضوابط، منها:
- إنشاء سجل وطني يتضمن جميع المعلومات والبيانات المتعلقة بالمستثمرين واستثماراتهم.
- إلزام المستثمر الأجنبي بالتسجيل قبل مزاولة الاستثمار، باستثناء الاستثمارات الخاضعة لنظام السوق المالية.
- إلزام الجهات المختصة بتزويد وزارة الاستثمار بالمعلومات اللازمة لإنشاء السجل أو تحديثه.
- استحداث مركز خدمة شاملة داخل وزارة الاستثمار لتسهيل إجراءات المستثمرين، والتنسيق مع الجهات المختصة لاستيفاء المتطلبات النظامية.
ويعد هذا التغيير من أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي، حيث يعزز من شفافية البيئة الاستثمارية، ويضمن إدارة أكثر تنظيمًا للمستثمرين الأجانب، مما يسهم في رفع كفاءة الرقابة والتنسيق بين الجهات المختصة.
عاشرًا: الالتزامات الدولية
تُعد الالتزامات الدولية أحد أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي، حيث تناول النظامان هذه المسألة ولكن بصياغات قانونية مختلفة تعكس تطور النهج التنظيمي في المملكة.
-
الالتزامات الدولية في نظام الاستثمار الأجنبي (1421هـ):
نص نظام الاستثمار الأجنبي في المادة الخامسة عشرة على أن المستثمر الأجنبي ملزم بالتقيد بكل الأنظمة واللوائح والتعليمات المعمول بها في المملكة، إضافةً إلى الاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفًا فيها. وعلى الرغم من أن هذا النص يُشير إلى احترام الاتفاقيات الدولية، إلا أنه لم يتناول بشكل واضح علاقة النظام بهذه الاتفاقيات أو كيفية التعامل مع أي تعارض قد ينشأ بينها وبين التشريعات المحلية.
-
الالتزامات الدولية في نظام الاستثمار السعودي الجديد (1446هـ):
أما في نظام الاستثمار السعودي الجديد، فقد تم تعديل هذا المفهوم ليكون أكثر وضوحًا وتحديدًا، حيث نصت المادة الثالثة عشرة على أنه: “لا تخل أحكام النظام بأي من التزامات المملكة بموجب أي اتفاقية دولية نافذة تكون المملكة طرفًا فيها”.
ويُعد هذا النص أكثر تطورًا من حيث الصياغة؛ إذ يؤكد بشكل قاطع على أولوية الاتفاقيات الدولية عند تعارضها مع النظام المحلي، مما يعزز من التزام المملكة بالمعايير الدولية ويضمن بيئة استثمارية متوافقة مع الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها.
ومن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي أن النظام الجديد يتبنى نهجًا أكثر انفتاحًا في الالتزام بالاتفاقيات الدولية، حيث يضمن عدم تعارض الأنظمة المحلية مع التزامات المملكة الدولية. أما النظام السابق، فقد كان يُلزم المستثمرين الأجانب بالالتزام بالاتفاقيات الدولية، لكنه لم يحدد كيفية التعامل مع أي تعارض بين الأنظمة المحلية وهذه الاتفاقيات.
ومع ذلك، يمكن القول إن النظام الجديد لم يوضح بشكل تفصيلي الآلية التي سيتم اتباعها في حال نشأ تعارض بين أحكامه وأي اتفاقية دولية، مما قد يستوجب إصدار لائحة تنفيذية تُحدد كيفية تطبيق هذا الالتزام عمليًا.
الحادي عشر: العقوبات والمخالفات والتظلمات
تُعد العقوبات والمخالفات والتظلم من أهم العناصر التنظيمية التي شهدت تغييرًا جوهريًا بين النظامين، حيث تبنى نظام الاستثمار السعودي الجديد نهجًا أكثر تفصيلًا ومرونة في التعامل مع المخالفات، مقارنةً بما كان عليه الوضع في نظام الاستثمار الأجنبي.
-
العقوبات والمخالفات والتظلم في نظام الاستثمار الأجنبي (1421هـ):
نص نظام الاستثمار الأجنبي في المادة الثانية عشرة على أن المستثمر الأجنبي يُبلّغ كتابيًا في حال ارتكاب أي مخالفة، ويمنح مهلة لإزالة المخالفة. وإذا لم يتم تصحيحها، تُفرض عليه إحدى العقوبات الآتية:
- حجب الحوافز والمزايا المقررة للمستثمر الأجنبي.
- فرض غرامة مالية لا تتجاوز 500,000 ريال سعودي.
- إلغاء ترخيص الاستثمار الأجنبي.
وكانت هذه العقوبات تُطبق بقرار من الوزير، مع منح المستثمر حق التظلم أمام ديوان المظالم وفقًا للنظام.
كما نصت المادة الثانية عشرة على أن للمستثمر الحق في التظلم من أي قرار عقابي صادر بحقه أمام ديوان المظالم.
-
العقوبات والمخالفات في نظام الاستثمار السعودي الجديد (1446هـ):
أما نظام الاستثمار السعودي الجديد، فقد أعاد هيكلة العقوبات بحيث تكون أكثر تفصيلًا وتناسبًا مع نوع المخالفة. ونصت المادة الحادية عشرة على أن المخالفات تنقسم إلى:
- مخالفات غير جسيمة: يتم إبلاغ المستثمر لإزالتها خلال مدة تحددها اللائحة.
- مخالفات جسيمة: تُفرض العقوبات مباشرة دون الحاجة إلى منح مهلة لتصحيح الوضع.
وقد حددت المادة الحادية عشرة العقوبات التي يمكن توقيعها على المخالفين، والتي تشمل:
- الإنذار.
- فرض غرامة لا تزيد على 300,000 ريال سعودي، مع إمكانية مضاعفتها في حال تكرار المخالفة.
- إلغاء التسجيل.
كما نصت المادة ذاتها على تشكيل لجنة مختصة للنظر في المخالفات، تتألف من ثلاثة أعضاء على الأقل، أحدهم مختص في الأنظمة، مما يضمن التحقق من سلامة القرارات المتخذة بشأن العقوبات.
أما فيما يتعلق بالتظلمات في نظام الاستثمار السعودي الجديد لعام 1446هـ، فقد جاء أكثر دقة؛ حيث نصت المادة الثانية عشرة على أنه يجوز للمستثمر التظلم من أي قرار عقابي صادر عن الوزارة خلال (30) ثلاثين يومًا من تاريخ إبلاغه بالقرار، أمام المحكمة المختصة. ويعكس هذا توجهًا تنظيميًا أكثر انضباطًا ووضوحًا، حيث تم تحديد إطار زمني صارم لممارسة حق التظلم، إضافةً إلى تحديد جهة الاختصاص بشكل مباشر، مما يسهم في تحقيق قدر أعلى من الشفافية والعدالة الإجرائية.
ومن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي أن النظام الجديد قدم تصنيفًا واضحًا للمخالفات، وحدد إجراءات أكثر تنظيمًا وشفافية في فرض العقوبات. بينما كان النظام السابق أكثر عمومية، حيث لم يكن يُفرق بين المخالفات الجسيمة وغير الجسيمة، ولم يكن ينص على تشكيل لجنة مختصة للنظر في المخالفات.
ورغم أن نظام الاستثمار السعودي الجديد وضع إطارًا أكثر تفصيلًا للعقوبات والمخالفات، إلا أن الحد الأقصى للغرامات المالية المقررة فيه أقل مقارنةً بما كان منصوصًا عليه في نظام الاستثمار الأجنبي السابق، حيث كانت الغرامة القصوى في النظام القديم (500,000) خمسمائة ألف ريال سعودي، بينما حُددت في النظام الجديد بحد أقصى (300,000) ثلاثمائة ألف ريال سعودي، مع إمكانية مضاعفتها في حال تكرار المخالفة. وهذا التخفيض في الحد الأقصى في الغرامات يوضّح السياسة التحفيزية للمنظم في تعزيز البيئة الاستثمارية وفقًا لنظام الاستثمار السعودي الجديد.
كما أن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي في مسألة التظلم تتجلى في ثلاثة محاور رئيسية تعكس تطور النهج القانوني في حماية حقوق المستثمرين. فمن حيث جهة التظلم، كان النظام القديم يُلزم المستثمر بتقديم التظلم أمام ديوان المظالم، بينما حدد النظام الجديد المحكمة المختصة كجهة معنية بنظر التظلمات. أما فيما يتعلق بالإطار الزمني، فلم يكن النظام السابق يضع مهلة قانونية واضحة لتقديم التظلم، بينما جاء النظام الجديد ليحسم هذه المسألة بتحديد مهلة (30) ثلاثين يومًا من تاريخ إبلاغ المستثمر بالقرار، مما يرسخ الانضباط الإجرائي ويمنع إطالة النزاعات دون مبرر قانوني. وأخيرًا، من حيث تفصيل الإجراءات، تبنى النظام الجديد نهجًا أكثر تنظيمًا في تحديد آليات التظلم، مما يعزز الأمان القانوني والاستثماري ويمنح المستثمرين الثقة في شفافية وعدالة القرارات المتخذة بحقهم، ليشكل هذا التغيير أحد أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي في حماية الحقوق وضمان حوكمة القرارات الإدارية.
وختامًا،
يتضح أن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي تعكس تطورًا تشريعيًا يعزز من جاذبية البيئة الاستثمارية في المملكة، من خلال تبني إطار تنظيمي أكثر شمولًا ووضوحًا يضمن تكافؤ الفرص بين المستثمرين المحليين والأجانب، ويوفر مزيدًا من الحماية القانونية وضمانات التحفيز الاستثماري. فقد أرسى النظام الجديد مفاهيم حديثة لتنظيم الاستثمار، وعزز حرية المستثمرين، ووضع أسسًا واضحة للمساواة في المعاملة، وأدخل تحسينات جوهرية على آليات حماية الحقوق وحل النزاعات. كما جاءت إضافة السجل الوطني للمستثمرين، وتعزيز الالتزامات الدولية، ووضع نظام أكثر تنظيمًا للعقوبات والمخالفات والتظلمات ضمن أبرز الفروقات بين نظام الاستثمار السعودي الجديد ونظام الاستثمار الأجنبي، مما يؤكد على التوجه نحو إطار قانوني أكثر مرونة وشفافية يتماشى مع المعايير الدولية.
