صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال وفقًا للنظام السعودي

صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال

اهم العناويين

تتجسد صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال وفقًا للنظام السعودي كجدار قانوني صلب يقف في مواجهة هذا النوع من الجرائم بالغة التعقيد، والتي تتطلب أدوات نظامية وآليات تنفيذية دقيقة تمتد من التحري الاستباقي إلى التفتيش والمراقبة والحجز الفوري. فبموجب نصوص نظام مكافحة غسل الأموال ولائحته التنفيذية، أُسند إلى النيابة العامة اختصاصات نوعية تشمل إصدار الأوامر بالحجز التحفظي دون إشعار مسبق، وطلب السجلات والمعلومات الخاضعة للسرية من الجهات المالية والمهنية، بالإضافة إلى إشرافها الكامل على إجراءات التفتيش، واعتراض الوسائط والرسائل، وتوجيه عمليات الرقابة التقنية على جميع أشكال البيانات المرتبطة بالجرائم المالية.

ولا تقف صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال عند حدود الطلب والمراقبة، بل تمتد إلى سلطة التحقيق والادعاء أمام المحكمة المختصة، وإصدار التوجيهات اللازمة للجهات الخاضعة لإشرافها، مع تسخير صلاحيات رجال الضبط الجنائي تحت إشرافها المباشر للقيام بالبحث والتحري وجمع الأدلة، وتعقب المتحصلات أو الوسائط، والقيام بالعمليات السرية وتسليم المراقب في إطار زمني دقيق وتنفيذي محكم.

صلاحيات النيابة العامة
صلاحيات النيابة العامة

أولًا: ما هي صلاحيات النيابة العامة في طلب المعلومات والحجز التحفظي؟

تبرز صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال باعتبارها حجر الزاوية في المنظومة الإجرائية للنظام السعودي، إذ أسند لها المشرع جملة من الإجراءات الحاسمة التي تمكّنها من فرض رقابة فورية على التدفقات المالية المشبوهة، والحد من تحرك الأموال التي يُشتبه في كونها متحصلة من جريمة غسل أموال أو جريمة أصلية. وفي صلب هذه الصلاحيات، تأتي أداة طلب المعلومات والبيانات من الجهات الخاضعة للرقابة، جنبًا إلى جنب مع صلاحية الحجز التحفظي المبكر، وذلك دون الحاجة إلى إشعار مسبق للجهة المعنية، ووفقًا لضوابط صارمة تضمن السرية والفعالية في الإجراءات. وتستند النيابة العامة في هذه التدابير إلى النصوص الصريحة الواردة في النظام، وما يقابلها من تفصيلات إجرائية في اللائحة التنفيذية، والتي تُرسّخ آليات دقيقة تتعلق بالتنفيذ الفوري، والإبلاغ السري، وعدم جواز الاعتراض الموضوعي على الأوامر الصادرة من النيابة العامة. ونستعرض فيما يلي صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال في جانبيها المتعلقين بطلب المعلومات، والأوامر الصادرة بالحجز التحفظي، وما يترتب عليهما من التزامات نظامية حاسمة.

 

  • ما هي صلاحيات النيابة العامة في طلب المعلومات والبيانات من الجهات المعنية؟

وفقًا لنص المادة (43) من نظام مكافحة غسل الأموال، تتمتع النيابة العامة بصلاحية قانونية مباشرة في طلب أي معلومات أو مستندات أو بيانات من المؤسسات المالية، أو الأعمال والمهن غير المالية المحددة، أو المنظمات غير الهادفة للربح، وذلك سواء بمبادرة منها أم بناءً على طلب من رجل الضبط الجنائي. ويُلزم النظام جميع الجهات المتلقية للطلب بتنفيذه بدقة ووضوح، وفي الإطار الزمني المحدد، دون أي تأخير.

ولضمان فاعلية الإجراءات، نصت المادة (43/1) من اللائحة التنفيذية على أن الطلب يُنفذ دون إنذار مسبق للجهة المعنية، وتقوم الجهة الرقابية بدورها بتوجيه الأمر مباشرة إلى الجهة المطلوب منها التعاون، مع تحديد شكل وطريقة التزويد بالمعلومات. وتُمنع الجهة الرقابية صراحة، بموجب المادة (43/3)، من مراجعة مضمون الأمر الصادر من النيابة العامة، أو الاعتراض عليه من الناحية الموضوعية، أو حجب أو تعديل أي من البيانات أو الوثائق المطلوب تسليمها.

وتُعزز هذه الصلاحيات من قدرة النيابة العامة على اتخاذ إجراءات استباقية رادعة في مواجهة أي نشاط مشتبه به، بما يجعلها فاعلًا محوريًا في تطبيق صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال، ويكفل لها الوصول السريع إلى المعلومة الدقيقة.

 

  • ما هي الضوابط النظامية للحجز التحفظي على الأموال؟

أعطى النظام للنيابة العامة، بموجب المادة (44)، سلطة إصدار أمر بالحجز التحفظي على الأموال التي تشكل محلًا للمصادرة أو يُحتمل أن تصبح كذلك، سواء بمبادرة منها، أم بطلب من الإدارة العامة للتحريات المالية، أم من رجل الضبط الجنائي، عند توافر شبهة جريمة غسل أموال أو جريمة أصلية.

ويُصدر أمر الحجز التحفظي دون إشعار مسبق للطرف المعني، ولمدة لا تتجاوز (60) يومًا، مع إمكانية تمديد المدة بأمر قضائي صادر من المحكمة المختصة، بما يضمن حماية الإجراءات من التعطيل أو العبث، مع الحفاظ على حقوق الأطراف حسني النية.

ولمزيد من الفاعلية، خوّل النظام النيابة العامة – عند إصدار أمر الحجز – أن تبقي الأموال المحجوزة تحت إدارة الطرف ذي العلاقة، أو تطلب نقلها إلى جهة مختصة، بما يحد من احتمالات إخفائها أو التصرف فيها. وتندرج هذه الآلية ضمن أبرز تجليات صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال، حيث تتفاعل النيابة بمرونة وسرعة في ضبط الأموال، بالتوازي مع التحقيقات والتحريات.

 

  • ما هي التزامات الجهات الرقابية في تنفيذ أوامر النيابة العامة؟

أكدت المادة (43/2) من اللائحة التنفيذية التزام الجهة الرقابية فور حصولها على الوثائق أو المعلومات المطلوبة بإبلاغ النيابة العامة مباشرة، والتزويد بها بالطريقة والشكل المتفق عليه. ولا يجوز للجهات الرقابية أن تؤخر الإجراء، أو تعدّل في مضمون المستندات، أو ترفض تنفيذ أمر صادر عن النيابة العامة تحت أي مبرر موضوعي.

ومن خلال هذه المنظومة الدقيقة، يتضح أن المشرع السعودي قد رسم حدودًا واضحة لتنفيذ صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال، بما يضمن حوكمة صارمة لتدفق المعلومات بين الأطراف، ويُغلّف العملية القانونية بغلاف من السرية والإلزام والسرعة، وهو ما يعكس نضج الإطار القانوني للمواجهة المؤسسية لهذه الجريمة.

 

ثانيًا: ما هي سلطات النيابة العامة في إصدار أوامر التفتيش والمراقبة؟

     تُشكّل صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال حجر الأساس في المنظومة الإجرائية لمواجهة هذا النوع من الجرائم في النظام السعودي، حيث خولها النظام سلطات استثنائية دقيقة تمكّنها من التصدي الفوري لأي نشاط مشبوه. وتبرز من بين صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال تفتيش المساكن والمقار الخاصة أو المهنية، وكذلك أوامر المراقبة الشاملة للاتصالات والمراسلات، باعتبارها تدابير احترازية ووقائية ضرورية تهدف إلى جمع الأدلة وتعقب المتحصلات الإجرامية قبل ضياعها أو تهريبها.

 

  1. ما نطاق صلاحيات النيابة العامة في إصدار أوامر التفتيش؟

تتيح المادة (45) من نظام مكافحة غسل الأموال للنيابة العامة إصدار مذكرة تخوّل رجل الضبط الجنائي أو المحقق دخول المساكن أو المكاتب أو مقار الجهات المبلغة، وذلك بهدف البحث عن الأموال أو الممتلكات أو الوثائق أو المعلومات المرتبطة بجريمة غسل أموال أو جريمة أصلية، أو القبض على الأشخاص المرتبطين بها. ويشترط أن يكون ذلك في حدود المدة المحددة في الإذن، مع عدم الإخلال بما ورد في نظام الإجراءات الجزائية.

وتُبرز هذه الصلاحية الوجه العملي من صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال، إذ تُمكن الجهات المختصة من التدخل العاجل في المواقع ذات الصلة بالتحقيق، دون الحاجة إلى إخطار مسبق، مما يحول دون تهريب أو إتلاف الأدلة. بل إن النظام سمح – في حالات الضرورة – بالتفتيش دون الحصول على إذن مسبق، بشرط توثيق مبررات العجلة في محضر رسمي، وهو ما يؤكد مدى ما تتمتع به هذه السلطة من مرونة محسوبة بموجب النصوص النظامية ذات الطابع الاستثنائي.

كما ألزمت المادة ذاتها النيابة العامة بإبلاغ الجهة المشرفة على الجهة المبلغة بجميع الإجراءات التي اتخذت بموجب أمر التفتيش، في إطار من الشفافية النظامية والتنسيق الإداري، مما يعزز من مفهوم الضبط المؤسسي عند ممارسة صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال.

 

  1. كيف تباشر النيابة العامة سلطتها في أوامر المراقبة والاعتراض؟

وسّعت المادة (46) من ذات النظام من الإطار الإجرائي الممنوح للنيابة العامة، لتشمل إصدار أمر مسبب يُتيح لرجل الضبط الجنائي أو المحقق مراقبة وضبط واعتراض وتسجيل كافة أشكال الأدلة والرسائل والاتصالات. ويشمل هذا الخطابات، والمطبوعات، والطرود، ووسائل الاتصال، والمحادثات الهاتفية، بالإضافة إلى البيانات والمعلومات الإلكترونية المخزنة في أجهزة الحاسب الآلي، سواء ارتبطت الجريمة بغسل أموال أم كانت جريمة أصلية.

وتُعد هذه الصلاحية من أبرز أدوات المواجهة الرقمية الحديثة، وهي تمثّل تطورًا استراتيجيًا في صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال، حيث تتيح الوصول المباشر إلى مصادر المعلومات الإلكترونية والاتصالية، في توقيت مبكر من مراحل التحقيق، ما يمنح التحقيقات طابعًا استباقيًا ومعلوماتيًا بالغ الدقة.

ومن الجوانب القانونية الدقيقة في هذه المادة، أن إصدار أمر المراقبة يجوز أن يتم من طرف واحد، ودون إخطار مسبق للطرف المعني، وذلك ضمانًا لسرية الإجراء ومنع العبث المحتمل بالأدلة، وهو ما يشكّل أحد أهم مظاهر التوازن بين الكفاءة الإجرائية واحترام الإجراءات النظامية.

 

ثالثًا: ما هو دور النيابة العامة ورجال الضبط الجنائي في التحقيق والملاحقة في جرائم غسل الأموال؟

     في قلب الإجراءات النظامية لمكافحة غسل الأموال، تتجسد صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال بصورتها الأوضح من خلال دورها المركزي في التحقيق والملاحقة، إلى جانب المهام الحيوية التي يضطلع بها رجال الضبط الجنائي. ويقوم هذا التنسيق بين الجهتين على قواعد واضحة حددها نظام مكافحة غسل الأموال، واضعًا النيابة العامة في موقع المحرك الإجرائي الأول، ومانحًا رجال الضبط الجنائي سلطات مباشرة في جمع الأدلة وتعقب المتحصلات والوسائط المرتبطة بالجرائم المالية. ومن خلال قراءة دقيقة وتحليل المواد (47) و(48) و(49) من النظام، نكشف الأبعاد الحقيقية لمهام التحقيق والملاحقة في جرائم غسل الأموال، ونبرز كيف تُمارس صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال ضمن إطار مؤسسي محكم ومرن في الوقت ذاته.

 

  • ما هو الإطار القضائي للفصل في جرائم غسل الأموال؟

أقرت المادة (47) من النظام أن المحكمة المختصة هي الجهة المخولة بالفصل في جميع الجرائم الواردة في النظام، بما فيها جريمة غسل الأموال. وهذه الإحالة الحصرية إلى المحكمة المختصة تعني أن كل إجراء تمهيدي تقوم به النيابة العامة أو الضبط الجنائي ينتهي بموجب هذا النص إلى سلطة القضاء، التي تنفرد بإصدار الحكم الفاصل في القضية محل النظر، سواء أكان حكمًا بالإدانة أم بالبراءة أم أي حكم موضوعي آخر.

ويُشكل هذا التخصيص ضمانة عدلية مهمة، ويُعزز من مشروعية كافة الخطوات السابقة عليه، حيث تراقب المحكمة لاحقًا مشروعية ما جرى من تحقيقات أو ضبطيات أو تحريات. وهنا تبرز العلاقة الجوهرية بين عمل السلطة القضائية من جهة، وبين صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال بوصفها الضامن المهني لتنفيذ الإجراءات النظامية قبل الإحالة إلى القضاء المختص.

  • كيف تباشر النيابة العامة مهام التحقيق والادعاء في هذه الجرائم؟

تنص المادة (48) من النظام على أن النيابة العامة تتولى التحقيق في جرائم غسل الأموال، والادعاء أمام المحكمة المختصة، ولها كذلك إصدار قواعد وإرشادات للجهات التي تخضع لإشرافها، وذلك وفقًا لأحكام نظام الإجراءات الجزائية. وتُشكّل هذه المهام الامتداد الطبيعي والدستوري لمفهوم صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال، حيث تضطلع النيابة العامة بدور مزدوج يجمع بين التحقيق بوصفه إجراءً سابقًا على رفع الدعوى، والادعاء بوصفه تمثيلًا للحق العام أمام المحكمة المختصة.

وتُخوّل النيابة، بموجب هذه المادة، ممارسة سلطات واسعة تشمل استدعاء الشهود، واستجواب المتهمين، وطلب الخبرات الفنية، واتخاذ جميع التدابير التي من شأنها جمع الأدلة وتعزيز الموقف القانوني في القضية، بالإضافة إلى مراقبة أداء الجهات الأخرى الخاضعة لها، عبر إصدار قواعد تنظيمية وإرشادات تنفيذية تضمن الامتثال الصارم للنصوص النظامية.

ولا شك أن هذه المهام تعكس بوضوح عمق صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال، وتكشف عن مدى ما تتمتع به من استقلالية في إدارة ملف الجريمة منذ لحظة الاشتباه وحتى تقديم الدعوى إلى المحكمة المختصة.

 

  • ما هو الدور المباشر لرجال الضبط الجنائي في هذه الجرائم؟

بحسب المادة (49) من النظام، يتولى رجال الضبط الجنائي، كلٌ حسب اختصاصه، القيام بالبحث والتحري وجمع الأدلة، إضافة إلى الملاحقة الجنائية والإدارية، بغرض تحديد متحصلات الجريمة أو وسائطها أو تعقّبها أو التحفظ عليها. ويعني ذلك أن رجال الضبط الجنائي لا يكتفون بمهمة تنفيذية، بل هم طرف أساسي في مسار التحقيق، خصوصًا في المراحل الأولية التي يكون فيها الوقت عنصرًا حاسمًا.

ويمتد نطاق عملهم ليشمل التحريات الميدانية، والمراقبة، وضبط الوسائط والأموال محل الجريمة، وجمع الشهادات، والتنسيق مع الجهات المختصة، والرفع بكافة ما يتم جمعه إلى النيابة العامة، التي تُقيّم بدورها الأدلة وتتخذ القرار النظامي المناسب. وهو ما يُبرز التداخل المهني الدقيق بين الجهات المعنية، ويفرض على رجال الضبط احترام ما تصدره النيابة من توجيهات ضمن سلسلة صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال.

 

رابعًا: ما هي الوسائل السرية التي يجوز استخدامها لجمع الأدلة في جرائم غسل الأموال؟

تُعد الوسائل السرية أحد الأدوات الاستثنائية التي خوّل النظام السعودي لجهات الضبط الجنائي استخدامها عند التعامل مع جرائم غسل الأموال؛ لما لتلك الجرائم من طبيعة مركبة وآليات إجرامية تتسم بالتمويه والتخفي، مما يستلزم أساليب دقيقة وغير تقليدية في التحري وجمع الأدلة. وقد حددت اللائحة التنفيذية لنظام مكافحة غسل الأموال، وتحديدًا في المادة (49)، ثلاث وسائل سرية نظامية تُمارَس ضمن إطار قانوني صارم وتحت رقابة الجهات المختصة، وذلك بهدف تعزيز فاعلية الإجراءات الجنائية دون الإخلال بضمانات العدالة.

 

  1. إجراء عملية سرية بإذن نظامي مسبب:

بموجب المادة (49/1) من اللائحة التنفيذية، يجوز لجهات الضبط الجنائي استصدار أمر مسبب يخول أحد رجال الضبط الجنائي القيام بعملية سرية لجمع الأدلة في جريمة غسل أموال أو جريمة أصلية. وتُعرف هذه العملية بأنها وسيلة تحرٍّ سرية يُباشر من خلالها رجل الضبط المختص أعمال التحري والبحث الميداني من دون كشف هويته، بغرض الحصول على دليل أو معلومات ترتبط بالنشاط الإجرامي. ويتم هذا الإجراء استنادًا إلى أمر نظامي صادر من جهة مختصة، ومسبب بشكل دقيق، بما يضمن ضبط حدود الإجراء قانونيًا. ويُعد هذا النوع من الإجراءات امتدادًا مباشرًا لما تملكه صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال من رقابة وإشراف على التحقيقات الجنائية، حيث يتم التنسيق معها في أغلب الحالات لضمان التزام العملية السرية بجميع الضوابط القانونية.

 

  1. القيام بعملية تسليم مراقب تحت إشراف وزارة الداخلية:

أجازت المادة (49/2) من اللائحة لجهات الضبط الجنائي القيام أو المساهمة في تنفيذ عملية تسليم مراقب، وذلك بشرط أن يكون هذا الإجراء تحت إشراف مباشر من وزارة الداخلية. وتُعد هذه الوسيلة من الوسائل المتقدمة المعمول بها في الجرائم ذات الطابع العابر للحدود، إذ يُسمح من خلالها بمرور أموال أو أشخاص أو أشياء مشبوهة تحت رقابة أمنية صارمة، بقصد تعقبها وتحديد أطراف الجريمة، أو الوصول إلى الأدلة والوسطاء والمستفيدين النهائيين من النشاط الإجرامي.

 

  1. اتخاذ جميع الترتيبات النظامية لتعقب مرتكبي الجريمة:

تنص المادة (49/3) من اللائحة على أنه يحق لجهات الضبط الجنائي اتخاذ كافة الترتيبات النظامية التي تمكّنها من الوصول إلى مرتكبي الجريمة، وهو نص واسع يمنح الجهات المختصة صلاحيات مرنة ومدروسة، على أن تكون جميع تلك الترتيبات ضمن حدود النظام والإجراءات الجزائية. وقد تشمل هذه الترتيبات المراقبة الميدانية، والتنسيق مع وحدات التحريات المالية، واستخدام التقنيات المتقدمة في الرصد والتحليل، إلى جانب المتابعة المشتركة مع الجهات الدولية أو الإقليمية المختصة عند الحاجة. ويُعد هذا النوع من الإجراءات أحد التطبيقات الفعلية لما تتضمنه صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال من توجيه وإشراف على الجهود الميدانية الرامية إلى كشف الفاعلين وتعقبهم، مما يعزز من كفاءة الأداء الإجرائي.

 

وختامًا،

تتبدّى صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال وفقًا للنظام السعودي كأحد أبرز أوجه القوة النظامية التي تتيح للدولة بسط رقابتها الحازمة على مصادر الأموال المشبوهة، من خلال منظومة متكاملة من الإجراءات تبدأ بطلب المعلومات والوثائق المحاطة بالسرية، وتمتد إلى الحجز التحفظي الفوري، وتصل إلى إصدار أوامر تفتيش دقيقة، واعتراض الأدلة الرقمية والمراسلات المحمية، وانتهاءً بالإشراف المباشر على عمليات التحري السرّي والتسليم المراقب بالتنسيق مع جهات الضبط. وفي ظل هذا النسق المحكم من الاختصاصات، تترسخ المكانة المحورية للنيابة العامة باعتبارها الجهة التنفيذية الأولى في ميدان مكافحة غسل الأموال، بما يضمن إحكام الرقابة على مصادر الجرائم الأصلية، وتعزيز موثوقية الإجراءات العدلية.

للتواصل معنا

صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال
صلاحيات النيابة العامة في مكافحة جرائم غسل الأموال

 

شارك المقالة :

الكلمات المفتاحية

اترك تعليقك

Post Your Comment