تُعد شركة المساهمة من أبرز الكيانات الاقتصادية في النظام التجاري السعودي، ، وتتجلى أهمية هذا الكيان في نظام إدارته الذي يحقق التوازن بين الشفافية والمسؤولية، ويعزز من قدرة الشركة على تلبية متطلبات السوق المتغيرة، فتخضع طريقة إدارة شركة المساهمة لقواعد قانونية وضعها نظام الشركات السعودي ؛ إذ تمنح هذه القواعد مجلس الإدارة صلاحيات واسعة تمكّنه من قيادة الشركة بكفاءة وفعالية. ونتناول في هذا المقال الأسس والآليات التي تحكم إدارة شركة المساهمة، مع التركيز على دور مجلس الإدارة، وعملية انتخاب أعضائه، وتوزيع الصلاحيات داخل المجلس، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: تعريف شركة المساهمة في النظام السعودي؟
تعرَّف شركة المساهمة وفقًا للمادة الثامنة والخمسين من نظام الشركات السعودي ، بأنها: شركة يُؤسسها شخص أو أكثر من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية، ويُقسم رأس مالها إلى أسهم قابلة للتداول، وتكون الشركة مسؤولة وحدها عن الديون والالتزامات الناشئة عن نشاطها، فيما تقتصر مسؤولية المساهم على قيمة الأسهم التي اكتتب فيها، مما يضفي طابع الأمان والوضوح في حدود المخاطر المالية التي يتحملها المستثمر.
ثانيًا: كيف يمكن الترشح لعضوية مجلس إدارة شركة المساهمة؟
يدير شركة المساهمة مجلس إدارة يتكون من عدد لا يقل عن ثلاثة أعضاء، كما ورد في المادة السابعة والستين. ويحق لأي مساهم ترشيح نفسه أو غيره من المساهمين أو حتى من غير المساهمين ليكون عضوًا في مجلس الإدارة، مما يتيح حرية واسعة في اختيار أعضاء المجلس، ويُعزز من مرونة تشكيله وفقًا لمصالح الشركة ورؤيتها.
ثالثًا: ما هي شروط وآليات انتخاب أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة؟
تنتخب الجمعية العامة العادية للشركة أعضاء مجلس الإدارة وفقًا لأحكام المادة الثامنة والستين، ويشترط أن يكون أعضاء مجلس الإدارة من الأشخاص ذوي الصفة الطبيعية، أي: الأفراد، مما يعزز من المسؤولية الفردية في أداء المهام. وتتولى اللوائح ونظام الشركة الأساسي تحديد آليات التصويت لانتخاب أعضاء مجلس الإدارة، مما يوفر مرونة للشركة في اتباع الأسلوب الأنسب لها من بين الأساليب الانتخابية المسموح بها.
وحدد نظام الشركات مدة عضوية مجلس الإدارة، بحيث لا تتجاوز أربع سنوات، وفقًا لأحكام المادة الثامنة والستين، ويجوز إعادة انتخاب أعضاء المجلس، إلا إذا نص النظام الأساسي للشركة على خلاف ذلك. ويتيح هذا التحديد للمساهمين فرصة تقييم أداء أعضاء مجلس الإدارة وإمكانية تجديد الثقة فيهم أو اختيار من يعكس رؤية جديدة لتحقيق أهداف الشركة.
ويمثل عزل أعضاء مجلس الإدارة إحدى الصلاحيات الأساسية التي تحتفظ بها الجمعية العامة ، فوفقًا لنظام الشركات، يبين النظام الأساسي للشركة الحالات التي تنتهي فيها العضوية في مجلس الإدارة، إما بانتهاء المدة أو بناءً على طلب من المجلس، كما يحق للجمعية العامة العادية عزل أعضاء مجلس الإدارة في أي وقت، حتى لو لم ينص النظام الأساسي على ذلك، وفي حال عزل الأعضاء أو بعضهم، يتعين على الجمعية العامة انتخاب مجلس جديد أو عضو بديل حسب الأحوال.
وتسعى الضوابط التي تضعها هيئة السوق المالية لعزل أعضاء مجلس الإدارة إلى تحقيق التوازن بين استمرارية الشركة وبين حق المساهمين في استبدال مجلس الإدارة في حال دعت الحاجة إلى ذلك.
رابعًا: ما هي صلاحيات مجلس الإدارة في شركة المساهمة؟
يُعتبر مجلس إدارة شركة المساهمة العمود الفقري الذي يُبنى عليه هيكل الشركة واستراتيجياتها، ويقوم بدور أساسي في توجيهها نحو تحقيق أهدافها، لذلك منح نظام الشركات لمجلس الإدارة صلاحيات شاملة، وذلك لضمان تحقيق أكبر قدر من المرونة في الإدارة وتوجيه مسار الشركة نحو النمو المستدام. ونستعرض هنا أهم الصلاحيات التي يتمتع بها مجلس إدارة شركة المساهمة وفقًا لنظام الشركات، مع توضيح نطاق هذه الصلاحيات وطبيعتها:
-
السلطات الواسعة لمجلس الإدارة:
يتمتع مجلس إدارة شركة المساهمة وفقًا للمادة السابعة والسبعين من نظام الشركات السعودي ، بصلاحيات واسعة لإدارة الشركة وتحقيق أغراضها، ما لم ينص النظام أو نظام الشركة الأساس على استثناءات معينة تختص بها الجمعية العامة، وتتجسد هذه الصلاحيات في سلطة اتخاذ القرارات التي تتعلق بالأمور الاستراتيجية والتشغيلية، بما يتماشى مع رؤية الشركة وأهدافها.
وتعكس هذه الصلاحيات الاستقلالية التي يتمتع بها المجلس؛ إذ يستطيع أن يتخذ جميع الإجراءات والقرارات اللازمة لضمان استمرارية الشركة وتحقيق مصالحها. بل ويتيح النظام للمجلس أن يفوض أحد أعضائه أو شخصًا آخر من خارج المجلس لتنفيذ بعض الأعمال التي تدخل في اختصاصاته، مما يسهم في تعزيز الكفاءة والسرعة في اتخاذ القرارات.
-
التزام الشركة بأعمال مجلس الإدارة:
نصت المادة السابعة والسبعون كذلك على أن الشركة تكون ملتزمة بجميع الأعمال والتصرفات التي يجريها مجلس الإدارة باسمها، حتى لو كانت تلك الأعمال خارج اختصاص المجلس، بشرط أن يكون من تعامل مع الشركة حسن النية وغير عالم بتجاوز المجلس لاختصاصاته، وتأتي هذه الحماية لضمان استقرار التعاملات التجارية وتوفير الطمأنينة للمتعاملين مع الشركة، حيث يُعتبر تصرف مجلس الإدارة ملزمًا للشركة في جميع الأحوال ما لم يكن هناك سوء نية من الطرف الآخر المتعامل.
خامسًا: ما هي واجبات مجلس إدارة شركة المساهمة؟
يتحمل أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة مسؤوليات جوهرية تعزز الشفافية وتحقق الأمانة المهنية، وتضمن إدارة الشركة بما يحقق مصالحها وأهدافها على المدى البعيد، فقد جاءت المادة السادسة والعشرون من النظام، مع توضيحات المادة الحادية عشرة من لائحته التنفيذية، لتضع إطارًا من المبادئ الأساسية التي يجب على عضو مجلس الإدارة الالتزام بها، مما يُلزم كل عضو بمراعاة واجبي العناية والولاء، والعمل بإخلاص لتحقيق أهداف الشركة، وذلك على النحو الآتي:
-
واجب العمل بحسن نية لتحقيق مصلحة الشركة:
من أبرز واجبات عضو مجلس الإدارة العمل بحسن نية لأجل تحقيق مصالح الشركة، مع ضرورة بذل كل ما يعزز نجاحها، ويدعم تنميتها، ويعظم من قيمتها لصالح الشركاء أو المساهمين، بما يحقق استدامة الشركة وتطورها في السوق. كما يجب على عضو مجلس الإدارة أداء واجباته المهنية بروح النزاهة التي تستلزم الابتعاد عن أي مصالح شخصية قد تتعارض مع مصلحة الشركة، ما يضمن الشفافية في اتخاذ القرارات.
-
الموضوعية وحيادية القرارات:
يلتزم عضو مجلس الإدارة بتبني الموضوعية والحياد عند اتخاذ القرارات الخاصة بإدارة الشركة، وتفاديًا لأي حالات قد تؤثر على حياده، فإن العضو يُلزم بتجنب المشاركة في القرارات التي قد تؤدي إلى تضارب في المصالح، ويسهم هذا الحياد في تعزيز الثقة بين المساهمين ويحفظ مصالحهم، ويشكل أساسًا في تحصين الشركة ضد أي تجاوزات محتملة.
-
الالتزام بالمهارة والمعرفة اللازمة:
يُلزم كل عضو من مجلس الإدارة وفقًا للمادة السادسة والعشرون من النظام، أن يؤدي مهامه بمستوى عالٍ من المهارة والمعرفة، بحيث تُتخذ قرارات مستنيرة تستند إلى الخبرة العامة والمعرفة المتوقعة ممن يشغل هذا المنصب الرفيع، ويجب أن يُظهر كل عضو الكفاءة في اتخاذ القرارات، الأمر الذي يسهم في تفادي المخاطر المحتملة وتعزيز موقع الشركة التنافسي.
-
تجنب استغلال المنصب:
من الأسس التي يقوم عليها النظام هو منع عضو مجلس الإدارة من استغلال منصبه أو سلطاته لتحقيق منافع شخصية، ويتطلب هذا الالتزام من العضو ألا يستغل صلاحياته لأي غرض شخصي، حيث يعتبر هذا النهج جزءًا من واجبات الولاء والنزاهة المهنية التي تعزز من ثقة المساهمين في إدارة الشركة.
-
التحكم في حالات تعارض المصالح والإفصاح عنها:
يشكل تعارض المصالح أحد أكبر التحديات في عمل مجلس الإدارة. وفي هذا الإطار، فإن النظام يحظر على عضو المجلس، سواء كان مديرًا أم عضوًا عاديًا، أن تكون له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة، ما لم يحصل على ترخيص من الجمعية العامة للمساهمين. كما تحدد اللائحة التنفيذية معايير الترخيص، بحيث لا يتجاوز قيمة العقد نسبة معينة من إيرادات الشركة، ويجب أن يكون ضمن نشاط الشركة المعتاد ووفق شروط متكافئة. ويلتزم العضو في جميع الحالات بالإفصاح عن أي مصلحة له مباشرة أو غير مباشرة، سواء له أم لأحد أقاربه، كما يحظر عليه التصويت على أي قرار يتعلق بمصلحته.
-
الامتناع عن المنافسة غير المشروعة:
يُحظر على عضو مجلس الإدارة الاشتراك في أي نشاط يتعارض مع مصالح الشركة أو يندرج ضمن المنافسة غير المشروعة، وعلى العضو الحصول على ترخيص مسبق من الجمعية العامة إذا كان ينوي الدخول في نشاط قد يتعارض مع أنشطة الشركة، ويهدف هذا القيد إلى حماية الشركة من مخاطر المنافسة من قبل أعضائها.
-
الالتزام بالإبلاغ عن المصالح وتقديم التقارير اللازمة:
يُلزم النظام عضو مجلس الإدارة بضرورة إبلاغ المجلس فور علمه بأي مصلحة له في أي عمل أو عقد يتم لحساب الشركة. ويسجل هذا الإبلاغ في محضر اجتماع المجلس، كما يُبلغ الجمعية العامة في اجتماعها المقبل، ويشمل التقرير أيضًا تقريرًا من مراجع حسابات الشركة للتأكد من الشفافية في التعاملات.
-
المسؤولية القانونية عن القرارات والأضرار الناتجة:
تقع على عاتق أعضاء مجلس الإدارة بموجب المادة الثامنة والعشرين من نظام الشركات، مسؤولية تعويض الشركة والمساهمين عن أي أضرار تنشأ نتيجة تقصيرهم أو إهمالهم أو مخالفتهم لأحكام النظام أو النظام الأساسي للشركة، وإذا ثبت أن أعضاء المجلس قد أخلوا بواجباتهم ونتج عن ذلك ضرر للشركة أو المساهمين، فإنهم يتحملون المسؤولية القانونية عن هذه الأضرار، ويعفى فقط الأعضاء المعارضون للقرار من هذه المسؤولية إذا سجلوا اعتراضهم في محضر الاجتماع.
سادسًا: متى ينتهي دور مجلس الإدارة في شركة المساهمة؟
يُعتبر مجلس إدارة شركة المساهمة الهيئة المسؤولة عن قيادة الشركة واتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تدفعها نحو تحقيق أهدافها، إلا أن دورة المجلس لا تدوم إلى الأبد؛ إذ حدد نظام الشركات السعودي آليات دقيقة تحدد متى ينتهي دور مجلس الإدارة وكيفية التعامل مع حالات الشغور أو الاستقالة، بما يحافظ على استمرارية الشركة ويحمي حقوق المساهمين، وذلك على النحو الآتي:
-
انتهاء دورة مجلس الإدارة:
تبدأ مسؤولية مجلس الإدارة في الإعداد للانتقال بسلاسة إلى دورة جديدة من خلال دعوة الجمعية العامة العادية للانعقاد قبل انتهاء دورته بمدة كافية. ووفقًا للمادة التاسعة والستين من نظام الشركات، يُلزم المجلس بإجراء ترتيبات لإجراء انتخابات جديدة، وفي حال تعذر ذلك، يستمر الأعضاء الحاليون في ممارسة مهامهم بشكل مؤقت حتى يتم انتخاب مجلس إدارة جديد. ومع ذلك، لا ينبغي أن تتجاوز هذه الفترة المؤقتة الحد الزمني المحدد من قبل اللوائح، مما يضمن عدم بقاء الأعضاء خارج إطار شرعية الانتخاب لفترات طويلة.
-
الاعتزال وتقديم الاستقالات:
عند رغبة رئيس أو أعضاء مجلس الإدارة في الاعتزال، يجب عليهم دعوة الجمعية العامة العادية للانعقاد لاختيار خلفائهم، ويعتبر اعتزالهم نافذًا بعد انتخاب المجلس الجديد، وبما لا يتجاوز المدة التي تحددها اللوائح لضمان استمرارية أعمال الشركة دون انقطاع. كما يتيح النظام لأي عضو في المجلس أن يعتزل بإخطار مكتوب يقدمه إلى رئيس المجلس، ويصبح الاعتزال ساريًا من التاريخ المحدد في هذا الإخطار، ما يمنح المرونة للأعضاء دون التأثير على استقرار الشركة.
-
الشغور في عضوية مجلس الإدارة:
في حال وفاة أو اعتزال أحد أعضاء المجلس، وإذا لم يؤدِ ذلك إلى نقص العدد الأدنى اللازم لصحة انعقاد المجلس، يستطيع المجلس تعيين عضو مؤقت تتوافر فيه الخبرة والكفاءة المطلوبة، ويتم توثيق هذا التعيين لدى السجل التجاري وإبلاغ هيئة السوق المالية، إذا كانت الشركة مدرجة، ويظل هذا التعيين مؤقتًا إلى أن توافق الجمعية العامة عليه في اجتماعها الأول، ويكمل العضو الجديد مدة العضو السابق الذي خلفه.
-
التعامل مع نقص الأعضاء دون اكتمال النصاب القانوني:
إذا أدى نقص الأعضاء إلى فقدان النصاب القانوني اللازم لانعقاد المجلس، فإن النظام يُلزم الأعضاء المتبقين بدعوة الجمعية العامة العادية للانعقاد خلال ستين يومًا من تاريخ الشغور، لانتخاب العدد اللازم من الأعضاء لضمان اكتمال النصاب واستمرار أعمال المجلس بكفاءة.
-
التعامل مع فشل انتخاب مجلس إدارة جديد:
عند تعذر انتخاب مجلس إدارة جديد أو استكمال العدد اللازم من الأعضاء، ينص النظام على أنه يحق لأي ذي مصلحة التوجه إلى الجهة القضائية المختصة بطلب تعيين مشرفين من ذوي الخبرة والكفاءة لإدارة الشركة مؤقتًا، حيث يكون دورهم الإشراف على أعمال الشركة، ودعوة الجمعية العامة للانعقاد خلال تسعين يومًا؛ بهدف انتخاب مجلس إدارة جديد أو استكمال الأعضاء، أو حتى النظر في إمكانية حل الشركة.
وختامًا
تعتبر إدارة شركة المساهمة في السعودية نموذجًا متكاملًا يعكس التزام النظام التجاري بتحقيق الشفافية والحوكمة الرشيدة، فالنظام الدقيق الذي يحكم عمل مجلس الإدارة وأدوار أعضائه يضع الشركة في مسار يحقق الاستدامة المالية والإدارية، ويعزز ثقة المستثمرين والجمهور في قدرتها على التكيف مع التحديات وتحقيق الأهداف الاستراتيجية. كما أن التزام مجلس الإدارة بواجباته وصلاحياته، وفق نظام الشركات، ليس فقط أداة لضمان حقوق المساهمين، بل هو حجر الزاوية في تحقيق الازدهار والتنمية المستدامة في الاقتصاد.