تعد شركة المساهمة من أبرز الكيانات القانونية التي يُنظمها نظام الشركات السعودي ؛ حيث تُقدم نموذجًا اقتصاديًا قويًا يُتيح فرصًا استثمارية واسعة النطاق لمختلف الفئات من المستثمرين، وإن من أهم ما يميز هذه الشركة وجود هيكل تنظيمي محكم يقوم على فصل الملكية عن الإدارة، مما يُتيح توزيع رأس المال على شكل أسهم قابلة للتداول، تُستخدم لجمع رؤوس أموال ضخمة تُخصص لتمويل المشاريع الكبرى في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاعات الإنتاجية، والصناعية، والخدمية، فضلًا عن البنوك والأنشطة المالية الأخرى.
وتعتبر شركة المساهمة شخصية اعتبارية تسهم في حركة الأموال وتنشيط الأسواق؛ حيث تُعد أداة جذب استثماري تُتيح للمستثمرين من مختلف الفئات- سواء كانوا أفرادًا أم شركات، امتلاك حصص في مشاريع كبرى عن طريق الاكتتاب في الأسهم التي تطرحها الشركة. ويُعرف مالكو هذه الأسهم “بالمساهمين”، وتقتصر مسؤوليتهم القانونية تجاه ديون الشركة على قيمة الأسهم التي اكتتبوا بها، مما يُوفر لهم حماية قانونية قوية ويُعزز ثقتهم في الاستثمار، مع إتاحة فرص حقيقية لجني الأرباح الناتجة عن الأنشطة التي تُمارسها الشركة.
وفي ظل الدور المحوري الذي تلعبه شركات المساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات، يأتي هذا المقال لتسليط الضوء على تعريف شركة المساهمة وخصائصها، مع تناول تفاصيل رأس مالها وفقًا لما نص عليه نظام الشركات السعودي، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: ما المقصود بشركة المساهمة؟
تعرف شركة المساهمة طبقًا لما جاء بالمادة (58) من نظام الشركات السعودي بأنها: شركة يمكن أن تُؤسس من قبل شخص واحد أو أكثر، سواء كانوا أشخاصًا طبيعية أم اعتبارية. ويتميز رأس مال شركة المساهمة بتقسيمه إلى أسهم قابلة للتداول، مما يُسهل على المستثمرين بيع أو شراء حصصهم بحرية، ويُتيح للشركة جمع التمويل اللازم للتوسع والتطوير، ويجعل هذا الهيكل المالي المرن شركة المساهمة أداة مثالية لتمويل المشروعات الكبرى واستقطاب الاستثمارات طويلة الأجل.
وتنحصر مسؤولية المساهمين في شركة المساهمة في أداء قيمة الأسهم التي اكتتبوا بها فقط، مما يعني أن مسؤولياتهم لا تمتد إلى ديون الشركة أو التزاماتها الأخرى، وتتحمل الشركة وحدها، باعتبارها شخصية اعتبارية مستقلة، جميع الالتزامات المترتبة عليها. وبذلك تُعزز هذه الطبيعة القانونية من جاذبية شركة المساهمة للمستثمرين، حيث تُوفر لهم بيئة آمنة للاستثمار دون تعريض أصولهم الشخصية لأي مخاطر مالية قد تواجه الشركة.
ثانيًا: ما هي أبرز خصائص شركة المساهمة؟
تتميز شركة المساهمة بخصائص فريدة تجعلها نموذجًا مثاليًا للأنشطة التجارية ذات الطابع الكبير، حيث تجمع بين المرونة القانونية، والقدرة على استقطاب رؤوس الأموال، وحماية حقوق المستثمرين، وفيما يلي بيان هذه الخصائص بشيء من التفصيل:
-
شركة المساهمة شركة من شركات الأموال:
تُعد شركة المساهمة من شركات الأموال التي تُركز على الاعتبار المالي، حيث يكون الأهم هو المساهمة برأس المال وليس الاعتبار الشخصي للشركاء، على النقيض في شركات الأشخاص، التي تعتمد على الثقة الشخصية بين الشركاء. ويمكن للمساهم في شركة المساهمة بيع حصته بسهولة دون أن يؤثر ذلك على استمرارية الشركة أو علاقتها ببقية المساهمين، مما يجعلها نموذجًا مثاليًا للأعمال التي تتطلب استقطاب رؤوس أموال كبيرة، ويعزز من قدرتها على تمويل المشاريع الكبرى وضمان استدامتها.
-
تسمية الشركة:
يجب أن يكون لشركة المساهمة اسم تجاري يُميزها وتُعرف بها في السوق، ويُحدد النظام في مادته الخامسة مجموعة من الضوابط لتنظيم اختيار الاسم التجاري بما يضمن وضوحه وتميزه؛ فيُلزم أن يكون الاسم التجاري للشركة باللغة العربية، أو بلغة أخرى إذا اقتضى الأمر، ويُسمح بأن يكون مشتقًا من غرض الشركة أو يحمل طابعًا مميزًا يعبر عن طبيعة نشاطها.
ويجوز أن يتضمن الاسم التجاري أحد أسماء الشركاء أو المساهمين، سواء كانوا حاليين أم سابقين، شريطة الحصول على موافقتهم أو موافقة ورثتهم في حال وفاتهم، كما يُشترط اقتران الاسم التجاري بما يُشير إلى الشكل القانوني للشركة، مما يُعزز وضوح هويتها القانونية في التعاملات التجارية. ويتيح النظام تعديل الاسم التجاري وفق الإجراءات النظامية، دون أن يؤثر ذلك على حقوق الشركة أو التزاماتها تجاه الغير.
-
الشراكة من نوع واحد:
تتميز شركات المساهمة بكون جميع الشركاء فيها يحملون صفة “المساهمين”، مما يجعل هيكل الشركة وحدة قانونية واحدة، على النقيض في شركات مثل التوصية البسيطة، التي تتضمن نوعين من الشركاء (المتضامنون والموصون). ويُتيح هذا التوحيد في الصفة القانونية استقرارًا تنظيميًا أكبر، ويُسهم في توفير الشفافية والوضوح في إدارة الشركة واتخاذ القرارات.
-
مسؤولية المساهمين محدودة:
من أبرز ما يميز شركة المساهمة أن مسؤولية المساهمين فيها محدودة بقدر مساهمتهم في رأس المال، بمعنى أن المساهم لا يتحمل ديون الشركة أو التزاماتها إلا في حدود قيمة الأسهم التي اكتتب فيها. وتُعد هذه الخصيصة عامل جذب كبير للمستثمرين؛ لأنها تُوفر حماية قانونية لأموالهم الشخصية، مما يُمكنهم من الاستثمار دون القلق من تعرض ممتلكاتهم الخاصة لأي مخاطر مرتبطة بالشركة.
-
غلبة النظام على العقد:
تخضع شركات المساهمة في المملكة إلى نظام قانوني صارم، حيث تغلب النصوص النظامية على إرادة المساهمين في تحديد بنود النظام الأساسي للشركة، وتُحدد القوانين واللوائح الجوانب المتعلقة بشروط الأسهم، وكيفية الاكتتاب، وإجراءات مجلس الإدارة، وتعيين المديرين، مما يضمن بيئة تنظيمية متماسكة. ويُسهم هذا الإطار القانوني في حماية حقوق المساهمين وضمان العدالة بينهم، مع الحفاظ على استقرار الشركة وشفافيتها وبقائها.
-
قابلية الأسهم للتداول:
تتميز أسهم شركة المساهمة بمرونة كبيرة نظرًا لقابليتها للتداول، فيحق للمساهم التنازل عن أسهمه أو بيعها للغير دون الحاجة إلى موافقة الشركاء الآخرين، على النقيض في بعض الشركات مثل شركات التضامن، التي تتطلب موافقة باقي الشركاء عند رغبة أحدهم في بيع حصته. وتجعل هذه المرونة شركة المساهمة أكثر ديناميكية، وتُمكنها من استقطاب مستثمرين جدد بسهولة، مما يزيد من جاذبيتها في الأسواق المالية.
-
لا تتطلب صفة التاجر للشريك:
لا يشترط في المساهم في شركة المساهمة أن يكون تاجرًا، على عكس بعض الشركات الأخرى التي تتطلب صفة التاجر في الشريك. وتُتيح شركة المساهمة لأي فرد أو جهة، سواء كانت من الأفراد الطبيعية أم الاعتبارية، المساهمة في رأس مالها، مما يُعزز من تنوع قاعدة المستثمرين، ويُوسع من نطاق المشاركة ويُعزز من قدرة الشركة على استقطاب رؤوس أموال مختلفة.
ثالثًا: ما هي أنواع شركات المساهمة في السعودية؟
يُقسم نظام الشركات السعودي شركات المساهمة إلى نوعين رئيسيين هما: شركات المساهمة العامة وشركات المساهمة الخاصة، ويميز بين هذين النوعين عدة عوامل رئيسية تتعلق بطرق الاكتتاب، وتداول الأسهم، وعدد المساهمين، وطبيعة العلاقة بين الشركاء، ويتيح هذا التنوع فرصًا متباينة تلبي احتياجات مختلف المستثمرين والشركات. وفيما يأتي بيان هذين النوعين بالتفصيل مع بيان أوجه التفرقة بينهما:
-
شركات المساهمة العامة:
شركات المساهمة العامة، أو ما يُعرف أيضًا بشركات المساهمة المفتوحة، هي شركات تسمح بطرح أسهمها للاكتتاب العام، مما يُمكن جميع المستثمرين- دون تقييد- من شراء الأسهم وحيازة حصص من رأس المال، وتتمتع هذه الشركات بخصائص مميزة تجعلها جذابة للاستثمارات الكبرى، ومن أبرز مميزاتها:
-
الاكتتاب العام المفتوح:
يُمكن للجمهور من جميع فئات المجتمع شراء أسهم هذه الشركات بحرية، مما يُسهم في جمع رأس مال ضخم يدعم استمرارية الأعمال والمشاريع الكبرى التي تتطلب تمويلًا كبيرًا.
-
التداول في السوق المالية:
تُدرج أسهم شركات المساهمة العامة في سوق الأوراق المالية، بحيث يمكن لأي مستثمر مسجل شراء وبيع أسهمها، ويخلق هذا النظام شفافية عالية في تداول الأسهم ويمنح الشركة فرصة لزيادة قاعدة المستثمرين لديها، مما يعزز من قيمتها السوقية.
-
عدد كبير من المساهمين:
نظرًا لأن الأسهم تكون متاحة للجمهور، فإن عدد المساهمين في الشركات العامة يكون كبيرًا إلى حد قد يصعب معه معرفة الشركاء بعضهم البعض، ويُعزز هذا من الطبيعة المؤسسية للشركة ويقلل من التأثير الشخصي على عملياتها.
-
التزامات الإفصاح والشفافية:
تلتزم الشركات المساهمة العامة بمعايير إفصاح صارمة تضمن الشفافية وتحقق الأمان القانوني للمساهمين، وتشمل هذه الالتزامات نشر التقارير المالية الدورية، والإفصاح عن البيانات المتعلقة بالأداء المالي، وإعلام المساهمين بأية قرارات جوهرية تؤثر على مصالحهم.
-
شركات المساهمة الخاصة:
على الجانب الآخر، تُعرف شركات المساهمة الخاصة أيضًا باسم شركات المساهمة المغلقة، وهي شركات لا تُطرح أسهمها للاكتتاب العام، بل تقتصر على عدد محدود من الشركاء المؤسسين أو مستثمرين معينين، ويتميز هذا النوع من الشركات بخصائص خاصة تناسب الشركات الصغيرة والمتوسطة أو الشراكات العائلية، ومن أبرز سماتها:
-
الاكتتاب الخاص المحدود:
يكون الاكتتاب في شركات المساهمة الخاصة محصورًا على المؤسسين أو عدد محدد من الشركاء، ولا يتم طرح أسهمها للجمهور، ويتيح هذا للأطراف المؤسِسة الاحتفاظ بقدر أكبر من السيطرة على الشركة وقراراتها الاستراتيجية.
-
عدد محدود من المساهمين:
نظرًا للاكتتاب المحدود، يكون عدد الشركاء في هذه الشركات أقل مقارنة بالشركات العامة، وعادة ما تكون العلاقة بين الشركاء شخصية، مما يسهل عملية اتخاذ القرارات الداخلية ويسهم في تعزيز الثقة بين المساهمين.
-
عدم التداول العام للأسهم:
أسهم شركات المساهمة الخاصة ليست مدرجة في السوق المالية، مما يجعل تداولها محدودًا ويحتاج إلى موافقة الشركاء الآخرين وفقًا لعقد التأسيس أو النظام الأساس للشركة، ويحد هذا من المخاطر المرتبطة بتقلبات السوق، ويمنح الشركاء مستوى أكبر من الخصوصية.
-
مرونة تنظيمية أكبر:
بالمقارنة مع شركات المساهمة العامة، تتمتع شركات المساهمة الخاصة بمستوى أقل من القيود التنظيمية والمتطلبات الإجرائية، مما يجعلها مرنة في اتخاذ القرارات وحل النزاعات الداخلية، ويتيح للشركاء توجيه إدارة الشركة بالشكل الذي يحقق أهدافهم المشتركة.
الفرق الجوهري بين شركات المساهمة العامة والخاصة:
تتجلى الاختلافات بين شركات المساهمة العامة والخاصة في عدة جوانب أساسية، هي:
-
نطاق الاكتتاب وتداول الأسهم:
تُتيح شركات المساهمة العامة للجمهور العام الاكتتاب في رأس المال، مما يُسهل جمع رأس مال كبير عبر سوق الأوراق المالية. أما شركات المساهمة الخاصة فتقتصر على اكتتاب المؤسسين أو مستثمرين محددين، مما يجعل تداول الأسهم محدودًا.
-
عدد المساهمين:
يميل عدد المساهمين في الشركات العامة إلى أن يكون كبيرًا وغير معروف لدى الشركة نتيجة التداول المستمر للأسهم، بينما في الشركات الخاصة يكون عدد الشركاء محدودًا، ويقوم على علاقات شخصية غالبًا.
-
التنظيم والإفصاح:
تخضع الشركات العامة لمعايير إفصاح صارمة وإجراءات تنظيمية تضمن حماية حقوق المساهمين، بينما تتمتع الشركات الخاصة بمرونة أكبر وخصوصية أعلى.
أهمية تنوع أنواع شركات المساهمة في السعودية:
يمثل وجود نوعين من شركات المساهمة في النظام مرونة تتيح تلبية احتياجات مختلف الشرائح الاستثمارية، فتُعتبر الشركات العامة الخيار الأمثل لجذب الاستثمارات الكبرى التي تتطلب سيولة مالية ضخمة وتحتاج إلى دعم من شريحة واسعة من المستثمرين. وفي المقابل، تُتيح الشركات الخاصة للشركاء الحفاظ على خصوصية أكبر والتحكم في هيكل الإدارة، مما يجعلها مناسبة للشراكات العائلية أو المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي لا ترغب في طرح أسهمها للجمهور.
رابعًا: ما هو الحد الأدنى لرأس المال لتأسيس شركة مساهمة في السعودية؟
يُعد رأس مال شركة المساهمة عنصرًا جوهريًا يضمن استقرار الشركة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، وقد نصت المادة التاسعة والخمسون على ضرورة ألا يقل رأس مال شركة المساهمة المصدر عن خمسمائة ألف ريال سعودي، وعند التأسيس، يجب أن يُدفع من هذا المبلغ على الأقل ربع رأس المال المصدر، مما يعزز من قدرة الشركة على بدء عملياتها التجارية بكفاءة.
خامسًا: كيف يمكن لمجلس الإدارة زيادة رأس مال شركة المساهمة في السعودية؟
يتميز رأس مال شركة المساهمة حسب المادة الستون، بكونه مقسمًا إلى نوعين: رأس المال المصدر، والذي يمثل الأسهم المكتتب بها ويعبر عن المبلغ الذي التزم المساهمون بدفعه، ورأس المال المصرح به، الذي يُمكن للشركة زيادته بموافقة مجلس الإدارة في حال كان رأس المال المصدر قد دُفع بالكامل.
ويمكن لرأس المال المصرح به أن يكون أعلى من رأس المال المصدر، مما يمنح الشركة مرونة في زيادة رأس مالها مستقبلًا دون الحاجة لإجراءات معقدة، وذلك يتيح لها التوسع والنمو بشكل أكثر سلاسة وفقًا للمتطلبات السوقية والتمويلية.
وختامًا
تعتبر شركة المساهمة في السعودية نموذجًا قويًا ومرنًا للأعمال، يجمع بين حماية المساهمين وقدرة الشركة على جمع رؤوس أموال كبيرة بفضل توزيع رأس المال على شكل أسهم قابلة للتداول، ويعزز النظام من جاذبية هذا النوع من الشركات من خلال وضع ضوابط واضحة لرأس المال وتحديد مسؤولية المساهمين بشكل يضمن استقرار الشركة ويحفز الاستثمار فيها. وبفضل هذه الخصائص، تُمثل شركة المساهمة الخيار المثالي للأعمال الكبرى التي تتطلب تنظيمًا قانونيًا قويًا ومرونة مالية لتلبية متطلبات السوق وتطوير الأعمال.
3 Comments
كيف تؤسس شركة مساهمة في 4 خطوات ؟ - albatil.com
3 ديسمبر، 2024[…] تأسيس شركة مساهمة في المملكة العربية السعودية خطوة، تتطلب اتباع خطوات […]
محامي الشركات و 11 مهمة رئيسية
4 ديسمبر، 2024[…] لتأسيس الشركة وتحديد نوعها القانوني، سواء كانت شركة مساهمة، أو شركة ذات مسؤولية محدودة، أو غيرها من الأشكال […]
الشركة غير الربحية و 9 خصائص رئيسية - albatil.com
5 ديسمبر، 2024[…] لا يمكن للشركة غير الربحية العامة أن تتخذ أي شكل سوى شركة مساهمة. […]