يعد الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية من المرتكزات النظامية الصلبة التي أولتها لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية اهتمامًا دقيقًا، وكرّستها عبر منظومة إلزامية محكمة تُلزم مجلس الإدارة بإفصاحات مكتوبة، وتقارير تفصيلية، وممارسات تنفيذية موثقة، لا تقبل التقدير أو الاجتهاد. ولم ترد هذه الالتزامات بصياغة إنشائية، بل جاءت وفقًا لمواد صريحة تُحدد بدقة ما يجب الإفصاح عنه، وكيف، ومتى، وبأي وسيلة، بما يُرسّخ البنية التحتية النظامية التي تُمكن المستثمر من اتخاذ قراراته بناء على بيانات موضوعية، ومعلنة، ومدعومة بمسؤولية رقابية صارمة.
ومن خلال تتبع المواد القانونية ذات الصلة، يتضح أن لائحة حوكمة الشركات لا تنظر إلى الإفصاح بوصفه خيارًا، بل تضعه في مرتبة الالتزام القانوني القابل للمساءلة، خاصةً في القضايا المرتبطة بالمكافآت، والمصالح المالية، والتعاملات مع الأطراف ذات العلاقة، والقروض والاستثمارات. فكل جزئية تمس الأموال، أو السلطة، أو العلاقات المؤسسية، تخضع في ضوء هذه اللائحة لعدسة رقابية دقيقة تُفرَض على المجلس والإدارة التنفيذية، وتُفصح عنها تقارير ملزمة تُعرض بشفافية على المساهمين والجهات الرقابية معًا.
وبهذا التنظيم المتكامل، يرتقي الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية من مجرد التزامات تقليدية إلى ممارسات مؤسسية عالية الانضباط، ترتبط ارتباطًا مباشرًا بصورة الشركة أمام المستثمرين، وتصنيفها أمام الجهات الرقابية، ومستوى الحوكمة الفعلية داخل بنيتها الإدارية. فكل نص في اللائحة يحمل مضمونًا تنفيذيًا ينعكس على سلوك السوق، ويُعيد ضبط العلاقة بين مجلس الإدارة وأصحاب المصالح، ضمن إطار نظامي يُوازن بين المرونة والرقابة، ويمنح الإفصاح قوته بوصفه أداة رقابة وقوة استثمار.

أولًا: ما هو نطاق الإفصاح الإلزامي على مجلس الإدارة؟
يعد الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية من أبرز الالتزامات الجوهرية التي فرضتها لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية على مجلس الإدارة، بوصفها أداة قانونية مركزية لضمان تدفق المعلومات وتمكين أصحاب المصالح من اتخاذ قراراتهم على أسس واضحة. وقد ورد هذا الالتزام في ثلاث مواد رئيسية هي: المادة (86)، والمادة (87)، والمادة (90)، والتي شكلت فيما بينها منظومة إفصاح إلزامية متكاملة.
فنصت المادة (86) على أن يلتزم مجلس الإدارة بوضع سياسات مكتوبة للإفصاح، تحدد الإجراءات اللازمة لإتاحة المعلومات الجوهرية والبيانات المالية وغير المالية، بما يتوافق مع نظام الشركات ونظام السوق المالية، ويجب أن تكون هذه المعلومات دقيقة، وشاملة، ومحدثة، وغير مضللة، ومتاحة لجميع المساهمين دون تمييز، كما تُلزم المادة الشركة بنشر هذه المعلومات عبر موقعها الإلكتروني كجزء أساسي من منظومة الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية.
أما المادة (87) فقد توسعت في نطاق الإفصاح، فأوجبت على مجلس الإدارة تضمين تقريره السنوي جميع المعلومات الجوهرية التي تؤثر على وضع الشركة، ومنها تفاصيل الهيكل الإداري، والمخاطر، والمكافآت، والمصالح، وصفقات الأطراف ذوي العلاقة، والبيانات الجغرافية والمالية، وتحليل الأداء، والديون، والاستثمارات، والتغييرات التشغيلية، وتقييم نظام الرقابة الداخلية، وعدد اجتماعات المجلس، وغيرها من البيانات التي تُعد أساسًا لتحقيق الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية، وتعزز من مستوى الموثوقية والرقابة لدى المستثمرين والمساهمين.
كما تنص المادة (90) على التزام مجلس الإدارة بالإفصاح عن سياسة المكافآت، والبيانات التفصيلية المتعلقة بالمكافآت والمزايا المباشرة وغير المباشرة التي تُمنح لأعضاء المجلس والإدارة التنفيذية. ويجب أن يكون هذا الإفصاح دقيقًا ومفصلًا ومنشورًا بشكل واضح في تقرير مجلس الإدارة، بما يعزز من تطبيق الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية فيما يخص الالتزامات المالية التي تؤثر على مراكز اتخاذ القرار داخل الشركة.
ويتضح من هذه المواد أن نطاق الإفصاح الإلزامي على مجلس الإدارة لا يقتصر على مجرد الإفصاح عن البيانات التقليدية، بل يشمل تفاصيل دقيقة تتعلق بالحوكمة والرقابة والأداء والمخاطر، ويؤسس لنظام مؤسسي مكتوب يهدف إلى ضمان الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية ضمن أعلى مستويات الوضوح والاتساق والرقابة.
ولا يكتفي النظام بمجرد النص على هذه الالتزامات، بل يُحمّل مجلس الإدارة مسؤولية تنفيذها، ومتابعة تحديثها، والتحقق من دقتها، وهو ما يجعل من الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية التزامًا تنظيميًا ومحاسبيًا لا يمكن تجاوزه دون مساءلة نظامية صارمة.
ثانيًا: ما واجب الإفصاح عن المكافآت والمصالح المالية؟
تُعد أحكام الإفصاح عن المكافآت والمصالح المالية من أكثر الجوانب حساسية في إطار تطبيق الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية، وقد تولّت لائحة حوكمة الشركات تنظيم هذا الجانب بدقة عالية، من خلال المادة (90) والمادة (87) فقرة (26)، لتضع بذلك معايير واضحة للإفصاح عن كل ما يُمنح من مزايا لأعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
وتنص المادة (90) على أن مجلس الإدارة مُلزم بالإفصاح عن سياسة المكافآت المطبقة في الشركة، وشرح آليات تحديدها، والجهات المسؤولة عن اعتمادها، بما في ذلك العلاقة بين المكافآت ومستوى الأداء، ودرجة التوافق مع مصالح المساهمين. ويجب أن يشمل هذا الإفصاح المكافآت النقدية، والمزايا العينية، وأي منافع أخرى، حتى إن كانت غير مباشرة، أو ذات طبيعة خاصة. ويتعين إدراج هذه البيانات داخل تقرير مجلس الإدارة السنوي، بدقة وشفافية، بما يعكس التزامًا قانونيًا راسخًا بمبدأ الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية تجاه كل عنصر مالي مؤثر على قرارات المساهمين والمستثمرين.
وتُضيف الفقرة (26) من المادة (87) مزيدًا من التحديد، حيث تُوجب على مجلس الإدارة الكشف عن كل ما يتعلق بالمصالح المالية والحقوق في أدوات الدين أو الأسهم أو حقوق الاكتتاب الخاصة بكل من أعضاء المجلس، وكبار التنفيذيين، وأقربائهم، في الشركة أو الشركات التابعة، إضافة إلى أي تغيير طرأ على تلك الحقوق خلال السنة المالية. وتُعد هذه المعلومات جزءًا لا يتجزأ من الالتزام الكامل بتطبيق الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية، كونها تمنح المستثمرين صورة حقيقية وموثوقة عن طبيعة التداخل بين الملكية والإدارة داخل الشركة.
كما تؤكد اللائحة على أهمية أن يتم هذا الإفصاح بشكل منتظم ومحدث ودقيق، دون إخفاء أو تضليل، وهو ما يفرض على المجلس التزامًا مزدوجًا: من جهة، بوضع سياسات مفصلة لتوثيق المكافآت والمصالح، ومن جهة أخرى، بإظهار هذه التفاصيل ضمن التقرير السنوي بأسلوب محاسبي وقانوني سليم، يُسهم في تعزيز ثقة السوق، وتكريس أعلى مستويات الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية.
ويُلاحظ أن اللائحة لا تكتفي بمجرد فرض الإفصاح، بل تطلب أيضًا بيان أي انحراف جوهري عن سياسة المكافآت المعتمدة، مع تبرير ذلك الانحراف، وهو ما يُشكل ضمانة إضافية للتصدي لأي استخدام غير منضبط للسلطة التقديرية من قبل المجلس، ويُرسّخ بشكل مباشر الالتزام الشامل بمبادئ الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية في كل ما يتعلق بالمكافآت والمصالح المالية، سواء في مرحلة التحديد أم في مرحلة الإفصاح.
ثالثًا: كيف تعالج لائحة حوكمة الشركات الإفصاح عن التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة؟
تُعالج لائحة حوكمة الشركات مسألة الإفصاح عن التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة من خلال بناء نظام رقابي دقيق يستند إلى معايير إلزامية واضحة، تُعزز مبدأ الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية، وتمنع تعارض المصالح أو إساءة استخدام السلطة من قبل أعضاء مجلس الإدارة أو كبار التنفيذيين.
وتنص المادة الأربعون من اللائحة بشكل صريح على أن مجلس الإدارة ملزم بوضع سياسة مكتوبة تنظم التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة، على أن تتضمن هذه السياسة تعريفًا دقيقًا بالأطراف ذات العلاقة، وآليات الإفصاح، وقواعد الموافقة على هذه التعاملات، وشروط الترخيص لها من الجمعية العامة، مع فرض التزام قاطع على عضو المجلس المعني بعدم المشاركة في التصويت على أي قرار له صلة مباشرة أو غير مباشرة بمصلحته. ويُعد هذا التنظيم من أبرز صور الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية، إذ لا يكتفي بمجرد الكشف عن التعامل، بل يشترط منع التضارب في التصويت، ويوجب الترخيص والإفصاح المسبق.
وتكمل الفقرة (34) من المادة السابعة والثمانين هذا الإطار التنظيمي، بإلزام مجلس الإدارة بتضمين تقريره السنوي وصفًا تفصيليًا لأي أعمال أو عقود تمت بين الشركة وأي طرف ذي علاقة، سواء كانت قائمة أم منتهية خلال السنة المالية، مع بيان أسماء المعنيين، وطبيعة العلاقة، وشروط التعاقد، ومدته، وقيمته. كما توجب على الشركة التصريح بعدم وجود مثل هذه الأعمال إذا لم تكن قائمة، مما يعكس التزامًا صريحًا بتكريس الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية في مواجهة أصحاب المصالح، ويمنع التعتيم أو الإهمال أو التلاعب بالمعلومات الجوهرية.
ويُفهم من تلازم المادتين أن اللائحة لا تعتبر الإفصاح عن التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة خيارًا تقنيًا، بل التزامًا نظاميًا متكاملًا يتطلب وجود سياسة مكتوبة، وآليات رقابية، وإفصاحات مفصلة، وإقرارًا صريحًا من قبل مجلس الإدارة في تقاريره السنوية. ومن ثم فإن هذا التنظيم يُعد امتدادًا مباشرًا لتطبيقات الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية، ويُكرّس بيئة قانونية متماسكة تُعزز من ثقة المساهمين، وتحاصر أي مظاهر لمحاباة خفية أو تضارب مصالح محتمل.
وتُعد هذه الآلية من أقوى الضمانات النظامية التي تنفرد بها لائحة الحوكمة، إذ لم تكتف بفرض الإفصاح كإجراء شكلي، بل ربطته بقيود على التصويت، وبشروط للتوثيق، وبمسؤوليات رقابية على مجلس الإدارة، مما يُجسد التطبيق العملي العميق لمفهوم الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية بطريقة تجمع بين الشفافية والعدالة والرقابة الوقائية.
رابعًا: هل تشمل الشفافية تفاصيل القروض والاستثمارات؟
نصت المادة السابعة والثمانون من لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية السعودية على مجموعة من القواعد الدقيقة التي تُجسد الالتزام بمعايير الإفصاح الكامل عن التعاملات المالية الجوهرية، بما فيها تفاصيل القروض والاستثمارات، وذلك تحقيقًا لمبدأ الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية.
فقد أوجبت الفقرة (27) من المادة السابعة والثمانين الإفصاح عن معلومات القروض الممنوحة للشركة، سواء كانت مستحقة الدفع عند الطلب أم بموجب آجال محددة، مع بيان المبالغ المدفوعة خلال العام، وأصل القرض، والجهة المانحة، وتاريخ القرض، ومقدار الرصيد المتبقي، إضافة إلى إقرار بعدم وجود قروض في حال انتفائها. وهذا الإفصاح لا يُعد شكليًا، بل يعكس أحد التطبيقات الجوهرية لمبدأ الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية في جانبه التمويلي.
كما فرضت الفقرة (28) على الشركات المدرجة الإفصاح عن أدوات الدين القابلة للتحويل، وأي أوراق مالية تعاقدية، أو مذكرات اكتتاب، أو حقوق مشابهة، صدرت أو تم منحها خلال السنة، مع توضيح العوض المالي الذي حصلت عليه الشركة مقابل ذلك. ويُعد هذا البيان من أقوى الضمانات النظامية لحماية المساهمين والمستثمرين على حد سواء، ضمن إطار الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية.
أما الفقرة (30)، فقد تناولت عمليات الشراء أو الإلغاء أو الاسترداد لأي أدوات دين قابلة للاسترداد، مع تحديد ما إذا كانت هذه الأوراق المالية مدرجة، ومن الجهة التي قامت بشرائها، الشركة نفسها أم إحدى الشركات التابعة. ويعكس هذا المستوى من الإفصاح مدى التزام الشركة بالإفصاح الاستباقي عن جميع القرارات المؤثرة على هيكلها التمويلي، كجزء محوري من تطبيق الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية.
خامسًا: كيف ينعكس الإفصاح الجيد على صورة الشركة الاستثمارية؟
تُعد المادة السابعة والثمانون في مجملها العمود الفقري لنظام الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية، حيث تُلزم مجلس الإدارة بإعداد تقرير شامل يُظهر الأداء المالي وغير المالي للشركة، ويعرض بالتفصيل كل ما يتعلق بالمخاطر، والقيم، والمكافآت، والعقوبات، والتعاملات مع الأطراف ذوي العلاقة، إضافة إلى القروض، والديون، والاستثمارات، ومصادر التمويل، والمعلومات الجغرافية.
ويُسهم هذا التقرير في بناء صورة استثمارية موثوقة للشركة؛ لأنه يُمكن المستثمرين من تحليل كافة المؤشرات المالية والتنظيمية بشكل مدعوم بوثائق رسمية، كما يسمح بتقييم المخاطر، وقياس التزامات الإدارة، ومعرفة العلاقة بين الحوكمة الجيدة والأداء المالي. وبالتالي، فإن الالتزام الصارم بإعداد هذا التقرير وفقًا لمعايير الإفصاح المنصوص عليها، يُعد انعكاسًا مباشرًا لقيمة الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية بوصفها أداة استثمارية تعزز من جاذبية السوق، وتُعلي من كفاءة القرار الاستثماري.
ومن خلال هذا الإطار القانوني، يصبح الإفصاح الجيد ليس مجرد التزام نظامي، بل عنصرًا مؤثرًا في تقييم السمعة المؤسسية، ووسيلة لحماية حقوق المساهمين، ومؤشرًا يعكس مدى التزام مجلس الإدارة بواجباته الرقابية والتنظيمية. ولذلك، فإن ضمان الامتثال الدقيق لجميع فقرات المادة السابعة والثمانين يمثل الترجمة العملية العليا لمفهوم الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية في صورته الشاملة والمتكاملة.
وفي الختام،
يتّضح أن لائحة حوكمة الشركات قد رسمت خريطة إلزامية دقيقة تُخاطب صُلب الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية، ليس فقط من حيث الشكل، بل من حيث المضمون والآلية والمحتوى، بدءًا من تفاصيل المكافآت والمصالح المالية، ووصولًا إلى القروض، والاستثمارات، والتعاملات مع الأطراف ذات العلاقة، وكل ما يؤثر على قرارات المساهمين وثقة المستثمرين. ولأن التقرير السنوي لمجلس الإدارة أضحى اليوم مرآة الشركة النظامية، فإن دقّة الإفصاح فيه باتت مؤشّرًا مباشرًا على التزام مجلس الإدارة بالحوكمة الحقيقية، وليست الشكلية، وعلى ممارسته لمسؤولياته ضمن الإطار القانوني المُلزم.
