بيانات السجل التجاري في نظام السجل التجاري الجديد لم تعد مجرد معلومات تُقيد في سجل إلكتروني، بل أصبحت محورًا رئيسيًا في تكوين المركز القانوني للتاجر، ومرجعًا نظاميًا يُحتج به في مواجهة الغير. فهي لم تعد حكرًا على أطراف العلاقة التجارية، بل أُخضعت لقواعد علنية دقيقة وملزمة، تبدأ من لحظة القيد، وتمتد إلى التحديث، والعرض العلني، والاحتجاج القانوني، والتصحيح الإجرائي، بل وتشمل كذلك مسؤولية المسجل عن التحديث التلقائي، إضافة إلى التزامات مالية مقررة نظير الخدمات المرتبطة بها، مما يجعلها منظومة قانونية متكاملة لا تنفصل عن جوهر الامتثال النظامي.
وبينما أوجب النظام عرض بيانات السجل التجاري في مقرات التاجر الفعلية، وألزم باستخدام الرمز الإلكتروني الموحد، فقد فتح الباب أمام أي شخص للاطلاع على البيانات، سواء الأساسية أم التفصيلية، وفق شروط وضوابط واضحة، تؤكد على مبدأ الشفافية. وفي ذات السياق، حدد النظام على نحو دقيق متى تُعد البيانات حجة، ومتى يسقط الحق في الاحتجاج بها، وما الإجراءات اللازمة لتصحيح الخطأ، ومن المخوّل بالتحديث عند وجود قرارات قضائية أو تنظيمية مؤثرة.
ومن خلال هذا المقال، ننتقل إلى تحليل كافة الأحكام التي تحكم بيانات السجل التجاري في ضوء نظام السجل التجاري الجديد ولائحته التنفيذية، لنكشف الأبعاد القانونية الدقيقة التي تنظّم قيدها، وعرضها، وعلنيتها، وتصحيحها، وتحديثها، والمقابل المالي المستحق عنها، وفقًا لنصوص رسمية مُلزمة.

أولًا: كيف ألزم النظام التاجر بعرض بيانات السجل التجاري في موقع نشاطه؟ وما تفاصيل هذا الالتزام؟
أوجبت المادة 16 من نظام السجل التجاري الجديد على التاجر عرض بيانات السجل التجاري في مكان ظاهر داخل المتجر الذي يزاول فيه نشاطه التجاري. ويُعد هذا الالتزام من الالتزامات النظامية المستمرة، إذ لا يرتبط بمرحلة القيد فقط، بل يمتد طوال فترة نشاط السجل.
وقد فصلت المادة 14 من اللائحة التنفيذية هذا الالتزام بشكل دقيق، فنصت على أن يتم عرض البيانات الأساسية المقيدة في السجل من خلال الرمز الإلكتروني الموحد، وذلك في مكان ظاهر على لوحة المحل أو من داخله أو خارجه، مع إلزام التاجر الذي يزاول التجارة إلكترونيًا بعرض هذا الرمز في موقعه الإلكتروني الرسمي. ويُفهم من هذا التنظيم أن إبراز بيانات السجل التجاري لا يتم بالنصوص المطبوعة أو المعلّقة التقليدية، وإنما من خلال رمز إلكتروني موحد يُمكّن الغير من التحقق من البيانات المقيدة إلكترونيًا في قاعدة بيانات موثقة.
ثانيًا: ما هو الرمز الإلكتروني الموحد؟ وكيف فرض النظام استخدامه لعرض بيانات السجل التجاري؟
يُعد الرمز الإلكتروني الموحد وسيلة إلزامية لعرض بيانات السجل التجاري وفقًا لما قررته المادة 14 من اللائحة التنفيذية، وهو عبارة عن هوية رقمية يتم توليدها إلكترونيًا لكل سجل تجاري، بحيث تُمكّن أي شخص من الاطلاع على بيانات التاجر المقيدة لدى المسجل بشكل آمن ومباشر.
وقد فرضت اللائحة استخدام هذا الرمز على نحو مزدوج: أولًا، في المتاجر والمقرات الفعلية للنشاط التجاري، وثانيًا، في المواقع الإلكترونية الخاصة بالتجار الذين يزاولون نشاطهم عن بُعد. ويترتب على عدم إبراز هذا الرمز في الأماكن المخصصة مخالفات نظامية يمكن أن تؤدي إلى توقيع الغرامات، ما يبرز بوضوح أهمية بيانات السجل التجاري وضرورة إتاحتها في الشكل والوسيط الإلكتروني المعتمد.
ثالثًا: ما هي البيانات التي يحق لأي شخص الاطلاع عليها في السجل التجاري؟ وما نطاق العلنية؟
قررت المادة 18 من نظام السجل التجاري الجديد مبدأ العلنية النظامية لبيانات السجل، إذ نصت على جواز اطلاع أي شخص على البيانات الأساسية المقيدة في السجل، كما أجازت له طلب مستخرج تفصيلي يتضمن بيانات محددة، وألزمت المسجل بمنحه شهادة بعدم وجود قيد في حال لم تكن هناك بيانات مقيدة.
وقد توسعت المادة 15 من اللائحة التنفيذية في بيان مضمون بيانات السجل التجاري التي يمكن الاطلاع عليها، وقسّمتها إلى فئتين:
- البيانات الأساسية، وقد نصت اللائحة على أنها تشمل: اسم التاجر، ورقم القيد، والشكل النظامي، وتاريخ القيد، وتاريخ التأكيد السنوي، وحالة القيد، ورأس المال، ورقم الهاتف، والعنوان، وأنشطة التاجر. وتُعد هذه البيانات متاحة للاطلاع لأي شخص وفق الضوابط النظامية.
2. البيانات التفصيلية، وهي بيانات أكثر عمقًا وخصوصية، تتضمن المعلومات المتعلقة بالشركة، والشركاء، والمديرين، والهيكل القانوني للتاجر سواء كان ذا صفة طبيعية أم اعتبارية، ويجوز لأي شخص طلب مستخرج رسمي يتضمن هذه البيانات من المسجّل، ويُمنح شهادة رسمية في حال عدم وجود قيد.
وتُظهر هذه المادة أن بيانات السجل التجاري قد تم تنظيمها بنطاقين معلوماتيين، أحدهما علني بطبيعته، والآخر متاح بطلب رسمي، بما يضمن الموازنة بين مبدأ الشفافية وحماية المصالح التجارية، ويُرسخ الثقة في البنية الرقمية للسجل.
ومن خلال هذا النص، يتضح أن بيانات السجل التجاري لم تعد محصورة بالتعاملات الرسمية فقط، بل أصبحت خاضعة لضوابط واضحة، بما يتيح للمستفيدين التحقق من بيانات التاجر قبل التعامل معه، ويمنح السجل التجاري وظيفة قانونية واقتصادية رقابية قائمة على العلنية المنضبطة.
رابعًا: ما حجية بيانات السجل التجاري؟ ومتى يفقد التاجر حقه في الاحتجاج بها؟
نصّت المادة (17) من نظام السجل التجاري الجديد على قاعدة قانونية أساسية تتعلق بحجية بيانات السجل التجاري، فأقرت أن البيانات المقيدة في السجل تُعد حجة للتاجر أو عليه من تاريخ قيدها. وبهذا النص، يصبح كل بيان مقيد في السجل ملزمًا قانونًا للتاجر، سواء أراد الاحتجاج به أم اُحتُج به ضده.
غير أن هذه الحجية ليست مطلقة، بل مُقيّدة بشرط جوهري يتمثل في استيفاء القيد أو التحديث وفق أحكام النظام. فلا يجوز للتاجر – بحسب المادة ذاتها – أن يحتج تجاه الغير بأي بيان كان واجب القيد أو التحديث ما لم يتم فعليًا قيده أو تحديثه في السجل. ومع ذلك، يجوز لذي المصلحة أن يحتج بهذا البيان في مواجهة التاجر، حتى وإن لم يكن قد تم قيده.
وتُظهر هذه المادة أهمية دقة بيانات السجل التجاري من حيث أثرها القانوني المباشر، إذ تصبح البيانات المقيدة وسيلة إثبات نظامية لها حجية قانونية بمجرد القيد، ويُعد الإهمال في التحديث موجبًا لسقوط الحق في الاحتجاج بها تجاه الغير.
خامسًا: كيف يتم تصحيح الأخطاء في بيانات السجل التجاري؟ وما الإجراءات النظامية لذلك؟
نظّمت المادة (19) من نظام السجل التجاري الجديد آلية تصحيح الأخطاء في بيانات السجل التجاري، وحددتها المادة بدقة في نوعين من الأخطاء: الأخطاء المادية – كالإملائية أو الحسابية – والأخطاء الإجرائية التي تقع أثناء عملية القيد أو التعديل.
ووفقًا للنص، يجب أن يتم التصحيح خلال خمسة أيام من اكتشاف الخطأ أو من تاريخ تقديم التاجر طلب التصحيح. وإذا كان التصحيح قد تم من قبل المسجل من تلقاء نفسه، فإنه ملزم بإشعار التاجر بمضمون التصحيح خلال خمسة أيام من إجرائه.
وقد جاءت الفقرة (2) من المادة (9) من اللائحة التنفيذية لنظام السجل التجاري الجديد لتؤكد هذا الالتزام، فألزمت المسجل بإشعار التاجر بالتحديث خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إجراء التحديث تلقائيًا، إذا كان ناتجًا عن حكم قضائي أو قرار نهائي من لجنة النظر في المخالفات.
وتدل هذه الأحكام على وجود نظام دقيق وملزم لتصحيح بيانات السجل التجاري، يضمن وضوح الإجراءات، ويوفر للتاجر حق المعرفة، ويُرسّخ مبدأ الشفافية، بما يُحافظ على سلامة القيد، ويمنع استمرار البيانات الخاطئة أو المضللة.
سادسًا: في أي حالات يجوز للمسجل تحديث بيانات السجل التجاري تلقائيًا؟ وما ضوابط ذلك؟
نصّت الفقرة (1) من المادة (9) من اللائحة التنفيذية على ثلاث حالات محددة يجوز فيها للمسجل تحديث بيانات السجل التجاري تلقائيًا دون طلب من التاجر:
الحالة الأولى: إذا صدر حكم قضائي نهائي يترتب عليه تعديل أو تغيير في بيانات القيد.
الحالة الثانية: إذا صدر قرار نهائي من جهة مختصة يستوجب التعديل أو التحديث.
الحالة الثالثة: إذا صدر قرار من لجنة النظر في المخالفات بتصحيح بيانات السجل التجاري.
وفي جميع هذه الحالات، يلتزم المسجل بإجراء التحديث النظامي، وإشعار التاجر بذلك خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ التعديل. ويُعد هذا التحديث التلقائي من الأدوات الرقابية التي تسهم في ضمان دقة بيانات السجل التجاري، وعدم بقائها معلقة أو مخالفة لما صدر عن الجهات القضائية أو الرقابية المختصة.
ويُفهم من هذا التنظيم أن بيانات السجل التجاري ليست رهنًا فقط بمبادرة التاجر، بل تخضع لرقابة لاحقة من المسجل، تُفعل متى اقتضت الوقائع النظامية ذلك، حمايةً للعلنية، وضمانًا للموثوقية، وتطبيقًا لقاعدة توازن المسؤولية بين التاجر والإدارة المختصة.
سابعًا: ما المقابل المالي لخدمات السجل التجاري؟
أقرت المادة (27) من نظام السجل التجاري الجديد قاعدة نظامية تنص على أن المقابل المالي للخدمات المرتبطة بالسجل التجاري يُحدده ما يصدر من أحكام في اللائحة التنفيذية. وقد بيّنت المادة (17) من اللائحة التنفيذية تفصيلًا دقيقًا لفئات هذا المقابل المالي، بحسب نوع التاجر وطبيعة الخدمة المطلوبة.
فبالنسبة لخدمة القيد في السجل التجاري، فإن المقابل المالي يبلغ (500) ريال للمؤسسة الفردية، و(1000) ريال للشركات ذات المسؤولية المحدودة والمساهمة المبسطة والتضامن والتوصية البسيطة، و(1600) ريال للشركات المساهمة وفروع الشركات الأجنبية. أما خدمة التأكيد السنوي، فتُحتسب بنفس الفئات المالية لكل نوع.
ويُفرض مقابل مالي موحد على جميع التجار قدره (100) ريال عن كل تحديث في بيانات السجل التجاري، وكذلك عند طلب مستخرج بيانات تفصيلية. بينما لا يُستوفى أي مقابل مالي عن خدمة شطب القيد من السجل التجاري، وهو ما يعكس تنظيمًا دقيقًا للتكاليف النظامية التي تترتب على التعامل مع بيانات السجل التجاري، وفق ما يقرره النظام واللائحة.
ويُفهم من ذلك أن المقابل المالي يمثل جزءًا من الالتزامات القانونية المرتبطة بإجراءات بيانات السجل التجاري، ويترتب على عدم سداده – خصوصًا في حالات التأكيد السنوي – آثار إدارية قد تصل إلى التعليق أو الشطب، مما يُبرز أهمية الامتثال المالي للنظام ضمن الإطار العام للالتزامات النظامية الأخرى.
وفي الختام،
تُظهر الأحكام النظامية المتعلقة ببيانات السجل التجاري في نظام السجل التجاري الجديد أن المشرّع قد تجاوز مرحلة التنظيم التقليدي، ليرسّخ نظامًا ذكيًا يرتكز على علنية منضبطة، وحجية مقننة، وتحديثات خاضعة لمراقبة مزدوجة من التاجر والمسجل. فالبيانات اليوم ليست حشوًا إجرائيًا أو رقمًا يُدرج في قاعدة إلكترونية، بل هي كيان نظامي متكامل يرتبط بصحة التعاملات، ويُستند إليه في الإثبات، وتترتب عليه تبعات نظامية بالغة الأثر، سواء في حالة الإغفال أم التحديث أم العرض أم التصحيح أم حتى في نطاق المقابل المالي.
ومن هذا المنطلق، فإن التوصية العملية الجوهرية التي لا ينبغي للتاجر إغفالها، هي بناء نظام داخلي دقيق لمتابعة بيانات السجل التجاري على مدار العام، يشمل متابعة التعديلات النظامية، والتأكد من عرض الرمز الإلكتروني الموحد في المواقع المحددة، وجدولة التأكيد السنوي، وربط كل ذلك بمنظومة إشعارات التبليغ النظامية، بحيث لا يُترك أي التزام دون متابعة استباقية. فهذا النوع من الامتثال الوقائي لا يحمي فقط من العقوبات، بل يصنع من السجل التجاري مرآة قانونية تعكس بدقة الوضع النظامي الحقيقي للمنشأة.

1 Comment
المخالفات النظامية والإجراءات الرقابية في نظام السجل التجاري الجديد - شركة عبدالعزيز بن باتل للمحاماة والاستشارات القانونية
4 مايو، 2025[…] تقديم بيانات غير صحيحة عند القيد في السجل التجاري. […]