تعد الشركات من الركائز الأساسية لتعزيز التنمية الاقتصادية ودفع عجلة النمو في المجتمعات الحديثة. ومع توسع أنشطتها وزيادة تعقيد علاقاتها القانونية، تواجه الشركات تحديات تتعلق بإدارة التزاماتها ومسؤولياتها، مما قد يؤدي أحيانًا إلى اتخاذ قرارات مصيرية كحل الشركة أو تصفيتها، سواء لمعالجة نزاعات قانونية أم للتعامل مع التزامات مالية وإدارية تفوق قدراتها.
ومع أن القانون التجاري لعب دورًا مهمًا في تنظيم شؤون الشركات، إلا أن تعقيدات الاقتصاد الحديث وتزايد تشابك العلاقات القانونية أظهرت قصورًا في استيعاب المتطلبات الجديدة. لذلك جاء نظام الشركات كتشريع عصري يعالج هذه القضايا؛ حيث يركز على حماية حقوق الشركاء والدائنين والأطراف ذات الصلة، مع ضمان توزيع الحقوق والالتزامات بشكل عادل. وجاء هذا المقال لاستعراض أسباب انقضاء الشركات وفقًا لنظام الشركات والإجراءات القانونية المرتبطة بها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الآثار المترتبة على هذا الإجراء، لتوفير رؤية شاملة حول هذا الجانب من التشريعات التجارية.
أولًا: ماذا يعني انقضاء الشركات؟
يقصد بانقضاء الشركات انتهاء وجود الشركة بشكل رسمي وقانوني، وهو ما يؤدي إلى زوال الشخصية الاعتبارية للشركة. ولكن بعد انقضاء الشركة، لا يمكن لها ممارسة الأنشطة التجارية أو التزاماتها التعاقدية إلا في إطار التصفية، والتي تهدف إلى تسوية الأمور المالية والتنظيمية.
ثانيًا: ما هي أسباب انقضاء الشركات وفقًا لنظام الشركات؟
حدد نظام الشركات الأسباب التي تؤدي إلى انقضاء الشركات بشكل دقيق ومفصل، مع تصنيفها إلى نوعين رئيسيين: أسباب عامة وأسباب خاصة. فالأسباب العامة تشمل الحالات التي تؤدي إلى انقضاء الشركات بغض النظر عن نوعها أو شكلها، سواء كانت شركات تجارية أم مدنية، ومن أي تصنيف كانت، سواء شركات أموال، أو شركات أشخاص، أو شركات ذات طبيعة مختلطة. أما الأسباب الخاصة، فهي تلك التي ترتبط بكل شكل من أشكال الشركات والإجراءات التي يتعين اتباعها.
ومع ذلك، لا ينتهي وجود الشركة قانونًا بمجرد تحقق أحد أسباب الانقضاء. فعند قيام سبب الانقضاء، تدخل الشركة في مرحلة التصفية، حيث تحتفظ بشخصيتها المعنوية بشكل مؤقت لتنفيذ الإجراءات المتعلقة بهذه المرحلة. وتهدف التصفية إلى سداد ديون الشركة وتقسيم ما تبقى من أموالها بين الشركاء، وفقًا لما يقتضيه أحكام النظام السعودي. ويمكن تفصيل هذه الأسباب على النحو الآتي:
-
الأسباب العامة لانقضاء الشركات
نظمت المادة الثالثة والأربعون بعد المائتين من نظام الشركات الأسباب العامة للانقضاء، وهي:
انتهاء المدة المحددة لها
إذا كانت الشركة قد أُسست لفترة زمنية محددة في عقد التأسيس أو النظام الأساسي، فإن انتهاء هذه المدة يؤدي إلى انقضاء الشركة ما لم يتم تمديدها وفقًا لأحكام النظام.
اتفاق الشركاء أو المساهمين على حل الشركة
يجوز للشركاء أو المساهمين اتخاذ قرار مشترك بحل الشركة، بشرط أن يكون ذلك وفقًا للشروط والإجراءات المنصوص عليها في عقد التأسيس والنظام الأساسي.
صدور حكم قضائي نهائي بحل الشركة أو بطلانها
قد تنقضي الشركة بقرار قضائي نهائي إذا رُفعت دعوى تثبت وجود أسباب قانونية تستوجب الحل، مثل وجود مخالفات جوهرية أو عدم إمكانية استمرار الشركة في أداء غرضها الأساسي
-
الأسباب الخاصة لانقضاء الشركات
انقضاء شركة التضامن
لا تنقضي شركة التضامن وفقًا لنظام الشركات، بوفاة أحد الشركاء، أو بالحجر عليه، أو ببدء أي من إجراءات التصفية تجاهه وفقًا لنظام الإفلاس، أو حتى بإخراجه أو انسحابه، إلا إذا كان عقد تأسيس الشركة ينص صراحةً على ذلك. وعند وفاة أحد الشركاء، تستمر الشركة مع من يرغب من ورثته، حتى لو كانوا قُصّرًا أو ممنوعين نظامًا من ممارسة الأعمال التجارية، بشرط ألا تتجاوز مسؤوليتهم عن ديون الشركة حدود نصيبهم في حصة مورثهم في رأس مال الشركة.
وفي هذه الحالة، يجب تحويل شركة التضامن إلى شركة توصية بسيطة، بحيث يصبح الورثة شركاء موصين، لضمان استمرار الشركة دون انتقاضها بقوة النظام. أما إذا لم يتبقَّ في الشركة سوى شريك واحد نتيجة وفاة أحد الشركاء، أو الحجر عليه، أو افتتاح أي من إجراءات التصفية تجاهه، أو انسحابه، أو إخراجه، فيُمنح هذا الشريك مهلة تسعين يومًا لتصحيح وضع الشركة. ويكون ذلك إما بإدخال شريك جديد، أو بتحويل الشركة إلى شكل آخر من أشكال الشركات المنصوص عليها في النظام، وإلا تُعتبر الشركة منقضية تلقائيًا بموجب النظام.
انقضاء شركة التوصية البسيطة
لا تنقضي شركة التوصية البسيطة بوفاة أحد الشركاء الموصين، أو بالحجر عليه، أو بإعساره، أو بافتتاح إجراءات التصفية تجاهه وفقًا لنظام الإفلاس، أو حتى بانسحابه، إلا إذا كان عقد تأسيس الشركة ينص على خلاف ذلك. ومع ذلك، تنقضي الشركة عند تحقق أحد الأسباب النظامية المحددة، مثل انتهاء مدتها المحددة في العقد، أو تحقيق الغرض الذي أُسست من أجله، أو باتفاق الشركاء على حلها، أو اجتماع الحصص في يد شريك واحد.
بالإضافة إلى ذلك، تنقضي شركة التوصية البسيطة في حالات خاصة، مثل وفاة أحد الشركاء المتضامنين، أو الحجر عليه، أو إفلاسه، أو انسحابه، أو عند اندماج الشركة في شركة أخرى.
انقضاء شركة المساهمة
وفقًا لنظام الشركات، إذا آلت جميع أسهم شركة المساهمة إلى مساهم واحد لا تتوافر فيه الشروط اللازمة، تظل الشركة مسؤولة وحدها عن ديونها والتزاماتها. ومع ذلك، يُلزم النظام هذا المساهم بتحويل الشركة إلى شركة ذات مسؤولية محدودة من شخص واحد خلال مدة لا تتجاوز سنة واحدة، وإلا تُعد الشركة منقضية بقوة النظام.
وفي حال بلغت خسائر شركة المساهمة نصف رأس المال المدفوع في أي وقت خلال السنة المالية، يكون على أي مسؤول في الشركة أو مراجع الحسابات، بمجرد علمه بذلك، إبلاغ رئيس مجلس الإدارة فورًا. ويتعين على رئيس المجلس إبلاغ أعضاء المجلس فور العلم، ودعوة الجمعية العامة غير العادية للاجتماع خلال خمسة وأربعين يومًا من تاريخ العلم بالخسائر. وتتولى الجمعية العامة غير العادية اتخاذ قرار بشأن زيادة رأس المال، أو تخفيضه، أو حل الشركة قبل انتهاء الأجل المحدد في نظامها الأساسي.
وتُعد الشركة منقضية بقوة النظام في حال عدم انعقاد الجمعية العامة غير العادية خلال المدة المحددة، أو إذا انعقدت الجمعية وتعذر عليها اتخاذ قرار، أو إذا قررت الجمعية زيادة رأس المال وفق الأوضاع المقررة ولم يتم الاكتتاب في كامل رأس المال المطلوب خلال تسعين يومًا من تاريخ صدور قرار الجمعية بالزيادة.
انقضاء الشركة ذات المسؤولية المحدودة
لا تنقضي الشركة ذات المسؤولية المحدودة بوفاة أحد الشركاء، أو بالحجر عليه، أو بإعساره، أو ببدء أي من إجراءات التصفية تجاهه وفقًا لنظام الإفلاس، أو بانسحابه، ما لم ينص عقد تأسيس الشركة على خلاف ذلك.
وفيما يتعلق بمدة الشركة، إذا كانت الشركة محددة المدة، يجوز تمديدها لفترة إضافية بقرار من الجمعية العامة للشركاء، شريطة موافقة الشركاء الذين يملكون نصف رأس المال الممثل في الجمعية، ما لم ينص عقد التأسيس على أغلبية أكبر. وإذا انتهت المدة المحددة دون صدور قرار بالتمديد، واستمرت الشركة في ممارسة أعمالها، فإن أجلها يمتد تلقائيًا لمدة مماثلة، وفقًا للشروط المنصوص عليها في عقد تأسيسها.
ولأي شريك لا يرغب في الاستمرار في الشركة الحق في التخارج منها، حيث يتم تقييم حصته ودفع قيمتها له. ولا يكون التمديد نافذًا إلا بعد بيع حصة هذا الشريك للشركاء الآخرين أو للغير وتسوية حقوقه المالية. بالإضافة إلى ذلك، يُسمح لأي طرف خارجي له مصلحة في عدم تمديد الشركة بالاعتراض على هذا التمديد والتمسك بعدم نفاذه في حقه.
فحص المركز المالي للشركة قبل اتخاذ قرار الحل
كما نصت المادة الثانية والأربعون بعد المائتين، على إلزام مديري الشركة أو أعضاء مجلس إدارتها باتباع إجراءات محددة قبل اتخاذ قرار بحل الشركة، وهي:
-
إعداد بيان بفحص المركز المالي
يجب على المديرين أو أعضاء مجلس الإدارة إعداد بيان شامل يوضح الأوضاع المالية للشركة، مع التأكيد على أن أصول الشركة تكفي لسداد ديونها بنهاية مدة التصفية المقترحة. ويجب أن يوضح البيان أيضًا أن الشركة ليست متعثرة وفقًا لنظام الإفلاس.
-
عرض البيان على الشركاء أو الجمعية العامة أو المساهمين
يعرض هذا البيان خلال مدة لا تتجاوز (ثلاثين) يومًا من تاريخ إعداده على الشركاء أو الجمعية العامة أو المساهمين، وذلك لاتخاذ قرار بشأن حل الشركة بناءً على المعلومات الواردة فيه.
-
حظر اتخاذ قرار الحل في حال عدم كفاية الأصول
إذا أظهر البيان أن أصول الشركة لا تكفي لسداد ديونها، أو أن الشركة متعثرة بموجب نظام الإفلاس، فإنه لا يجوز للشركاء أو الجمعية العامة أو المساهمين اتخاذ قرار بحل الشركة. وفي حال تجاهل هذا الحظر، يتحملون المسؤولية بالتضامن عن أي دين متبقٍ في ذمة الشركة.
ثالثًا: ما هي إجراءات انقضاء الشركات؟
تناولت المادة الثالثة والتسعون من اللائحة التنفيذية لنظام الشركات تفاصيل إجراء انقضاء الشركات بشروط واضحة ودقيقة تضمن سلامة العملية. ونستعرض فيما يلي هذه الإجراءات بشيء من التفصيل:
-
إصدار قرار بحل الشركة
يحق للشركاء أو الجمعية العامة أو المساهمين إصدار قرار بالإجماع لحل الشركة إذا لم تقم الشركة بأي نشاط أو عمل. ويعد هذا القرار الخطوة الأولى في عملية الانقضاء ويُقدم إلى وزارة التجارة. ويشترط أن يتضمن القرار البيانات التالية:
-
إقرار بعدم مزاولة النشاط
يجب أن يشتمل القرار على إقرار من الشركاء أو المساهمين بأن الشركة لم تزاول أي نشاط ولم تقم بأي عمل منذ تأسيسها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يُقروا بعدم وجود أي أصول أو ممتلكات مملوكة للشركة.
-
إقرار بعدم وجود ديون أو التزامات
يُشترط أن يتضمن القرار تأكيدًا على أن الشركة لا تترتب عليها أي ديون أو التزامات، سواء كانت حالة أو آجلة أو متنازعًا عليها. كما يجب الإقرار بأنه لا توجد مستحقات زكاة أو ضرائب أو رسوم للدولة أو أي جهات معنية أو مختصة.
-
تعهد الشركاء أو المساهمين
يتضمن القرار تعهدًا من جميع الشركاء أو المساهمين، متضامنين فيما بينهم، بأداء أي ديون أو التزامات قد تظهر مستقبلًا على الشركة تجاه الغير. ويتم هذا الالتزام من أموالهم الخاصة لضمان حماية حقوق الأطراف الأخرى.
-
تقرير انتهاء أعمال التصفية
يُعد هذا التعهد بمثابة تقرير يُثبت انتهاء أعمال التصفية الخاصة بالشركة. ويعتبر أيضًا تقريرًا ماليًا لحسابها الختامي، حيث يُغني عن تقديم أي مستندات إضافية لإثبات انتهاء التصفية.
-
طلب شطب قيد الشركة
بناءً على القرار والتقارير المقدمة، يُعتبر هذا الطلب بمثابة طلب رسمي لشطب قيد الشركة من السجل التجاري، وذلك وفقًا لأحكام المادة (257) من نظام الشركات. وتتم مراجعة هذا الطلب من قِبل الوزارة لضمان اكتمال الشروط والالتزامات قبل إغلاق السجل التجاري للشركة نهائيًا.
رابعًا: ما هي الآثار القانونية المترتبة على انقضاء الشركات؟
عندما تنقضي الشركة، تُطرح تساؤلات قانونية عديدة حول مصير حقوقها والتزاماتها، وكيفية التعامل مع أصولها والتزاماتها تجاه الشركاء والغير. وتعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل القانونية التي تمر بها الشركات، لما لها من تأثير مباشر على كافة الأطراف المرتبطة بالشركة. ونتناول فيما يلي الآثار القانونية المترتبة على انقضاء الشركات من خلال ثلاث نقاط رئيسية: التصفية، والقسمة، وتقادم الدعاوى الناشئة عن الشركة:
التصفية
التصفية هي العملية القانونية التي تهدف إلى إنهاء أعمال الشركة من خلال تسوية كافة الحقوق والالتزامات المترتبة عليها، وتحديد الصافي من أموالها لتوزيعه بين الشركاء. وتتم التصفية إما وفقًا لما نص عليه عقد تأسيس الشركة أو النظام الأساس لها أو اتفاق الشركاء أو المساهمين، أو- في حالة عدم وجود نصوص محددة- وفقًا لأحكام نظام الشركات.
وتظل الشركة خلال فترة التصفية محتفظة بشخصيتها الاعتبارية بالقدر اللازم لإتمام عملية التصفية. ورغم انقضاء الشركة ككيان تجاري، تبقى أموالها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء.
وتعتبر أموال الشركة ضمانًا عامًا لدائنيها، ولا يمكن لدائني الشركاء الشخصيين المطالبة بحقوقهم من أموال الشركة. وإذا توقفت الشركة عن سداد ديونها التجارية أثناء التصفية، يجوز شهر إفلاسها. ومع ذلك، يُحظر عليها البدء في أعمال جديدة إلا إذا كانت تلك الأعمال ضرورية لإتمام عملية التصفية.
القسمة
بعد الانتهاء من التصفية، يأتي دور القسمة الذي يعني توزيع أموال الشركة بين الشركاء بما يتناسب مع حقوقهم وحصصهم. فتحدد طريقة القسمة استنادًا إلى عقد التأسيس أو النظام الأساس إذا تضمن أحكامًا محددة بشأن توزيع الأموال، ويتم الالتزام به.
وفي حال غياب النصوص التعاقدية يتم توزيع الفائض بعد سداد الديون بنسبة حصص الشركاء في رأس المال. وإذا لم تكفِ موجودات الشركة لتغطية الحصص، توزع الخسائر بينهم بحسب نسب مشاركتهم في الخسائر وفقًا للعقد أو النظام. وبذلك فالقسمة ليست مجرد عملية حسابية، بل هي خطوة قانونية تنهي العلاقة المالية بين الشركاء وتحدد حقوق كل طرف بشكل واضح.
تقادم الدعاوى الناشئة عن الشركة
يعتبر نظام التقادم أداة قانونية لحفظ استقرار المعاملات وحماية الأطراف من الدعاوى التي تُرفع بعد مرور فترة طويلة من انتهاء العلاقة القانونية. فلا تسمع الدعاوى ضد المصفي، أو الشركاء، أو المديرين بعد انقضاء خمس سنوات من شهر انتهاء التصفية وشطب الشركة من السجل التجاري، أو ثلاث سنوات من انتهاء عمل المصفي، أيهما أبعد. ولا يطبق التقادم في حالتي الغش أو التزوير، حيث يظل الحق في المطالبة قائمًا دون تقيد بمدة زمنية محددة.
وفي ختام هذا المقال
يمثل انقضاء الشركات في نظام الشركات الحديث خطوة متقدمة نحو تحقيق الاحترافية في الإجراءات القانونية وضمان حماية حقوق المساهمين والدائنين. ومن خلال الإجراءات المنظمة للتصفية والقسمة وتقادم الدعاوى، يوفر النظام مظلة قانونية تضمن العدالة والاستقرار لجميع الأطراف المعنية. ويساعد فهم هذه الأحكام القانونية على تجنب النزاعات، ويوفر حلولًا عملية لتحديات انقضاء الشركات. ومع ازدياد تعقيد الحياة الاقتصادية، يبرز النظام الجديد كركيزة أساسية لتحقيق بيئة تجارية آمنة وموثوقة، تنسجم في تعزيز الثقة والاستدامة في قطاع الأعمال.