يظهر مفهوم اندماج الشركات كخيار استراتيجي يجمع بين حوكمة الشركات والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية. ويمثل الاندماج أداة قانونية مهمة تهدف إلى تحقيق التكامل بين الكيانات التجارية، ويتيح للشركات الاستفادة من الموارد المشتركة وتعزيز نطاق الأعمال. وفي هذا المقال نسلط الضوء على مفهوم الاندماج، وأنواعه، وشروطه، وإجراءاته وفق نظام الشركات السعودي ، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: ماذا يعني اندماج الشركات ؟
اندماج الشركات هو عملية قانونية تتضمن توحيد شركتين أو أكثر لتكوين كيان أكبر، إما من خلال الضم بانضمام شركة أو أكثر إلى شركة قائمة (تُسمى الشركة الدامجة)، أو المزج بدمج شركتين أو أكثر لتأسيس شركة جديدة تمامًا.
وينتج عن هذه العملية زوال الشخصية الاعتبارية للشركات المندمجة، وإعادة توزيع الملكية في الكيان الجديد أو الشركة الدامجة، وتحقيق التكامل المالي والإداري بين الأطراف.
اختلاف اندماج الشركات عن التحول
التحول تغيير الشكل القانوني للشركة (مثل تحول شركة تضامن إلى شركة مساهمة )، دون المساس بشخصيتها الاعتبارية، أما اندماج الشركات يؤدي إلى زوال الكيانات القديمة وتكوين كيان جديد، أو انضمام الكيانات إلى الشركة الدامجة.
اختلاف اندماج الشركات عن الانفصال
اندماج الشركات هو توحيد شركتين أو أكثر في كيان واحد، أما الانفصال فهو تقسيم شركة قائمة إلى شركتين أو أكثر، مع استمرار الشركة الأصلية أو زوالها. ولا يعد اندماجًا انضمام مشروع فردي إلى شركة قائمة، وتحول الشركة من شكل قانوني إلى آخر.
ثانيًا: ما هو أنواع الاندماج وفقًا لنظام الشركات؟
يتيح نظام الشركات للشركات نوعين رئيسيين من الاندماج، كما ورد في الفقرة الأولى من المادة 225، ويقدم كل نوع مرونة للشركات لتلبية احتياجاتها الاقتصادية، ويسهم في تعزيز التنافسية داخل السوق، وهما:
-
اندماج الشركات عن طريق الضم:
يحدث عندما يتم ضم شركة أو أكثر إلى شركة قائمة، بحيث تستمر الشركة الدامجة في الوجود وتذوب الشخصية الاعتبارية للشركات المندمجة.
-
اندماج الشركات عن طريق المزج:
يحدث عندما تندمج شركتان أو أكثر لتكوين شركة جديدة تمامًا، ويؤدي ذلك إلى زوال الشخصيات الاعتبارية لجميع الشركات المندمجة.
وكل شركة مشاركة في عملية الاندماج ملزمة بإعداد مقترح اندماج يتضمن خطة مفصلة للعملية. ويشمل هذا المقترح تحديد الشروط والإجراءات التي تحكم العملية، وتفصيل الحصص أو الأسهم التي تُمنح للشركات المندمجة في رأس مال الشركة الدامجة أو الناشئة، وضمان الملاءة المالية للشركات الأطراف في العملية.
وتنص المادة 225 على ضرورة تقييم أصول الشركات الأطراف في الاندماج. ويهدف هذا الإجراء إلى تحقيق العدالة بين الأطراف، وضمان توزيع الحصص أو الأسهم بما يعكس القيمة الحقيقية للأصول، وحماية حقوق المساهمين والشركاء من أي غبن محتمل.
وتتمتع الجهة المختصة بصلاحيات تنظيمية واسعة لضمان سير عملية الاندماج بشكل عادل ومنظم. وتشمل هذه الصلاحيات تنظيم التعامل مع كسور الحصص أو الأسهم، وضوابط تعويض الشركاء المعترضين لضمان عدم الإضرار بمصالحهم، وتنظيم عملية التصويت للشركاء أو المساهمين في حالة تضارب المصالح.
ويتمثل المقابل في شكل حصص أو أسهم تُمنح في الشركة الدامجة أو الناشئة، ولا يُسمح بأي شكل آخر من المقابل، باستثناء الحالات التي تتطلب تعويضًا نقديًا لمعالجة كسور الحصص أو لتعويض الشركاء المعترضين.
ثالثًا: ما هو أهمية اندماج الشركات؟
من بين أبرز الفوائد التي يوفرها اندماج الشركات ، تمكين الشركات الناشئة من الحصول على تمويل أكبر وأكثر استقرارًا، من خلال اتحادها مع شركات قائمة تمتلك موارد مالية قوية أو من خلال اندماجها مع كيانات مماثلة. ولا تسهم هذه العملية فقط في تحسين الوضع المالي، بل تساعد أيضًا في تحسين جودة المنتجات والخدمات المقدمة للعملاء، حيث يؤدي توحيد الموارد والخبرات بين الشركات المندمجة إلى تقديم حلول أفضل وأكثر شمولية تلبي توقعات السوق.
وعلى مستوى الكفاءة الإنتاجية، يسهم اندماج الشركات في تحقيق تكامل تكنولوجي ومعرفي من خلال تبادل التكنولوجيا والخبرات الإدارية بين الشركات المندمجة. ومن ناحية أخرى، يقلل الاندماج من المخاطر التشغيلية والمالية من خلال توزيع الالتزامات والمسؤوليات بين الكيانات المندمجة، مما يخلق بيئة أكثر استقرارًا وأمانًا ماليًا.
ومن الناحية المالية، يؤدي اندماج الشركات إلى زيادة الأرباح وتقليل المصروفات التشغيلية والإدارية، مستفيدًا من وفورات الحجم. وعندما تندمج الشركات، يتم خفض التكاليف المشتركة وإدارة الموارد المالية بشكل أكثر كفاءة، مما يتيح تحقيق استغلال أفضل للإمكانات المتاحة. ويصبح هذا الكيان الناتج عن الاندماج أكثر قدرة على التوسع في الأسواق الخارجية، حيث يمتلك قوة مالية وإدارية تجعله قادرًا على المنافسة على المستويين الإقليمي والدولي.
وإلى جانب ذلك، يوفر اندماج الشركات فرصة ذهبية لتنويع الأنشطة التجارية من خلال إضافة خدمات أو منتجات جديدة، مما يساعد الشركات على التكيف مع التغيرات المستمرة في السوق. ويعزز هذا التنوع من استقرار الشركات ويمنحها مرونة أكبر لمواجهة التحديات الاقتصادية. أما بالنسبة للشركات الناشئة، فإن الاندماج يعد وسيلة استراتيجية لتعزيز تنافسيتها من خلال توسيع نطاق أعمالها، وتحسين جودة منتجاتها، وتقوية مواردها، مما يمكنها من التنافس مع الشركات الكبرى بشكل أكثر كفاءة وفعالية.
رابعًا: هل يسمح للشركات قيد التصفية بالاندماج؟
يعكس نظام الشركات مرونة قانونية واضحة بدعمه اندماج الشركات، حتى تلك التي تواجه تحديات مالية أو تحت التصفية، مما يعكس توجهًا مبتكرًا يمنح الشركات فرصة جديدة للاستمرارية عبر تكوين كيانات أقوى وأكثر تكاملًا.
خامسًا: هل يسمح نظام الشركات باندماج شركة في شركة مالكة لها؟
اندماج الشركات موضوع مثير للاهتمام في السوق السعودي، لكن السؤال هنا، هل يسمح النظام بأن تندمج شركة مع مالكتها؟ الجواب “نعم”، بشرط أن يتبع ذلك القوانين المنظمة لهذه العملية. فالمادة 226 من نظام الشركات، وضّحت الأمر وأعطت الشركات المالكة والمملوكة الحق في الاندماج بطرق معينة، وفيها مرونة تخدم الأطراف وتخفف التعقيدات.
الحالة الأولى: اندماج الشركة المملوكة بالكامل في مالكتها
الشركة المملوكة تتلاشى تمامًا وتنتقل كل حقوقها والتزاماتها للشركة المالكة، وهذه الطريقة سهلة التنفيذ مقارنة بغيرها؛ لأن الملكية الكاملة تجعل القرار بيد طرف واحد.
الحالة الثانية: اندماج شركتين مملوكتين لنفس المساهمين
إذا كانت الشركات مملوكة لنفس الأشخاص، فيمكن دمجها في كيان واحد دون تعقيدات كبيرة. وهذا النوع من الاندماج يوفر الوقت ويزيل الحاجة لتقييم الأصول من جديد.
وتوضح المادة أن اللوائح التنظيمية هي المرجعية اللي تحدد كل الضوابط والإجراءات اللي تحكم عملية الاندماج. وهذا يعطي الشركات خارطة طريق واضحة، بحيث تكون العملية مرتبة ومتوافقة مع المبادئ القانونية والمالية.
والميزة الأكبر في المادة (226) إنها تفتح باب الاستثناء لبعض الحالات الخاصة، خصوصًا عندما يكون الاندماج بين شركة تملك نسبة كبيرة أو كاملة من رأس مال الشركة الثانية، وكيان تابع أو مملوك جزئيًا أو كليًا للشركة المالكة.
سادسًا: ما هي إجراءات اندماج الشركة المملوكة بالكامل أو المملوكة لنفس الشركاء أو المساهمين؟
تحت مظلة نظام الشركات، تناولت اللوائح التنفيذية تنظيمًا دقيقًا لعمليات اندماج الشركات المملوكة بالكامل أو المملوكة لنفس الشركاء أو المساهمين، فجاءت المادة 87 من اللائحة التنفيذية لتوضح الخطوات، وتمنح استثناءات تجعل العملية أسرع وأكثر كفاءة، وفيما يلي تفاصيل هذه الإجراءات:
-
اندماج شركة أو أكثر في شركة مالكة لها بالكامل
في حالة اندماج شركة أو أكثر في شركة أخرى تمتلكها بالكامل، حينها يصدر القرار فقط من الشركة الدامجة، دون الحاجة لأي قرارات رسمية من الشركات المندمجة.
ويجب إعداد بيان يثبت قدرة الشركة الدامجة على الوفاء بجميع ديون الشركات المندمجة بعد تنفيذ الاندماج، ويشكل هذا البيان ضمانًا للالتزامات.
-
الإعفاء من بعض المتطلبات الإجرائية
ولتسهيل عملية الاندماج بين الشركات المملوكة بالكامل، تعفى الشركات من تقديم مقترح مفصل للاندماج، ولا يُطلب تقييم أصول الشركات الأطراف، خلافًا لما تنص عليه المادة 225 في حالات الاندماج الأخرى.
-
اندماج شركتين أو أكثر مملوكة لنفس الشركاء أو المساهمين
إذا كانت الشركات مملوكة بالكامل لنفس الشركاء، تختلف الإجراءات قليلًا؛ فيتطلب الأمر موافقة كل شركة على قرار الاندماج. وتطبق باقي أحكام النظام مع استثناء شرط تقييم الأصول، لتسهيل العملية.
سابعًا: هل يحق للدائنين الاعتراض على قرارات الاندماج؟
تضع المادة 227 من نظام الشركات إطارًا قانونيًا يضمن حماية حقوق الدائنين عند اتخاذ قرارات الاندماج، مع تحقيق توازن عادل بين مصالح الشركات والدائنين. فالإجراءات واضحة ودقيقة، وتوفر للدائنين وسائل فعّالة للتصدي لأي مخاطر قد تؤثر على حقوقهم، وفيما يلي شرح هذه الإجراءات بشيء من التفصيل:
-
الإعلان عن مقترح الاندماج
الخطوة الأولى تبدأ بإعلان رسمي عن مقترح الاندماج من كل شركة مشاركة في العملية، ويجب أن يتم الإعلان قبل 30 يومًا على الأقل من اتخاذ القرار بشأن الاندماج. والهدف من هذه الخطوة هو إتاحة الفرصة للدائنين للاطلاع على تفاصيل العملية، ومنحهم وقتًا كافيًا لدراسة تأثير الاندماج على قدرتهم على تحصيل ديونهم.
-
حق الدائنين في الاعتراض على الاندماج
يملك الدائنون الحق القانوني لتقديم اعتراضاتهم خلال 15 يومًا من تاريخ الإعلان. ويشمل هذا الحق الإبلاغ بالاعتراض من خلال خطاب مسجل أو عن طريق الوسائل الأخرى المحددة في الإعلان. وإذا كان الدين حال السداد، على الشركة أن تفي به فورًا. أما إذا كان الدين آجلًا، يتعين على الشركة تقديم ضمان كافٍ يضمن السداد عند الاستحقاق.
-
اللجوء إلى الجهة القضائية المختصة
في حال عدم التزام الشركة بحقوق الدائن المعترض، أو إذا لم تقدّم ضمانًا كافيًا، يمكن للدائن اللجوء إلى القضاء، ويجب تقديم الاعتراض لدى المحكمة المختصة قبل 10 أيام على الأقل من موعد اتخاذ قرار الاندماج.
وللجهة القضائية المختصة صلاحيات متعددة منها إصدار أوامر بالسداد إذا كان الدين مستحقًا، وإصدار ضمانات كافية إذا كان الدين مستقبليًا، وإيقاف أو تأجيل الاندماج إذا رأت المحكمة أن العملية قد تلحق أضرارًا جسيمة بالدائن، ولا تستطيع الشركة المندمجة أو الشركة الدامجة الوفاء بالدين أو تقديم الضمان.
وإذا تم تنفيذ الاندماج قبل أن تصدر الجهة القضائية حكمًا بشأن اعتراض الدائن، يظل للدائن حق طلب التعويض عن أي ضرر لحق به بسبب الاندماج. وتختص الجهات القضائية بإصدار الأحكام اللازمة، بشرط أن يثبت الدائن صحة اعتراضه وأن يكون الضرر ناتجًا بشكل مباشر عن عملية الاندماج.
ثامنًا: متى يصبح قرار الاندماج نافذًا نظامًا؟
لا يصبح قرار الاندماج ساريًا نظامًا إلا بعد استكمال مرحلة القيد الرسمية في السجل التجاري، وتمثل هذه الخطوة نقطة التحول الحاسمة التي تضفي على الاندماج شرعيته وتضمن انتقال الحقوق والالتزامات بشكل قانوني. وبناءً على المادة 228 من نظام الشركات، يعتمد نفاذ قرار الاندماج على طبيعة العملية ونوع الشركة الناتجة، وفيما يلي توضيح ذلك بالتفصيل:
-
نفاذ قرار الاندماج في حالة اندماج شركة في شركة دامجة قائمة
في حالة اندماج شركة أو أكثر في شركة دامجة قائمة، يصبح القرار نافذًا نظاما عند تسجيل بيانات الشركة المندمجة في سجل الشركة الدامجة بالسجل التجاري. وبمجرد تسجيل هذه البيانات، تذوب الشركة المندمجة قانونيًا، مما يعني انتهاء الشخصية الاعتبارية للشركة المندمجة، وانتقال كافة حقوق والتزامات الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة، بما في ذلك العقود، والأصول، والديون.
-
نفاذ قرار الاندماج في حالة تأسيس شركة جديدة ناشئة عن الاندماج
ويكمن أهمية القيد في السجل التجاري في أنه يمثل الإجراء القانوني الذي يضفي على قرار الاندماج صفته الرسمية، ويجعله معترفًا به قانونًا. كما أنه يضمن حماية حقوق الدائنين والمساهمين والشركاء؛ حيث يعتبر هذا الإجراء علنيًا ويمكن الرجوع إليه للتحقق من تفاصيل الاندماج. بالإضافة إلى ما يؤكده القيد من انتقال جميع الحقوق والالتزامات من الشركات المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الشركة الناشئة.
أما إذا كان الاندماج يهدف إلى تأسيس شركة جديدة ناشئة تجمع الشركات المندمجة، فيتم نفاذ القرار عند تسجيل الشركة الناشئة الجديدة في السجل التجاري. وبمجرد القيد، تكتسب الشركة الجديدة الشخصية الاعتبارية، وتزول الشركات المندمجة السابقة تمامًا، وتنتقل حقوقها والتزاماتها بالكامل إلى الشركة الناشئة.
والقيد في السجل التجاري ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو الركيزة التي تضفي صفة رسمية على الاندماج ويجعل جميع مخرجاته قانونية وملزمة، كما أنه يضمن حقوق الدائنين، والمساهمين، والشركاء من خلال شفافية العملية وإتاحة تفاصيلها للعامة، ويُثبت نقل كافة الحقوق والالتزامات من الشركات المندمجة إلى الكيان الجديد.
وفي ختام هذا المقال
يتضح أن اندماج الشركات ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو أداة استراتيجية تدعم الشركات في تحقيق الاستدامة والنمو. فمن خلال نظام الشركات السعودي، وضع المشرّع السعودي إطارًا مرنًا وشاملًا يحمي المصالح الاقتصادية والاجتماعية، ويوازن بين تمكين الشركات من مواجهة تحديات السوق بكيانات أقوى، وحماية الأطراف المعنية كالدائنين والمساهمين، ومكافحة الاحتكار بمنع استغلال الاندماج للإضرار بالسوق أو التحكم به. كما أن نجاح الاندماج يعتمد على رؤية واضحة، وتخطيط دقيق، واحترام القوانين لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه العمليات.
1 Comment
آثار الاندماج وإجراءاته في 5 نقاط هامة - albatil.com
15 ديسمبر، 2024[…] اندماج الشركات من أبرز العمليات الاقتصادية التي تشهدها الأسواق على […]