تمثّل العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال وفقًا للنظام السعودي منظومة متكاملة من التدابير الزجرية والوقائية التي وُضعت بعناية فائقة لضمان الردع الفعّال. وتبدأ هذه المنظومة بالعقوبات الأصلية المقررة على مرتكبي جريمة غسل الأموال بصفتهم الطبيعية، حيث تختلف شدة العقوبة بحسب جسامة الجريمة أو ارتباطها بظروف مشددة. ثم يفتح النظام الباب أمام إمكانية تخفيف العقوبة في حالات محددة استثنائية، وذلك إذا بادر الجاني بالإبلاغ الطوعي قبل علم السلطات المختصة، وفقًا للضوابط الدقيقة التي وضعتها المادتان التاسعة والعشرون والثلاثون.
وبالتوازي مع ذلك، يخصّ النظام الأشخاص الاعتباريين – من مؤسسات وشركات ومنظمات – بعقوبات مستقلة تتناسب مع طبيعتهم النظامية، والتي تعكس توازنًا دقيقًا بين الغرامات المالية الباهظة، وتقييد النشاط، وحتى التصفية أو الإغلاق الكامل للمقرات التي استُخدمت في الجريمة. ولا يقف نطاق العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال عند حدود الجزاء، بل يمتد إلى مصادرة الأموال أو الوسائط أو المتحصلات الناتجة عن الجريمة، سواء صدرت إدانة أم تعذر صدورها، حيث أُعطت صلاحيات موسعة للمحكمة المختصة لضمان استرداد عوائد الجريمة حتى من أطراف غير مرتكبين متى ثبت العلم بالمصدر غير المشروع.
وتستكمل هذه المنظومة بإجراءات إدارية وتأديبية تمكّن الجهات الرقابية من فرض جزاءات تنظيمية رادعة، كالإنذارات والغرامات وتعليق التراخيص وسحبها، وذلك متى ثبت وقوع مخالفة لأحكام النظام أو اللائحة. ويمتد أثر هذه العقوبات إلى الساحة الإعلامية من خلال النص على نشر الأحكام النهائية كوسيلة ردع علني، في تأكيد على أنّ العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال لا تقتصر على القيد الجنائي أو الجزاء المادي، بل تشمل تشويه السمعة المؤسسية في حال التورط أو التستر أو الإهمال الجسيم.

أولًا: ما هي العقوبات الأصلية على مرتكبي جرائم غسل الأموال في النظام السعودي؟
تُحدّد العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال في النظام السعودي وفقًا لأحكام دقيقة وواضحة تهدف إلى الردع العام والخاص، وقد تضمن نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/20) وتاريخ 5/2/1439هـ، نصوصًا صريحة في هذا الشأن. ونستعرض فيما يلي المواد النظامية المتعلقة بالعقوبات الأصلية المفروضة على مرتكبي هذه الجريمة، وبيان الأحوال التي تُشدد فيها تلك العقوبات:
-
العقوبة الأصلية المقررة على مرتكب جريمة غسل الأموال:
تنص المادة السادسة والعشرون من نظام مكافحة غسل الأموال على أنه: “يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة (الثانية) من النظام؛ بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين”. وتعد هذه المادة الأساس في بيان العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال في صورتها العامة، وهي تمثل الإطار العقابي الذي يطبَّق حال تحقق الجريمة دون اقترانها بظروف مشددة.
وتكشف هذه المادة عن أن المشرع السعودي قرر عقوبات أصلية على مرتكبي جريمة غسل الأموال تتراوح بين السجن والغرامة، أو الجمع بينهما، وهو ما يمنح المحكمة المختصة سلطة تقديرية واسعة في فرض العقوبة المناسبة بحسب ظروف كل واقعة على حدة.
-
تشديد العقوبات في حالة اقتران الجريمة بظروف مشددة:
تُشدد العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال إذا اقترنت بظروف معينة نصت عليها المادة السابعة والعشرون من النظام، والتي قررت أن العقوبة تكون: “السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة، أو غرامة لا تزيد على سبعة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين”، وذلك إذا اقترنت الجريمة بأي من الظروف الآتية:
- ارتكابها من خلال جماعة إجرامية منظمة.
- استخدام العنف أو الأسلحة.
- اتصالها بوظيفة عامة يشغلها الجاني، أو ارتكابها باستغلال السلطة أو النفوذ.
- ارتباطها بجريمة الاتجار بالبشر.
- استغلال قاصر أو من في حكمه.
- ارتكابها من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو مرفق خدمة اجتماعية.
- وجود حكم سابق محلي أو أجنبي بإدانة الجاني.
وتُجسّد هذه المادة التوجه النظامي نحو تغليظ العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال متى اقترنت بظروف تُظهر خطورتها البالغة، وتدل على سلوك إجرامي منظم أو استغلال للمراكز الحساسة.
-
دلالة التدرج في العقوبات وفقًا للظروف المشددة:
يعكس التفاوت بين نص المادة السادسة والعشرين والمادة السابعة والعشرين دقة المشرّع في مواءمة العقوبة مع جسامة الفعل المرتكب. فبينما تضع المادة السادسة والعشرون حدًّا أدنى وأقصى للعقوبات في الظروف العادية، ترفع المادة السابعة والعشرون هذا الحد متى وُجدت ظروف مشددة تُوجب تغليظ العقوبة.
ويُعد هذا التدرج إحدى السمات الجوهرية التي تُظهر احترافية النظام السعودي في بناء منظومة العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال، بما يحقق التناسب بين الجريمة والعقوبة، ويُعزز من فعالية الردع.
ثانيًا: ما هي الظروف المخففة للعقوبة في جرائم غسل الأموال؟
في نطاق منظومة المكافحة التشريعية الحازمة لجرائم غسل الأموال، لم يُغفل النظام السعودي عن تنظيم مسألة تخفيف العقوبة في الحالات التي يتعاون فيها الجاني مع السلطات المختصة بشكل فعّال، سواء قبل انكشاف الجريمة أم بعد علم الجهات الرسمية بها. فقد جاءت المادة التاسعة والعشرون من النظام لتفتح بابًا قانونيًا لتخفيف العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال، بشرط أن يكون الجاني هو المبادر بالإبلاغ عن الجريمة أو عن مرتكبيها الآخرين، وأن يترتب على بلاغه نتائج عملية مباشرة، كضبط الأشخاص أو الأموال أو الوسائط أو المتحصلات ذات الصلة بالجريمة.
وتُحال هذه الحالة إلى التقدير القضائي المنصوص عليه في المادة الثلاثين من النظام، التي تشكّل الإطار التفصيلي لآليات التخفيف، حيث يجوز للمحكمة المختصة – وفقًا للضوابط القانونية المحددة – النزول بالعقوبة إلى السجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز سبع سنوات، أو تغريم الجاني بما لا يتجاوز ثلاثة ملايين ريال، أو الحكم عليه بكلتا العقوبتين. وذلك يُعد استثناءً مما ورد في المادة السادسة والعشرين التي تقضي بالسجن من سنتين إلى عشر سنوات، أو الغرامة حتى خمسة ملايين ريال، أو بهما معًا.
وتُضفي المادة الثلاثون طابعًا دقيقًا على مفهوم الظروف المخففة من خلال تحديد أربعة صور رئيسة تُجيز للمحكمة تطبيق هذا التخفيف، وهي:
- إذا أدى إبلاغ الجاني إلى منع ارتكاب جريمة غسل أموال أخرى أو الحد من آثارها المحتملة، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
- إذا ساعد البلاغ في تحديد مرتكبي الجريمة الآخرين أو ملاحقتهم قضائيًّا، وهو ما يعزز من كفاءة التحقيقات ويوسّع نطاقها.
- إذا مكّن البلاغ الجهات المختصة من الحصول على أدلة جوهرية لم تكن متاحة بوسائل أخرى، مما يشكّل قيمة مضافة في الإثبات.
- إذا ساهم البلاغ في حرمان الجماعات الإجرامية من السيطرة على المتحصلات غير المشروعة، أو أدى إلى حرمانها من أموال لا حق لها فيها.
ويشترط النظام أن تكون هذه المعلومات التي تم الإبلاغ عنها غير ممكنة الحصول بطرق أخرى، وأن يكون دور الجاني حاسمًا في كشفها، مما يضمن أن التخفيف لا يكون إلا لمن ساهم بشكل جوهري في تحقيق العدالة الجنائية.
ويُعد هذا الباب من النظام أحد التطبيقات النموذجية لمفهوم “التعاون مقابل التخفيف”، وهو ما يدخل ضمن بنية العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال، التي تجمع بين الحزم في الردع والمرونة في تقدير الظروف الخاصة.
ويمكن القول إن منح المحكمة سلطة تقديرية مقيدة بشروط دقيقة، يعزز من فعالية النظام ويمنع إساءة استخدام التخفيف، كما يسمح في الوقت ذاته باستثمار التعاون الجاد من الجناة كوسيلة استثنائية لكشف الجرائم المعقدة والمتشابكة.
وتُعد العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال وفقًا لهاتين المادتين مرنة في مظهرها ولكنها صارمة في جوهرها؛ إذ لا يتم تخفيفها إلا بشروط تراعي مصلحة العدالة وحماية النظام المالي، وتُربط بأداء حقيقي لا بمجرد الادعاء بالتوبة أو الندم.
ثالثًا: ما العقوبات النظامية على الأشخاص الاعتباريين في جرائم غسل الأموال؟
لم يغفل المشرّع السعودي عن تنظيم العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال التي ترتكب من قبل الأشخاص ذوي الصفة الاعتبارية، وذلك من خلال نص صريح ودقيق ورد في المادة الحادية والثلاثين، التي فرّقت بوضوح بين المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي، وبين الجزاءات التي تترتب على الشخص الاعتباري حال ارتكابه الجريمة.
فوفق الفقرة الأولى من هذه المادة، يُعاقب الشخص الاعتباري الذي يثبت ارتكابه جريمة غسل أموال بغرامة مالية لا تقل عن ضعف قيمة الأموال محل الجريمة، ولا تتجاوز خمسين مليون ريال سعودي، مع التأكيد على أن هذه العقوبة لا تُخلّ بالمسؤولية الجنائية المنفصلة للشخص الطبيعي المرتبط بالجريمة ذاتها. وتعد هذه الغرامة ذات طابع مزدوج، إذ تأخذ بعين الاعتبار حجم المتحصلات الإجرامية، وتجمع بين الطابع الجزائي والردعي في آنٍ واحد.
أما الفقرة الثانية من المادة نفسها، فقد منحت المحكمة المختصة صلاحية فرض تدابير تنظيمية صارمة بحق الشخص الاعتباري، قد تصل إلى المنع المؤقت أو الدائم من ممارسة النشاط المرخّص به سواء بصورة مباشرة أم غير مباشرة، أم إغلاق المقرات التي استُخدمت في ارتكاب الجريمة، أم تصفية أعمال الكيان الاعتباري بأكمله، متى ثبت أن وجوده بات يشكل تهديدًا للنظام المالي أو أداةً لتكرار الأنشطة غير المشروعة.
وتُعد هذه الفقرة من أبرز صور العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال التي ترتكب عبر كيانات تجارية أو مؤسسات مرخصة قانونًا، حيث تكفل عدم تحوّل الأشخاص الاعتباريين إلى غطاء قانوني لارتكاب الجرائم المنظمة، كما تضفي بعدًا رقابيًا رادعًا على بيئة الأعمال والاستثمار في المملكة.
ومن ثم، فإن العقوبات المقررة في المادة الحادية والثلاثين لا تقف عند حد الجزاء المالي، بل تشمل في جوهرها أدوات إنفاذ قانونية صارمة تُمكّن الجهات القضائية من تعطيل النفوذ الإجرامي المنظم حين يُمارس عبر هياكل قانونية ذات طابع تجاري أو مؤسسي، وهو ما يعزز من فعالية العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال ويمنح النظام بعدًا مؤسسيًا صارمًا يتجاوز المعالجة التقليدية للجرائم الفردية.
رابعًا: كيف يتم تنفيذ الأحكام بمصادرة الأموال أو الوسائط أو المتحصلات؟
تتضمن العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال في المملكة، إلى جانب العقوبات الأصلية والتبعية، عقوبات مالية وإجرائية تتسم بطابع خاص، أهمها ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية بمصادرة الأموال أو الوسائط أو المتحصلات المرتبطة بجريمة غسل الأموال أو الجريمة الأصلية المرتبطة بها. وقد نظم النظام السعودي هذا الإجراء في إطار دقيق ومفصل يضمن التوازن بين مقتضيات الردع والجزاء، وبين حفظ حقوق الغير حسن النية.

-
متى تحكم المحكمة المختصة بالمصادرة في قضايا غسل الأموال؟
وفقًا للمادة الثالثة والثلاثين من نظام مكافحة غسل الأموال، فإن الحكم بالمصادرة يكون وجوبيًا عند الإدانة، ويشمل الأموال المغسولة، والمتَحصلات الناتجة عن الجريمة، وكذلك الوسائط المستخدمة فيها. كما يجوز للمحكمة الحكم بمصادرة تلك الأموال حتى إذا لم تكن بحوزة مرتكب الجريمة نفسه، متى ثبت ارتباطها بالجريمة.
وتشمل الأموال المصادرة ما يأتي: الأموال المغسولة، والمتحصلات، وإذا اختلطت بأموال مكتسبة من مصادر مشروعة، تُصادر منها ما يعادل قيمتها التقديرية، والوسائط المستخدمة في ارتكاب الجريمة أو التي كان يُراد استخدامها فيها.
كما تنص الفقرة الثانية من المادة نفسها على أن المحكمة المختصة تُصدر الحكم بالمصادرة حتى إذا لم تكن الأموال في حيازة الجاني أو ملكيته، بشرط ثبوت ارتباطها بالجريمة. وتستثني فقط الحالات التي يثبت فيها صاحب الحق أنه حصل على الأموال مقابل ثمن عادل، أو لقاء خدمة تتناسب مع القيمة، وكان يجهل مصدرها غير المشروع. ويُشكل ذلك أحد أبرز تطبيقات العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال التي تتجاوز الحيازة المادية نحو استرداد الأموال من أطراف ثالثة متى كانت خاضعة لشبهة الجريمة.
-
هل يشترط الحكم بالإدانة لتنفيذ المصادرة؟
لا، لا يُشترط في جميع الحالات صدور حكم بالإدانة حتى تُنفَّذ العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال المرتبطة بالمصادرة، فقد أجاز النظام – في المادة الرابعة والثلاثين – للمحكمة المختصة أن تحكم بمصادرة الأموال المرتبطة بالجريمة دون الحاجة إلى إدانة، وذلك في حال تعذر محاكمة مرتكب الجريمة بسبب وفاته، أو هربه، أو غيابه، أو عدم تحديد هويته. وتُعد هذه الصيغة القانونية إحدى الوسائل المهمة التي تضمن استمرار فاعلية النظام في استرداد المتحصلات، حتى في غياب الجاني الطبيعي، وتفويت الفرصة على من يتعمدون الاختفاء أو التخفي لحماية المتحصلات الإجرامية.
وقد أكدت هذه القاعدة أن العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال لا تقتصر على المساءلة الجنائية، بل تشمل استرداد أموال الجريمة كغاية مستقلة، يمكن ملاحقتها قضائيًّا دون تعليق على عنصر الإدانة، متى كانت الأموال أو الوسائط أو المتحصلات خاضعة للضبط القضائي المباشر أو المثبت.
-
ماذا لو لم تكن الأموال المحكوم بمصادرتها متوافرة؟
في إطار الحرص على تنفيذ العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال بصورة فعلية، عالج النظام الحالات التي لا تتوافر فيها الأموال المرتبطة بالجريمة، سواء لتعذر تحديد موقعها أم لتصرف مرتكب الجريمة بها. ففي المادة الخامسة والثلاثين، نص النظام على أن المحكمة المختصة تحكم بمصادرة أموال أخرى مملوكة لمرتكب الجريمة تماثل في قيمتها الأموال غير المتوافرة.
كما أكدت الفقرة الثانية من المادة ذاتها، أن المحكمة تلتزم – إذا كانت قيمة المتحصلات المحكوم بمصادرتها أقل من قيمة المتحصلات الفعلية الناتجة عن الجريمة الأصلية – بالحكم بمصادرة ما يكمل الفرق من أموال أخرى لمرتكب الجريمة. ويعد هذا الإجراء من أهم أدوات التنفيذ القضائي في إطار العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال، حيث يضمن عدم إفلات المتحصلات من المصادرة لمجرد عدم توافرها مادّيًا وقت التنفيذ.
-
ما هو مصير الأموال المصادرة؟
وفقًا للمادة السادسة والثلاثين من النظام، فإن الأموال التي تُصادر بموجب حكم قضائي، تؤول – ما لم ينص نظام آخر على خلاف ذلك – إلى الخزينة العامة للدولة، مع بقاء هذه الأموال محمّلة بأي حقوق تقررت بصورة مشروعة لصالح أطراف حسني النية. وقد أكدت اللائحة التنفيذية – في المادة (36/1) – أن تنفيذ هذه الأحكام يخضع في شأن الأموال والمتحصلات والوسائط المصادرة إلى ضوابط قرار مجلس الوزراء رقم (47) وتاريخ 18/2/1421هـ، الذي يتناول تنظيم إجراءات المصادرة والإحالة إلى الخزينة.
ويعكس هذا التنظيم حرص النظام السعودي على الجمع بين تحقيق الردع الفعلي من خلال العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال، وبين احترام الحقوق القانونية للمتعاملين حسن النية، الذين لم يكونوا على علم بمصدر الأموال غير المشروع.
-
من هي الجهة المختصة بتنفيذ أحكام المصادرة والتصرف بالأموال؟
نصت المادة السابعة والثلاثون من النظام، والمادتان (37/1) و(37/2) من اللائحة التنفيذية، على أن الجهة المنفذة للحجز التحفظي تُعد هي السلطة المختصة بتنفيذ الأحكام الصادرة بمصادرة الأموال أو الوسائط أو المتحصلات المرتبطة بجرائم غسل الأموال، وذلك بمجرد اكتساب الحكم الصفة النهائية. ويشمل ذلك إجراءات الحيازة، والإيداع، والتصرف النظامي وفق ما تقتضيه الأحكام القضائية الصادرة.
أما في حالات التعاون الدولي، حيث تقضي الأحكام باقتسام الأموال أو المتحصلات أو الوسائط المصادرة مع دولة أجنبية ترتبط مع المملكة باتفاقيات أو معاهدات نافذة، فإن السلطة المختصة بذلك – بحسب ما ورد في المادة (37/2) من اللائحة – هي “اللجنة الدائمة لطلبات المساعدة القانونية” بوزارة الداخلية، والتي تتولى مسؤولية تنفيذ الأحكام المشتركة والاتفاقات الثنائية في هذا الإطار.
ويمثل هذا التنظيم المؤسسي الدقيق جانبًا مهمًا من آليات العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال، إذ لا يقتصر على إصدار الأحكام فحسب، بل يمتد إلى تفعيل تنفيذها الواقعي والفعّال، داخل المملكة وخارجها، بما يضمن تتبع العوائد غير المشروعة، ومصادرتها، والتصرف بها بما يخدم الأهداف العدلية والنظامية للمملكة.
خامسًا: ما الإجراءات التأديبية والإدارية التي يجوز للجهة الرقابية اتخاذها ضد الجهات المخالفة؟
برزت اختصاصات الجهة الرقابية كأحد الأدوات النظامية الحاسمة في فرض الامتثال، وتقييد المخالفات، ومعالجة التجاوزات المؤسسية بطريقة رادعة وفعالة. وقد خصّ نظام مكافحة غسل الأموال الجهة الرقابية بجملة من الصلاحيات التأديبية والإدارية، التي تجسدت بوضوح في المادة الخامسة والعشرين من النظام، إلى جانب ما قررته المادة الثانية والثلاثون من حيث النشر العلني للأحكام.
وتنص المادة (25) من النظام على أن للجهة الرقابية، دون الإخلال بأي عقوبة أشدّ، ودون الإضرار بأي إجراء وارد في نظام آخر، أن تتخذ – عند اكتشاف مخالفة – واحدًا أو أكثر من الإجراءات النظامية ضد المؤسسات المالية، أو الأعمال والمهن غير المالية المحددة، أو المنظمات غير الهادفة إلى الربح، أو حتى الأفراد العاملين فيها من مديري إدارات أو أعضاء مجالس أو قيادات إشرافية.
وتشمل هذه الإجراءات تسع درجات تصاعدية من التدابير التأديبية والإدارية، تبدأ بإنذار كتابي بالمخالفة المرتكبة، ثم إصدار أوامر بالتقيد بتعليمات محددة، يتبعها إلزام الجهة المخالفة بتقديم تقارير دورية توضح التدابير المتخذة لمعالجة المخالفة. وتُعد هذه التدابير من أدوات الإنفاذ الإداري ذات الطبيعة الوقائية التي قد تُغني عن التصعيد الجزائي.
وفي حال تكرار المخالفة، أو جسامتها، يجوز للجهة الرقابية فرض غرامة مالية لا تتجاوز خمسة ملايين ريال عن كل مخالفة، وهو ما يدخل في نطاق العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال باعتبارها أداة ردع غير جزائية لكنها فعالة في ضبط السلوك المؤسسي، لا سيما مع ما يتيحه النظام من صلاحيات أوسع في حال ارتبطت المخالفة بتقصير في الالتزامات النظامية الجوهرية.
وفي الحالات التي تقتضي تدخلًا أشد صرامة، منحت المادة نفسها للجهة الرقابية صلاحيات واسعة تشمل منع مرتكب المخالفة من العمل في القطاعات التي تخضع لإشرافها، وذلك لمدة تحددها وفقًا لتقديرها النظامي. كما يجوز لها تقييد صلاحيات المديرين أو أعضاء مجلس الإدارة أو التنفيذيين أو حتى الملاك المسيطرين، ومن ذلك تعيين مراقب مؤقت واحد أو أكثر لإدارة الجهة المخالفة، مما يعكس مدى القوة التنفيذية للإجراءات الإدارية والتأديبية المنصوص عليها.
وتتصاعد تلك الصلاحيات لتصل إلى إيقاف المديرين أو أعضاء مجلس الإدارة أو أعضاء الإدارة التنفيذية أو الإشرافية، أو حتى مطالبة الجهة بتغييرهم، إذا ما ثبت تقصيرهم أو تورطهم في المخالفة، أو تسببهم فيها بإهمالهم أو سوء إدارتهم. كما يمكن للجهة الرقابية – وفقًا لنص النظام – إيقاف النشاط نفسه، أو العمل، أو المهنة، أو المنتج المتعلق بالمخالفة، أو تقييده أو حظره نهائيًا، وهي جزاءات إدارية بامتياز لكنها تقترب من الطابع الزجري للعقوبات الأصلية.
وتتجلى إحدى أشد صور العقوبات التأديبية في صلاحية الجهة الرقابية بتعليق الترخيص أو تقييده أو سحبه أو حتى إلغائه، وهي صلاحية تُمارَس في أضيق الحدود ووفق معايير نظامية دقيقة، لا سيما في حال كانت المخالفة جسيمة، أو تكررت، أو اقترنت بعناصر توجب التدخل التنظيمي الحاسم. وتدخل هذه الإجراءات ضمن نطاق ما يُصطلح عليه بالعقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال عندما تكون الجهة المخالفة قد قصّرت في تطبيق التزاماتها النظامية المتعلقة بالمكافحة أو التبليغ أو التدقيق.
ويُضاف إلى ذلك التزام قانوني جوهري نصت عليه المادة ذاتها، وهو أن على الجهة الرقابية إبلاغ الإدارة العامة للتحريات المالية بكل إجراء أو جزاء تتخذه، مما يعزز من التنسيق المؤسسي، ويضمن عدم تعارض القرارات الرقابية مع الإجراءات التحقيقية أو القضائية الجارية، ويدمج بين الوظيفة التنظيمية والوظيفة الاستخباراتية المالية في سياق منظم ومترابط.
وفي خطوة ذات طابع رادع وشفّاف، أتاح النظام في المادة (32) تضمين الحكم الصادر بالعقوبة النص على نشر ملخصه، على نفقة المحكوم عليه، في صحيفة محلية أو وسيلة مناسبة أخرى، وذلك بعد اكتساب الحكم الصفة النهائية. وتُحدَّد وسيلة النشر بحسب جسامة الجريمة وتأثيرها ونوعها. ويُعد هذا النشر من العقوبات التكميلية المهمة ضمن منظومة العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال، ويُستخدم كوسيلة لكشف التجاوزات وردع الجهات الأخرى عن اقترافها.
وختامًا،
تتجلى العقوبات القانونية لجرائم غسل الأموال وفقًا للنظام السعودي بوصفها منظومة جزائية متماسكة لا تقتصر على معاقبة الجاني الطبيعي فقط، بل تمتد لتشمل الأشخاص الاعتباريين، وتهيئ الإطار القانوني لمصادرة المتحصلات والوسائط، وتنص على صلاحيات تأديبية شاملة للجهات الرقابية، مما يعكس التكامل الدقيق بين الجانب الجزائي والتنظيمي. وقد كشفت النصوص النظامية عن دقة متناهية في صياغة العقوبات، بين الأصلية والتبعية، والمشددة والمخففة، بما يُراعي طبيعة الجريمة وسياقها ومرتكبيها، ويمنح السلطة القضائية أدوات مرنة تُحقق الردع والعدالة في آن واحد.

1 Comment
personalized matchmaking
7 يوليو، 2025Free profile creation lowers entry barriers.