تمثل الشركة ذات المسؤولية المحدودة أحد الأشكال القانونية الواردة في النظام. ويأتي هذا النوع من الشركات ككيان قانوني مستقل ينظم العلاقة بين الشركاء، ويوفر لهم إطارًا قانونيًا يضمن لهم الحماية من الالتزامات المالية للشركة، وذلك بقدر حصصهم في رأس المال دون المساس بأصولهم الشخصية. وقد حرص نظام الشركات السعودي على تطوير وإرساء قواعد متينة تنظم مختلف جوانب الشركة ذات المسؤولية المحدودة، بدءًا من خصائصها وطريقة إدارتها، مرورًا بمسؤولية الشركاء ومديريها، وصولًا إلى شروط وضوابط تداول حصصها.
أولًا: ماذا تعني الشركة ذات المسؤولية المحدودة؟
تُعرّف الشركة ذات المسؤولية المحدودة في النظام السعودي، وفقًا للمادة السادسة والخمسين بعد المائة من نظام الشركات السعودي ، بأنها: كيان قانوني مستقل يتم تأسيسه من قبل شخص واحد أو أكثر، سواء كانوا أفرادًا أم كيانات اعتبارية وتتميز هذه الشركة بأن ذمتها المالية مستقلة تمامًا عن الذمم المالية لكل شريك فيها أو مالكها، مما يعني أن الشركة هي المسؤولة وحدها عن الديون والالتزامات الناشئة عن نشاطها التجاري.
ويميّزهذا النوع من الشركات ؛ أنه لا يتحمل الشركاء أو المالكون أي مسؤولية تجاه ديون الشركة والتزاماتها سوى بمقدار حصصهم في رأس المال، وهذا يعني أنه في حال تعرض الشركة لأي التزامات أو ديون تفوق رأس مالها، لا يجوز للدائنين الرجوع إلى الأموال الشخصية للشركاء أو المالكين.
ثانيًا: ما هي خصائص الشركة ذات المسؤولية المحدودة؟
تتمتع الشركة ذات المسؤولية المحدودة بعدد من الخصائص القانونية. وتتجسد هذه الخصائص فيما يلي:
الاستقلالية المالية والقانونية:
يعد أحد أبرز خصائص الشركة ذات المسؤولية المحدودة هو الاستقلال التام لذمتها المالية عن الذمم المالية للشركاء أو المالكين؛ إذ تعد الشركة كيانًا قانونيًا مستقلًا يبرم العقود ويتحمل الالتزامات بذمة مالية خاصة بها، ويمنحها هذا الاستقلال القدرة على التعامل كطرف مستقل في السوق، مما يعزز من الثقة التجارية ويزيد من شفافية الشركة أمام الشركاء والدائنين.
تحديد مسؤولية الشركاء:
يعد تحديد المسؤولية أحد أهم العناصر المميزة لهذا النوع من الشركات؛ فالشركاء أو المالكين لا يتحملون المسؤولية عن ديون الشركة والتزاماتها إلا بحدود حصصهم في رأس المال. بمعنى آخر، تقتصر الخسائر المحتملة للشركاء على حجم استثماراتهم المباشرة في الشركة، مما يعني أنه في حالة تعثر الشركة أو تكبدها للديون، فإن الأصول الشخصية للشركاء محمية من المطالبة القضائية أو التنفيذ على أموالهم الخاصة.
مرونة التأسيس من قبل فرد أو مجموعة:
يمكن تأسيس الشركة ذات المسؤولية المحدودة من قبل شخص واحد فقط أو مجموعة من الأشخاص، سواء كانوا من الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) أم الاعتباريين (الشركات)، وتمنح هذه المرونة في التأسيس خيارات أوسع للأفراد والشركات الراغبة في الاستثمار، سواء ككيان فردي أو كمجموعة، وتتيح لهم التحكم الكامل في هيكل الشركة حسب احتياجاتهم.
الإدارة وإمكانية تعيين مديرين:
تتمتع الشركة ذات المسؤولية المحدودة بمرونة في إدارة شؤونها، حيث يمكن أن يكون لها مدير أو أكثر من الشركاء أو من غيرهم حسب ما ينص عليه عقد التأسيس، ويمكن للشركاء تحديد آليات صنع القرار وتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات الإدارية بما يتناسب مع أهدافهم ومتطلبات العمل، مما يوفر للشركة كفاءة أعلى في الإدارة.
إمكانية التداول المقيد للحصص:
تتمتع الشركة ذات المسؤولية المحدودة بمرونة في نقل حصص الشركاء، إلا أن تداول الحصص يخضع عادةً لشروط معينة يحددها عقد التأسيس ونظام الشركات، مما يسمح للشركاء بضبط انتقال الملكية بطريقة تضمن استقرار الشركة وحماية مصالحهم، ويميز هذا التداول المقيد الشركة ذات المسؤولية المحدودة عن الشركات المساهمة، حيث يوفر نوعًا من الحماية الداخلية للحفاظ على هيكل الشراكة القائم.
القدرة على الاستمرارية في ظل التغيرات:
تتسم الشركة ذات المسؤولية المحدودة بقدرة عالية على التكيف مع المتغيرات مثل إضافة شركاء جدد أو تغيير حصص الملكية، وذلك دون التأثير على استمرارية أعمال الشركة، ويساهم هذا في استقرار الكيان التجاري وإمكانية تحقيق خطط التوسع أو التنويع دون الحاجة إلى إعادة التأسيس أو التصفية.
ثالثًا: ما هو رأس المال في الشركة ذات المسؤولية المحدودة؟
يُقرر نظام الشركات أن مقدار رأس مال الشركة يتم تحديده باتفاق الشركاء ويُدرج بوضوح في عقد التأسيس، ويُقسّم رأس المال إلى حصص متساوية القيمة، مما يعزز من وضوح البنية المالية للشركة ويمنع التفاوت الذي قد يؤثر على حقوق الشركاء.
فأحد الخصائص الأساسية لرأس المال في هذا النوع من الشركات هو عدم قابلية الحصة للتجزئة أو التداول، وفي حال ملكية الحصة من قبل أكثر من شخص، تتيح الشركة لهؤلاء المالكين اختيار شخص واحد ليكون الممثل الوحيد للحصة أمام الشركة، بهدف تسهيل عملية الإدارة وضمان وضوح المسؤوليات، ومنح النظام الشركة الحق في تحديد ميعاد محدد لهذا الاختيار، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الشركاء المالكين للحصة، فإن الشركة تتمتع بحق بيع الحصة لحساب مالكيها.
وعند اتخاذ قرار بيع الحصة، يُعرض أولًا على الشركاء الحاليين، إعمالًا لمبدأ حق الأولوية، حيث يتمكن الشركاء من الاحتفاظ بملكية الشركة داخليًا قبل عرضها على جهات خارجية. وفي حال لم يتفق الشركاء على شراء الحصة، يمكن عرضها على أطراف خارجية، مما يتيح للشركة فرصة لاستقطاب مساهمين جدد وتعزيز نشاطها المالي. وتجدر الإشارة إلى أن النظام يسمح للشركاء بالنص في عقد التأسيس على استثناءات من هذه القاعدة، مما يعزز من مرونة التنظيم ويتيح للشركاء الاتفاق على بنود تتوافق مع احتياجاتهم.
رابعًا: كيفية إدارة الشركة ذات المسؤولية المحدودة؟
تتطلب إدارة الشركة ذات المسؤولية المحدودة حسن الاختيار والتنظيم، إذ إن مدير الشركة، أو المديرين في حال تعددهم، يلعبون دورًا محوريًا في تحقيق أهداف الشركة وتنفيذ استراتيجياتها، وقد أتاح نظام الشركات السعودي للشركاء مرونة عالية في كيفية تعيين المدير وصلاحياته ومدته، وأوضح في مواده المختلفة الأحكام والضوابط التي تحكم هذا التعيين، وآليات الإدارة، وعزل المدير، بما يضمن الحوكمة ويحمي مصالح الشركاء.
تعيين المدير:
يعتبر تعيين مدير الشركة الخطوة الأولى نحو تحقيق كفاءة الإدارة في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، ويمكن تعيين مدير أو أكثر من الشركاء أو من خارجهم، وذلك حسب الحاجة، مما يتيح للشركاء حرية الاستعانة بالخبرات المؤهلة من داخل الشركة أو خارجها. ويوضح عقد التأسيس أو عقد مستقل تفاصيل التعيين ومدته، سواء كانت محددة المدة أم مفتوحة، ويمكن للشركاء أيضًا إنشاء مجلس إدارة من المديرين لتولي المهام بصفة جماعية، بحيث تتوزع الصلاحيات وتُحدَّد أطر اتخاذ القرارات بما يعزز من فعالية العمل المشترك.
طريقة إدارة الشركة:
بعد تعيين المدير أو مجلس الإدارة، تأتي الخطوة التالية وهي تحديد آلية إدارة الشركة، فوفقًا للمادة الحادية والستين بعد المائة من النظام يتفق الشركاء في عقد التأسيس على تفاصيل الإدارة وأسلوب اتخاذ القرارات، هل تكون بشكل فردي للمدير بحيث يمتلك الصلاحية الكاملة لاتخاذ القرارات، أم تكون الإدارة مشتركة تتطلب موافقة المديرين أو أغلبية معينة. ويمكن للشركاء تحديد الأغلبية اللازمة لاتخاذ القرارات، سواء بالإجماع أم بأغلبية بسيطة، حسب ما يناسب طبيعة الأعمال والقرارات الاستراتيجية للشركة.
عزل المدير:
يحق للشركاء عزل المدير إذا استدعت مصلحة الشركة ذلك، سواء كان المدير مُعينًا بعقد التأسيس أم عقد مستقل، ولا يشترط أن يقتصر العزل على أسباب محددة، ووفقًا لأحكام النظام، يُصدر قرار العزل بالأغلبية المطلوبة، ويحق للشركاء الذين يمثلون ربع رأس المال التقدم للمحكمة بطلب العزل إن لم يتم التوصل لقرار بين الشركاء، شريطة تقديم أسباب وجيهة تبرر العزل، مثل الإخلال الجسيم بالواجبات أو الإضرار بمصالح الشركة. وتأكيدًا للحيادية، يُمنع المدير الشريك من التصويت على القرار المتعلق بعزله، ما يضمن تحقيق العدالة بين الشركاء.
خامسًا: ما هي مسؤولية الإدارة في الشركة ذات المسؤولية المحدودة؟
تعتبر مسؤولية الإدارة في الشركة ذات المسؤولية المحدودة من الجوانب القانونية المهمة التي حددها نظام الشركات بعناية لحماية حقوق الشركة والشركاء وأي أطراف أخرى قد تتأثر بتصرفات المديرين أو أعضاء مجلس الإدارة. ووضعت المادة الثامنة والعشرون من نظام الشركات السعودي إطارًا واضحًا لمسؤولية المديرين وأعضاء مجلس الإدارة، سواء كانت مسؤولية فردية أم تضامنية، وتوضح الحالات التي تلزمهم بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن المخالفات أو الأخطاء في أداء وظائفهم، وذلك على النحو الآتي:
المسؤولية عن المخالفات والأخطاء:
يلتزم المديرون وأعضاء مجلس الإدارة في الشركة ذات المسؤولية المحدودة باتباع أحكام نظام الشركات وعقد تأسيس الشركة، وأي مخالفة لتلك الأحكام أو ارتكابهم أخطاء أو إهمال أو تقصير يُعرّضهم للمساءلة القانونية، بمعنى أنه في حال ارتكب أي من المديرين تصرفًا أدى إلى إلحاق ضرر بالشركة أو بالشركاء أو بأطراف خارجية، يتحمل هذا المدير أو مجلس الإدارة مجتمعًا مسؤولية تعويض الضرر.
وتؤكد المادة على أن المسؤولية لا تسقط بموجب أي اتفاق يُعفي المدير أو أعضاء مجلس الإدارة من الالتزام بتعويض المتضررين، حيث تعتبر أي محاولة للإعفاء من المسؤولية باطلة ولا يترتب عليها أي أثر قانوني، وتعكس هذه القاعدة مبدأ أساسيًا في حماية حقوق الشركة والشركاء، وتشدد على ضرورة تحمل المديرين وأعضاء مجلس الإدارة للمسؤولية القانونية تجاه أفعالهم.
أنواع المسؤولية: شخصية أو مشتركة
تتميز مسؤولية المديرين وأعضاء مجلس الإدارة في الشركة ذات المسؤولية المحدودة بالمرونة؛ فهي إما مسؤولية شخصية يتحملها مدير أو عضو بعينه بسبب تصرف منفرد أو قرار اتخذه بشكل فردي، أو تكون مسؤولية مشتركة على جميع المديرين أو الأعضاء في حال صدر القرار بالإجماع. أما إذا صدر القرار بالأغلبية، فلا يتحمل المديرون المعارضون المسؤولية شرط إثبات اعتراضهم رسميًا في محضر الاجتماع، وإذا غاب أحد الأعضاء عن الاجتماع الذي صدر فيه القرار، فإنه يكون معفيًا من المسؤولية إذا أثبت عدم علمه بالقرار أو عجزه عن الاعتراض عليه لاحقًا.
التغطية التأمينية للمسؤولية:
يمنح نظام الشركات السعودي خيارًا إضافيًا لرفع مستوى الحماية وهو توفير تغطية تأمينية للمديرين وأعضاء مجلس الإدارة ضد أي مطالبات أو مسؤولية قد تترتب عليهم بسبب أداء واجباتهم، ويهدف هذا الخيار إلى توفير بيئة أكثر أمانًا للمديرين وأعضاء مجلس الإدارة، مما يسهم في تعزيز ثقتهم واطمئنانهم أثناء إدارة الشركة، دون التخوف من التبعات المالية التي قد تنشأ عن أداء واجباتهم بأفضل ما يمكن، بشرط أن يكون التأمين للحد من المسؤولية في حالة الأخطاء غير المتعمدة.
وختامًا
تعكس الشركة ذات المسؤولية المحدودة في النظام السعودي نموذجًا متقدمًا يجمع بين المسؤولية المحدودة للشركاء واستقلالية الذمة المالية، مما يوفر للشركاء بيئة قانونية آمنة ومرنة لإدارة الأعمال، ويساهم في تعزيز النمو الاقتصادي.
1 Comment
محامي الشركات و 11 مهمة رئيسية
8 ديسمبر، 2024[…] وتحديد نوعها القانوني، سواء كانت شركة مساهمة، أو شركة ذات مسؤولية محدودة، أو غيرها من الأشكال القانونية المتاحة في المملكة. […]