جاء نظام الشركات السعودي كخطوة فريدة لتحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني؛ نتيجة لما تبذله المملكة من مساعي لتعزيز البيئة النظامية لممارسة المهن الحرة. كما جاء نظام الشركات لتحقيق مظلة قانونية متكاملة للراغبين في تأسيس الشركات المهنية وفق ضوابط قانونية معينة، مع مراعاة متطلبات الشفافية والحوكمة التي تساهم في تطوير الأداء المؤسسي لهذه الشركات.
وجاء النظام بمرونة في عملية تسهيل تمويل هذه الشركات، سواء من خلال شراكة المستثمرين أم من غير المهنيين، مما ساعد على تعزيز فرص التوسع والريادة على المستوى المحلي والدولي، بالإضافة إلى ما قدمه من تنظيم الشركات المهنية من الناحية الإدارية، علاوة على التزامه بضوابط لضمان جودة الخدمات وحماية حقوق جميع الأطراف. كما يعمل النظام على تعزيز ثقة المتعاملين في الشركات المهنية، ويُسهم في زيادة فرص العمل في قطاع الخدمات المهنية. وفي هذا المقال، سنتناول مفهوم الشركة المهنية وأهدافها وأنواعها في نظام الشركات السعودي، بالإضافة إلى الإجابة على العديد من التساؤلات الخاصة بالشركات المهنية، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: ما المقصود بالشركة المهنية؟
تعرَّف الشركة المهنية وفقًا لما جاء بالمادة (197) من نظام الشركات، بأنها: شركة ذات شخصية اعتبارية مستقلة، يُؤسسها شخص أو أكثر من المرخص لهم نظامًا في ممارسة مهنة حرة واحدة أو أكثر، ويُمكن أن تضم الشركة مؤسسين من أصحاب المهن الحرة فقط، أو منهم مع غيرهم ممن لا يمارسون هذه المهن، بشرط أن يكون الغرض الأساسي للشركة هو ممارسة تلك المهن.
ويُبرز هذا التعريف الطابع التخصصي للشركة المهنية؛ حيث تُركز على تقديم خدمات مهنية تُمارس وفق ضوابط قانونية وتنظيمية تتوافق مع طبيعة كل مهنة، ومن المهن الحرة التي يمكن ممارستها في إطار الشركة المهنية مجالات متعددة، منها: المحاماة، والصيدلة، والهندسة، والمحاسبة، والطب.
وتوضح المادة (199) أن الشركة المهنية تخضع للأحكام الخاصة بالشكل القانوني الذي تتخذه، فيما لم يرد بشأنه نص خاص في باب الشركات المهنية، فيشمل ذلك جميع الجوانب المتعلقة بالإدارة، والرقابة، وتوزيع الأرباح، وانقضاء الشركة.
وبناءً عليه، يتعين أن تكون جميع الأحكام المنظمة للشركة المهنية متوافقة مع طبيعة المهن الحرة التي تمارسها، بما يكفل احترام خصوصية كل مهنة والالتزام بالقوانين واللوائح ذات الصلة.
ثانيًا: ما هي أهداف الشركات المهنية؟
من الأهداف الرئيسية التي تسعى الشركات المهنية إلى تحقيقها ما يلي:
-
تشجيع أصحاب المهن الحرة على تأسيس الشركات:
يهدف النظام إلى تشجيع الممارسين للمهن الحرة على تأسيس شركات مهنية منظمة، مما يوفر لهم فرصة أكبر للعمل في إطار قانوني متين، إضافة إلى ذلك يشجع هذا التحفيز الممارسين على الاستفادة من المزايا التي يوفرها النظام للشركات، مثل الحوكمة، وتنظيم العمليات، وحماية المسؤولية الشخصية، مما يعزز من استدامة المهن الحرة.
-
تشجيع التنظيم المؤسسي وبناء كيانات قوية:
من أبرز الأهداف للنظام تشجيع الشركات المهنية على تبني التنظيم المؤسسي، ويكمن الهدف من هذا التنظيم في بناء كيانات مهنية قوية قادرة على النمو والتوسع، مما يُسهم في تحسين كفاءة تقديم الخدمات المهنية، وزيادة قدرتها على تلبية متطلبات السوق بشكل احترافي.
كما يسهم التنظيم المؤسسي أيضًا في تعزيز التكامل بين الأفراد الممارسين للمهن الحرة، مما يُمكّنهم من توحيد جهودهم في إطار شركاء وشركات ذات رؤية واضحة وأهداف محددة.
-
تمكين أصحاب المهن الحرة من بناء شركات تنافس على المستوى المحلي والدولي:
تمكن الشركات المهنية أصحاب المهن الحرة من قيادة كيانات مهنية قادرة على التنافس في الأسواق المحلية والدولية، ولتحقيق هذه الغاية وفر النظام بيئة تنظيمية تساعد على تطوير المهن الحرة وتحويلها إلى نشاطات اقتصادية قوية ومستدامة، مما يضع المملكة في موقع ريادي ضمن قطاع الخدمات المهنية على الصعيد العالمي.
-
زيادة فرص العمل في قطاع الخدمات المهنية:
تسهم الشركات المهنية بشكل مباشر في زيادة فرص العمل في قطاع الخدمات المهنية، سواء من خلال استقطاب الكفاءات الوطنية أم دعم ريادة الأعمال في مجال المهن الحرة، وهذا ما يسعى إليه النظام من تأسيس شركات مهنية قادرة على التوسع، تخلق بيئة عمل متجددة تُسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي.
-
تسهيل التمويل في تأسيس الشركات المهنية وتوسيع آفاقها:
من أكبر التحديات التي يواجهها ممارسو المهن الحرة هو الحصول على التمويل الكافي لتأسيس وتطوير شركاتهم؛ لذلك تضمن النظام آليات تُسهل الحصول على التمويل اللازم، وذلك من خلال السماح بمشاركة مستثمرين من غير الممارسين للمهن الحرة في الشركات المهنية، أو من خلال توجيه الجهات التمويلية لدعم هذا القطاع، مما يسهم في تمكين الشركات المهنية من توسيع أنشطتها وتحقيق الاستدامة.
-
تعزيز ثقة المتعاملين مع الشركات المهنية:
عمل النظام جاهدًا على تعزيز مستوى الثقة بين الشركات المهنية وعملائها من خلال فرض معايير واضحة للشفافية والمصداقية في إدارة الشركات، وتعكس هذه الالتزامات جودة الخدمات المقدمة وضمان حماية حقوق العملاء، مما يزيد من سمعة الشركات المهنية كمؤسسات يمكن الاعتماد عليها في تقديم الخدمات بمستوى احترافي كبير.
-
ترتيب حقوق وواجبات الشركاء أو المساهمين:
من أبرز الأهداف الرئيسية التي يسعى إليها النظام تنظيم العلاقة بين الشركاء والمساهمين داخل الشركات المهنية؛ لذلك يركز النظام على تحديد حقوق وواجبات كل شريك أو مساهم، مما يقلل من النزاعات الداخلية ويُعزز من استقرار الشركات، وهذا بدوره يسهم في بناء شراكات مستدامة وفعالة داخل الشركات المهنية.
ثالثًا: ما هي الأشكال القانونية المتاحة لتأسيس الشركات المهنية وفق النظام السعودي؟
جاء نظام الشركات السعودي ليُحدد الأطر القانونية التي يمكن أن تتخذها الشركات المهنية، فوفقًا للمادة (198) من النظام، يمكن تأسيس الشركات المهنية بأحد الأشكال التالية: شركة التضامن، أو شركة التوصية البسيطة، أو شركة المساهمة، أو شركة المساهمة المبسطة، أو الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وفيما يلي بيان كل شكل من هذه الأشكال بشيء من التفصيل:
-
شركة التضامن المهنية:
تُعتبر شركة التضامن المهنية خيارًا مثاليًا للشركاء الذين يفضلون التعاون المهني القائم على الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة، وتُؤسس هذه الشركة من شخصين أو أكثر يحملون تراخيص نظامية لممارسة مهنة حرة واحدة أو أكثر، أو من هؤلاء مع غيرهم.
ويتميز هذا الشكل القانوني بتحمل الشركاء المسؤولية الشخصية والتضامنية عن ديون الشركة والتزاماتها في جميع أموالهم، مما يعكس التزامًا قويًا بين الشركاء. ورغم ذلك لا يكتسب الشريك في الشركة المهنية التضامنية صفة التاجر، وهو ما يُحافظ على الطابع المهني للشركة بعيدًا عن الالتزامات التجارية.
-
الشركة ذات التوصية البسيطة المهنية:
تتميز الشركة ذات التوصية البسيطة المهنية بتعدد هيكل الشركاء؛ حيث تنقسم إلى: الشركاء المتضامنون الذين يتحملون المسؤولية الكاملة عن ديون الشركة والتزاماتها، والشركاء الموصون الذين تقتصر مسؤوليتهم على حدود حصصهم في رأس المال، دون التعرض لمزيد من الالتزامات المالية.
ويُوفر هذا الشكل القانوني مرونة كبيرة في تنظيم المسؤوليات الإدارية والمالية، مما يجعله مناسبًا للشركات التي تجمع بين شركاء ذوي مسؤولية محدودة وشركاء متضامنين. وكما في الشركة التضامنية، لا يكتسب الشركاء الموصون أو المتضامنون صفة التاجر، مما يُبرز الطابع المهني لهذا النوع من الشركات.
-
شركة المساهمة المهنية:
تُعتبر شركة المساهمة المهنية الخيار الأمثل للشركات التي تسعى إلى جمع رأس مال كبير من خلال تقسيمه إلى أسهم قابلة للتداول، ويتم تأسيس هذا النوع من الشركات من قبل شخص واحد أو أكثر من المرخص لهم بممارسة مهنة حرة، أو منهم مع غيرهم.
وتكون الشركة وحدها مسؤولة عن ديونها والتزاماتها، بينما تقتصر مسؤولية المساهمين على قيمة الأسهم التي اكتتبوا فيها. ويتميز هذا النموذج بتوفير بيئة مهنية منظمة تُتيح للشركات التوسع في أنشطتها واستقطاب مستثمرين جدد دون التأثير على استقرارها المالي.
-
شركة المساهمة المبسطة المهنية:
تُمثل شركة المساهمة المبسطة المهنية نسخة مُبسطة من شركة المساهمة، حيث تُؤسس بإجراءات تنظيمية أقل تعقيدًا، ويمكن تأسيسها من شخص واحد أو أكثر، ويُقسم رأس مالها إلى أسهم قابلة للتداول.
ويعتبر هذا الشكل مثالي للشركات التي تحتاج إلى مرونة إدارية وتنظيمية، مع الاحتفاظ بالطابع المهني، كما هو الحال في الشركة المساهمة. وتقتصر مسؤولية المساهمين في الشركة ذات المساهمة المبسطة على قيمة الأسهم التي اكتتبوا بها، مما يجعلها خيارًا جذابًا للمستثمرين الراغبين في تقليل المخاطر المالية.
-
الشركة ذات المسؤولية المحدودة المهنية:
تُعد الشركة ذات المسؤولية المحدودة المهنية الخيار الأكثر شيوعًا بين الشركات المهنية، بفضل بساطة هيكلها ومسؤوليتها المحدودة، وتُؤسس هذه الشركة من قبل شخص واحد أو أكثر من المرخص لهم بممارسة المهنة، أو منهم مع غيرهم.
ويُميز هذا الشكل أن ذمتها المالية مستقلة عن ذمم الشركاء الشخصية، مما يعني أن مسؤولية الشريك تنحصر في مقدار حصته في رأس المال، وتُعتبر هذه الشركة مناسبة للممارسات المهنية التي تسعى إلى تقليل المخاطر الفردية وتوفير بيئة مستقرة ومستدامة.
رابعًا: هل يكتسب الشريك أو المساهم صفة التاجر في الشركات المهنية؟
أوضحت المادة (199) من النظام أن الشريك أو المساهم في الشركة المهنية لا يكتسب صفة التاجر لمجرد شراكته أو ملكيته لحصص أو أسهم في الشركة. ويُبرز هذا النص الطبيعة المهنية لهذه الشركات، حيث تركز على تقديم الخدمات المهنية بدلًا من الانخراط في الأنشطة التجارية.
ويعزز هذا التنظيم الفصل بين الأنشطة المهنية والتجارية، مما يضمن التزام الشركات المهنية بطبيعتها القانونية، مع توفير الحماية للشركاء من الالتزامات التجارية التقليدية.
خامسًا: كيف يتم الإشراف على الشركات المهنية؟
أجاب النظام على هذا التساؤل في المادة الخامسة بعد المائتين، إذ نص على أن الشركات المهنية تخضع في ممارسة المهنة أو المهن الحرة محل نشاطها لإشراف الجهة أو الجهات المعنية نظامًا بالإشراف على ممارسة تلك المهن.
سادسًا: ما هي الالتزامات القانونية للشركات المهنية تجاه الجهات المشرفة؟
أوجبت المادة الخامسة بعد المائتين من نظام الشركات السعودي على الشركات المهنية الالتزام الكامل بالأنظمة واللوائح التي تصدرها الجهات المشرفة، ويشمل هذا الالتزام التقيد بتنفيذ التعليمات الواردة في الأنظمة، وتقديم الوثائق والتقارير المطلوبة، وضمان تطبيق المعايير المهنية المتفق عليها.
وتُبرز هذه الالتزامات الدور المحوري للشركات المهنية في العمل ضمن إطار قانوني يُعزز الشفافية والمصداقية، مما يضمن تقديم خدمات مهنية تتسم بالكفاءة والجودة العالية، ويُسهم في بناء ثقة العملاء والشركاء في هذه الشركات.
سابعًا: ما هي صلاحية الجهة المشرفة للاطلاع على سجلات الشركة المهنية؟
منحت المادة الخامسة بعد المائتين من نظام الشركات الجهات المشرفة أو الجهات المعنية الصلاحية القانونية للاطلاع على سجلات الشركة المهنية ووثائقها؛ وذلك لضمان التحقق من التزام الشركة بالأنظمة واللوائح ذات الصلة بممارسة المهن الحرة.
كما يحق لهذه الجهات إجراء عمليات تفتيش دورية تهدف إلى مراقبة التزام الشركة بالقوانين التنظيمية التي تحكم أنشطتها المهنية. وفي هذا الإطار، ألزم النظام الشركات المهنية بتقديم جميع المستندات والبيانات المطلوبة للجهات المشرفة، مما يعكس التزامها بمبدأ الشفافية، ويُسهم في خلق بيئة رقابية تُعزز من مصداقية الشركة وكفاءتها المهنية.
ثامنًا: هل يحق للشريك أو المساهم ممارسة المهنة الحرة خارج الشركة؟
لا يُسمح للمساهم أو الشريك في الشركة المهنية طبقًا للقواعد العامة، ممارسة المهنة الحرة خارج إطار الشركة، إلا إذا كانت الشركة مملوكة لشخص واحد فقط. ولكن أتاح النظام على سبيل الاستثناءً للشريك ممارسة المهنة خارج الشركة إذا حصل على موافقة كتابية من باقي الشركاء أو موافقة من الجمعية العامة للشركة.
تاسعًا: ما هو مصير الأتعاب والمنافع المكتسبة بالمخالفة لأحكام النظام؟
أجابت على ذلك المادة السادسة بعد المائتين من النظام على أنه إذا أخل الشريك أو المساهم أحكام ممارسة المهنة خارج إطار الشركة، وتحصل من ذلك على أية أتعاب أو منافع مالية أخرى تكون حقًا للشركة.
وختامًا
عمل نظام الشركات السعودي على إحداث نقلة نوعية في تنظيم المهن الحرة، حيث وفر إطارًا قانونيًا متكاملًا يفتح آفاقًا جديدة لتطوير القطاع المهني، وبفضل هذا التنظيم الدقيق الذي يشمل الحوكمة، والتمويل، والشراكات الاستراتيجية، ساهم النظام في تمكين ممارسي المهن الحرة من تأسيس شركات مهنية متنوعة تُسهم في تعزيز التنافسية على المستويين المحلي والدولي.
بالإضافة إلى ذلك، يُسهم النظام في تعزيز استدامة الكيانات المهنية، مما يجعلها عنصرًا رئيسيًا في بناء اقتصاد يعتمد على المعرفة والخدمات المتخصصة. ومع المزايا التنظيمية والاستثمارية التي يُوفرها، رسخ النظام موقع الشركات المهنية كشريك استراتيجي في تحقيق التنمية المستدامة.
1 Comment
الشركة المهنية كيفية تأسيسها والشروط و الضوابط الخاصة بها - albatil.com
4 ديسمبر، 2024[…] تأسيس الشركة المهنية إطارًا حيويًا لتنظيم المهن الحرة. ولتحقيق هذا الهدف، […]