تتجلى الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات بوصفها منظومة متكاملة من الالتزامات والإجراءات النظامية المحكمة، التي فرضتها هيئة السوق المالية بوضوح وصرامة على الشركات المدرجة، كإطار إلزامي لضمان النزاهة المؤسسية، وتعزيز الانضباط التنظيمي، والحد من المخاطر التشغيلية والمالية في آنٍ معًا. ولم تعد الرقابة الداخلية مجرد خيار تنظيمي، بل أصبحت حجر الزاوية في البنية الرقابية للشركات، حيث أسندت اللائحة مسؤولية تصميمها وتبنيها وتحديثها بصفة دورية إلى مجلس الإدارة، مع إسناد المهام الرقابية المباشرة لوحدة مراجعة داخلية مستقلة، تُقيّم الأداء، وتُراقب الامتثال، وتكشف أوجه الخلل قبل أن تتفاقم.
وفي هذا الإطار المنهجي المحكم، ترتبط المكافآت التنظيمية بالأداء الفعلي لوحدات الرقابة، وتُقاس كفاءة النظام من خلال أدوات تقويم دقيقة نصت عليها اللائحة تفصيلًا، بدءًا من خطط المراجعة الدورية، ومرورًا بالتقارير الرقابية التي تُرفع إلى أعلى المستويات الإشرافية، وانتهاءً بتقارير المراجعة العامة والتقييمات الدورية التي تنقل الرقابة من المستوى الإجرائي إلى المستوى الاستراتيجي. ومن هنا، فإن فهم آليات الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات لا يقتصر على معرفة النصوص، بل يستدعي تحليلًا دقيقًا لمسارات التطبيق، وترابط المهام، وتوزيع المسؤوليات، بما يعكس عمق التنظيم وتكامل الأداء المؤسسي في بيئة السوق المالية السعودية.

أولًا: ما مسؤولية مجلس الإدارة عن تبني نظام رقابة داخلية؟
تُعد الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات من أبرز الالتزامات المحورية التي تقع على عاتق مجلس الإدارة، بوصفها الركيزة الأساسية لضمان كفاءة الضبط المؤسسي واستقرار بيئة الامتثال داخل الشركات المدرجة. وتنص المادة السبعون من اللائحة بشكل واضح على أن مجلس الإدارة يتحمل المسؤولية الكاملة عن الإشراف على إعداد نظام رقابة داخلية فعّال ومتكامل، يهدف إلى تقييم المخاطر والتأكد من فاعلية إجراءات الرقابة الإدارية والمالية، ومعالجة أوجه القصور قبل أن تتحول إلى إشكاليات تنظيمية أو مالية.
وتفرض المادة ذاتها التزامًا صريحًا بأن يقوم المجلس بإقرار السياسات والإجراءات اللازمة لإدارة هذا النظام، وتقييمه وتحديثه بشكل دوري، مع بيان مدى كفاءته في تقارير الحوكمة، وهو ما يُجسّد بشكل دقيق أحد أقوى تطبيقات الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات، من حيث كونها نظامًا وقائيًا واستباقيًا يهدف إلى الحد من المخاطر وتعزيز الانضباط المؤسسي.
وفي ذات الإطار، تُؤكد المادة الحادية والتسعون على أن من صميم اختصاصات مجلس الإدارة وضع قواعد مكتوبة لحوكمة الشركة تشمل تنظيم أعمال الرقابة الداخلية، مع الالتزام بمراجعتها دوريًا، والتحقق من فعاليتها ومواءمتها لأفضل الممارسات. ويُعد هذا النص أحد المفاتيح الجوهرية لفهم عمق الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات، إذ لا تقتصر مسؤولية المجلس على مجرد الموافقة أو الرقابة السطحية، بل تمتد إلى التبني والتقويم والتطوير المستمر، بما يُحقق أعلى درجات الاتساق بين الأطر القانونية والتطبيق العملي داخل الشركة.
وتكشف هاتين المادتين أن الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات ليست مجرد إجراء تنظيمي، بل هي التزام نظامي متكامل، يبدأ من لحظة تأسيس السياسات، ويمتد إلى مراحل التنفيذ والرقابة والتقويم، تحت إشراف مباشر من مجلس الإدارة. وهذا ما يُرتّب مسؤولية قانونية ومؤسسية على كل عضو من أعضاء المجلس، لا سيما في حال وقوع إخفاقات رقابية تؤدي إلى خلل في التقارير أو انحراف في النتائج.
ومن ثم، فإن التزام مجلس الإدارة ببناء وتفعيل وتطوير منظومة رقابية متكاملة وفقًا لنصوص اللائحة، يمثل الترجمة الواقعية لمفهوم الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات، ويُعد أحد المؤشرات الفعلية لقياس مستوى الحوكمة المؤسسية، ومدى امتثال الشركة للإطار النظامي الذي وضعته هيئة السوق المالية لضبط الأداء وتحقيق النزاهة والشفافية والانضباط التنظيمي داخل السوق السعودي.
ثانيًا: ما مكونات وحدة المراجعة الداخلية وكيف تُنشأ؟
تُعد الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات أحد الأعمدة التنظيمية التي تقوم عليها الحوكمة المؤسسية في الشركات المدرجة، وتُمثّل وحدة المراجعة الداخلية جوهر هذا الهيكل الرقابي، حيث تُناط بها مهام المتابعة والتقويم المستمر لنظام الرقابة الداخلية داخل الشركة، وذلك وفق ضوابط دقيقة نصّت عليها لائحة حوكمة الشركات في المواد (71)، و (73)، و (74).
وتبدأ المادة الحادية والسبعون بتحديد الإطار الأساسي لإنشاء وحدة المراجعة الداخلية، مؤكدة أن مجلس الإدارة مُلزم بإنشاء هذه الوحدة ضمن الهيكل التنظيمي للشركة، على أن ترتبط إداريًا بلجنة المراجعة، وتكون مستقلة من حيث المهام والموارد، مع تمتعها بالحياد الكامل، والوصول المباشر إلى المعلومات والسجلات، بما يكفل أداء مهامها بكفاءة دون تدخل. ويُعد هذا الإنشاء المؤسسي الصريح تعبيرًا دقيقًا عن فلسفة الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات، التي تُعلي من الاستقلال الوظيفي والرقابة غير المتحيزة.
أما المادة الثالثة والسبعون، فقد أوضحت الجوانب التفصيلية لتكوين الوحدة، بما في ذلك متطلبات الكفاءة المهنية، وعدد الموظفين، ووضع السياسات والإجراءات اللازمة لأداء المهام، مع التأكيد على أهمية وضع ضوابط تضمن جودة المراجعة الداخلية. كما ألزمت هذه المادة لجنة المراجعة بمتابعة أداء الوحدة، وتقييم كفاءة العاملين بها، وتحديد مستوياتهم، وضمان تمتعهم بالاستقلالية التامة، وهو ما يُبرز تطبيقًا متكاملًا لمبدأ الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات من خلال إدارة متعددة المستويات تبدأ من الإنشاء وتنتهي بالتقييم.
وتُضيف المادة الرابعة والسبعون عنصرًا تنظيميًا مهمًا، حيث تُلزم لجنة المراجعة بالموافقة على خطة عمل وحدة المراجعة الداخلية سنويًا، ومتابعة تنفيذها، ومناقشة تقاريرها بصفة دورية. كما تنص على ضرورة أن تكون الوحدة مزودة بالموارد الكافية، وأن يتم قياس أدائها استنادًا إلى مؤشرات دقيقة، مما يُحوّل مفهوم الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات من كونه إجراءً مكتوبًا إلى ممارسة تنظيمية قابلة للتقويم والمساءلة.
ويُفهم من تكامل هذه المواد أن وحدة المراجعة الداخلية ليست مجرد هيكل إداري تقليدي، بل هي المنفذ الفعلي لتطبيق الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات في صورتها الإجرائية اليومية، وتُعد الرابط التنظيمي بين الأداء التنفيذي والرقابة المؤسسية، بما يحقق الضبط المالي والإداري المطلوب ويُمكّن مجلس الإدارة من الوفاء بالتزاماته الرقابية وفقًا لأفضل الممارسات النظامية المعتمدة في السوق السعودي.
ثالثًا: ما شكل التقارير الرقابية التي تُرفع إلى مجلس الإدارة؟
تُشكّل الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات أحد الأركان الجوهرية التي تستند إليها منظومة الحوكمة النظامية، ومن أبرز أدوات هذه الرقابة: التقارير الرقابية التي تُعدّها الجهات الرقابية الداخلية وترفعها إلى مجلس الإدارة، وفق تنظيم دقيق ومُلزم ورد تفصيله في المادتين (75) و (88) من لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية.
ففي المادة (75)، يتضح أن وحدة المراجعة الداخلية هي الجهة المخولة بإعداد تقارير دورية – ربع سنوية وسنوية – تتضمن تقويمًا شاملًا لمدى كفاءة وفعالية نظام الرقابة الداخلية، مع بيان أوجه القصور، والمخاطر، والانحرافات المكتشفة، والإجراءات المتخذة حيالها. وتُلزم المادة ذاتها برفع هذه التقارير إلى مجلس الإدارة عبر لجنة المراجعة، وتوثيق ذلك في سجلات ومحاضر رسمية، مما يعكس التزامًا قويًا بترسيخ الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات على مستوى الممارسة والتوثيق معًا.
أما المادة (88)، فتُعزّز هذه الرقابة عبر تقرير لجنة المراجعة السنوية، الذي يُرفع إلى الجمعية العامة، ويتضمن تقييم اللجنة لكفاءة نظام الرقابة الداخلية، ومدى التزام الإدارة التنفيذية بالسياسات والإجراءات المعتمدة. ويُفترض في هذا التقرير أن يُبنى على تقارير وحدة المراجعة الداخلية، ويعكس وجهة نظر مستقلة حول فعالية الرقابة المؤسسية في الشركة. ويُعد هذا الإجراء التنظيمي من أبرز صور الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات التي تتجاوز البعد الداخلي إلى نطاق المساءلة العامة أمام المساهمين.
كما يُفهم من هذه النصوص أن التقارير الرقابية ليست مجرد وثائق شكلية، بل أدوات قانونية محورية تُترجم مفهوم الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات إلى بيانات تحليلية ومعلومات موضوعية تُسهم في تحسين الأداء، والكشف المبكر عن الخلل، وتعزيز المساءلة. وتُظهر هذه التقارير قدرة الوحدة واللجنة على تتبع تنفيذ السياسات، وتقويم المخاطر، ورفع ملاحظات مدعومة بأدلة إلى أعلى جهة إشرافية، وهي مجلس الإدارة.
ويُلاحظ أن من متطلبات إعداد هذه التقارير أن تكون موضوعية، ومبنية على دلائل ميدانية ومراجعات دقيقة، وتُكتب بلغة مهنية واضحة، وهو ما يُكرّس أحد أهم تجليات الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات، بوصفها وسيلة رقابية متكاملة الأركان، تقوم على الفصل بين التنفيذ والتقويم، وتُسهم في تعزيز كفاءة المجلس، وضمان الامتثال، وتحصين الشركة من المخاطر التشغيلية والمالية في آن واحد.
رابعًا: كيف تُربط المكافآت بأداء وحدات الرقابة؟
وفقًا لأحكام لائحة حوكمة الشركات، تُعدّ العلاقة بين المكافآت وأداء وحدات الرقابة أمرًا بالغ الدقة والتأثير، ويخضع لضوابط نظامية صارمة تستند إلى المعايير المهنية المعتمدة. فقد نصت الفقرة (3) من المادة 73 صراحة على أن مكافآت مدير وحدة أو إدارة المراجعة الداخلية تُحدد بناءً على اقتراح لجنة المراجعة، ويشترط أن يكون ذلك وفقًا لسياسات الشركة، ما يعني أن تحديد المكافأة لا يتم بمعزل عن أداء الوحدة، بل يرتبط مباشرة بفعالية أعمالها ومدى امتثالها للمهام الرقابية المكلفة بها.
ويمثل هذا الربط المنهجي بين المكافآت ومستوى الإنجاز المؤسسي جزءًا لا يتجزأ من إطار الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات، حيث تُعزّز الشفافية والانضباط وتحقيق النتائج من خلال حوافز موجهة، تتلاءم بدقة مع النتائج الرقابية المحققة.
ويزداد وضوح هذا المفهوم من خلال المادة 90، التي فرضت على مجلس الإدارة واجب الإفصاح التفصيلي والشفاف عن المكافآت الممنوحة لكل من أعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين، بما يشمل المكافآت المالية وغير المالية، والتأكيد على علاقتها بسياسة المكافآت المعتمدة. وفي هذا الإطار، فإن أي مكافأة تُمنح لوحدة رقابية داخل الشركة يجب أن تكون موثقة ومبررة، ويجب أن تُظهر الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات كمؤشر نظامي صريح على ربط الأداء الفعلي بالمكافأة المعتمدة.
خامسًا: ما أدوات تقييم كفاءة نظام الرقابة الداخلية؟
تنص الفقرة (ج) من المادة 75 على أن تقرير المراجعة الداخلية يجب أن يتضمن بشكل خاص معلومات دقيقة حول إجراءات الرقابة والإشراف على الشؤون المالية والاستثمارات وإدارة المخاطر، بالإضافة إلى تقييم تطور عوامل المخاطر، وتقييم أداء مجلس الإدارة والإدارة العليا في تنفيذ نظام الرقابة الداخلية. وهذه الفقرة تُجسد بوضوح أحد أهم أدوات التقييم النظامية في الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات، والتي لا تكتفي بجمع الملاحظات، بل تتطلب تحليلًا دقيقًا للامتثال والفاعلية.
ومن زاوية أكثر تعمقًا، تُلزم الفقرة (10) من المادة 87 مجلس الإدارة بعرض نتائج المراجعة السنوية لفعالية إجراءات الرقابة الداخلية بالشركة ضمن تقريره السنوي، إلى جانب رأي لجنة المراجعة حول مدى كفاية نظام الرقابة الداخلية. وهنا تظهر الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات كمنظومة تحليلية شاملة، تُقيّم الأداء بناءً على مدى الامتثال، وفعالية الأدوات، وشفافية الإجراءات.
ويُعد وجود تقييم دوري شامل وموثق لنظام الرقابة، مدعومًا بتقارير داخلية دقيقة، وآراء من لجان مستقلة، من أهم الوسائل التي تجعل من الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات مرجعًا إلزاميًا في الحكم على مستوى الانضباط والالتزام المؤسسي.
وعليه، فإن أدوات التقييم ليست مجرد مؤشرات شكلية، بل هي أدوات رقابية فعالة تتضمن تقارير تحليلية، وآليات كشف الانحرافات، ومعايير كفاءة الأداء، ومستوى استجابة الشركة للملحوظات الرقابية، وكلها تؤسس لبنية محكمة تُعلي من قيمة الرقابة الداخلية، وتمنحها صفة الحوكمة الفعلية لا الصورية، ضمن الإطار النظامي المنصوص عليه في الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات.
وختامًا،
يتضح أن الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات لم تُصمم لتكون إجراءً شكليًا أو مجرد التزام نظامي معلّق على الورق، بل تمثل منظومة رقابية فعالة ومترابطة، تمتد جذورها من قمة الهرم المؤسسي – أي مجلس الإدارة – إلى أدق مستويات المتابعة والتقويم، عبر وحدة مراجعة داخلية مستقلة، وخطط عمل سنوية، وتقارير رقابية تحليلية تتسم بالدقة والمهنية العالية. وقد رسمت لائحة الحوكمة إطارًا دقيقًا يُحكِم الرقابة ويضمن تدفق المعلومات، ويُحمّل كل جهة مسؤوليات محددة بموجب نصوص نظامية لا تقبل التأويل، ما يجعل الرقابة الداخلية أداة حوكمة جوهرية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالمساءلة والشفافية وحسن الإدارة.
وفي ضوء ما تقدم، فإن من أقوى التوصيات العملية التي يمكن استخلاصها هي ضرورة إعادة تصميم أنظمة المكافآت داخل الشركات لتُربط بشكل مباشر وواضح بأداء وحدات الرقابة، استنادًا إلى مؤشرات تقويم دقيقة، مدعومة بتقارير المراجعة الداخلية والتقييمات المستقلة التي ترفع إلى مجلس الإدارة. ويُفضَّل أن تتضمن هذه المؤشرات عناصر قابلة للقياس، مثل مدى فاعلية رصد المخاطر، ومستوى الامتثال، ونسب تنفيذ خطط المراجعة المعتمدة، بما يضمن تحقيق التوازن بين التحفيز والانضباط، ويُرسّخ مفهوم الرقابة الداخلية في لائحة حوكمة الشركات كمنظومة تُترجم الأداء إلى نتائج، والمساءلة إلى ثقافة مؤسسية حقيقية.
