تُعد الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف النواة التي تدور حولها منظومة الحماية القانونية في نظام حماية حقوق المؤلف السعودي، إذ لا يُتصور وجود حماية حقيقية للمصنف دون تمكين المؤلف من ممارسة حقوقه المعنوية والاقتصادية على حد سواء. وقد تفوّق النظام في صياغة هذه الحماية بصورة مزدوجة تضمن للمؤلف، من جهة، الحفاظ على صلته الإبداعية بمصنفه بوصفه مالكًا للحق الأدبي الأصيل، وتمنحه، من جهة أخرى، سلطة تجارية كاملة على منافع المصنف واستغلاله.
وقد رسم النظام ولائحته التنفيذية حدود كل من الحق الأدبي والحق المالي، وحدد نطاق الحماية وشروط التنازل أو الاحتفاظ، كما ميز بين صور المؤلفين – سواء كانوا أفرادًا أم جهات – ليضبط علاقاتهم النظامية بالمصنفات التي أنتجوها، ويضع أطرًا واضحة لتنظيم التعديلات، والسحب، والاستغلال، والتفويض. ويُظهر هذا البناء القانوني المحكم كيف أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف قد صيغت لتشكل إطارًا متكاملًا لا يترك فراغًا تشريعيًا أو غموضًا تنظيميًا، بل يعزز من مرجعية الهيئة السعودية للملكية الفكرية في إدارة هذه الحقوق وحمايتها بوسائل فعّالة تواكب تطورات الإبداع والنشر.

أولًا: ما هي الحقوق الأدبية التي لا يجوز التنازل عنها؟
رغم أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف تتكامل لتشكّل الحماية النظامية الكاملة للمصنفات، إلا أن النظام السعودي ميّز بوضوح بين هذين النوعين من الحقوق، وأعطى للحقوق الأدبية مكانة سامية واستثنائية من حيث طبيعتها القانونية، فهي حقوق غير قابلة للتنازل، ولا تسقط بالتقادم، وتبقى لصيقة بشخصية المؤلف.
وقد جاءت المادة الثامنة من نظام حماية حقوق المؤلف لتضع بيانًا دقيقًا لما يتمتع به المؤلف من حقوق أدبية لا يجوز المساس بها. فنصت على أن للمؤلف الحق في نسبة المصنف إليه، أو نشره باسم مستعار، أو دون اسم، وله أيضًا الحق في الاعتراض على أي مساس بذات المصنف من حذف أو تعديل أو تحريف أو تشويه. ويملك المؤلف كذلك إدخال التعديلات التي يراها مناسبة على مصنفه، بل وله الحق في سحب المصنف من التداول متى شاء.
وإمعانًا في تأكيد الطابع الخاص لهذه الحقوق، قررت المادة ذاتها في فقرتها الثانية أن الحقوق الأدبية المنصوص عليها في النظام هي حقوق أبدية لا تقبل التنازل ولا تسقط بالتقادم. ويُعد هذا النص من أقوى صور الحماية التي أقرها النظام، حيث لا يجوز لأي جهة أو شخص أن يطالب المؤلف بالتخلي عن هذه الحقوق تحت أي ظرف، كما لا يملك المؤلف نفسه إسقاطها بإرادته.
أما من حيث العلاقة بين هذه الحقوق الأدبية وباقي صور الحقوق النظامية، فقد أوضحت الفقرة الثالثة من المادة الثامنة أن منح المؤلف حق استغلال المصنف بأي وسيلة لا يعني بالضرورة تنازله عن حقوقه الأدبية. وتأسيسًا على ذلك، فإن صاحب المصنف، وإن فوّض الغير في طباعة أو ترجمة أو نشر عمله، يظل محتفظًا بكامل حقوقه الأدبية على ذلك المصنف، وله أن يعترض لاحقًا على أي استخدام يمس جوهر العمل أو يغير طبيعته الإبداعية.
وقد عززت المادة الأولى من اللائحة التنفيذية هذا الفهم، من خلال تعريفها الدقيق لمفهوم حق المؤلف بوصفه: “مجموعة المصالح المعنوية والمادية التي تثبت للشخص على مصنفه”، مؤكدة أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف لا تُفهم كحقوق اقتصادية فقط، بل تشمل أيضًا كل ما يتعلق بنسب العمل، وصيانته، والحفاظ على ارتباطه باسم المؤلف.
ويظهر من ذلك أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف ليست متكافئة في قابليتها للتصرف، إذ بينما يجوز التنازل عن الحقوق المالية وفق شروط النظام، تظل الحقوق الأدبية محصّنة ضد أي شكل من أشكال التنازل، أو التقادم، أو التفويض، أو البيع، لتكون دائمًا لصيقة بالمؤلف مهما انتقلت الملكية أو تغيرت طرق استغلال المصنف.
وبناءً على ما تقدم، يتضح أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف في نظام حماية حقوق المؤلف السعودي قد تم تنظيمها في إطار مستقل لكل منهما، مع منح الحقوق الأدبية حماية مطلقة لا يزاحمها فيها أي حق آخر، ما دام المصنف قائمًا، وما دامت صفة المؤلف معروفة. ومن هنا، فإن
كل من يتعامل مع المصنفات المحمية قانونًا، عليه أن يراعي هذا الفصل النظامي الصارم بين الحقوق الاقتصادية القابلة للتصرف، وبين الحقوق الأدبية غير القابلة للتنازل أو التفويض أو السقوط.
ثانيًا: ما هي الحقوق المالية للمؤلف؟ وما طرق استغلالها؟
في إطار تنظيم الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف، أفرد نظام حماية حقوق المؤلف نصًا خاصًا للحقوق المالية باعتبارها الشق القابل للتصرف والاستغلال التجاري من حقوق المؤلف على مصنفه. وقد بيّنت المادة التاسعة من النظام أن للمؤلف أو من يفوضه حق القيام بجميع التصرفات المتعلقة باستغلال مصنفه ماديًا بأي صورة من الصور، وعلى وجه الخصوص: طباعة المصنف ونشره في شكل مقروء، وتسجيله على وسائط مرئية أو مسموعة أو رقمية، وترجمته أو اقتباسه أو تحويره، ونقل المصنف إلى الجمهور من خلال التمثيل أو العرض أو البث، وجميع أشكال التأجير التجاري المسموح به.
ولم يترك النظام هذا الحق مطلقًا، بل أحال إلى اللائحة التنفيذية لتوضيح وسائل الاستغلال المشروعة وشروطها التنظيمية. فقد نصت المادة الخامسة من اللائحة على أن للمؤلف أو من ينوب عنه الحق في التصريح بالتمثيل العلني لمصنفه، أو أدائه بأي وسيلة، وتثبيت هذا الأداء على دعامات مادية، وترخيص تداوله عبر الوسائط الإلكترونية أو شبكات المعلومات، بما يضمن تحكمه في كل مرحلة من مراحل استغلال المصنف.
كما أضافت المادة السادسة من اللائحة حق المؤلف في المشاركة بنسبة مئوية من حصيلة بيع المصنفات الفنية الأصلية، كالرسوم والمخطوطات الموسيقية، حتى بعد بيع النسخة الأصلية، وذلك فيما يُعرف بحق التتبع، وهو أحد امتدادات الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف التي تُظهر الأثر المالي المستمر للمصنف حتى بعد انتقال ملكية نسخته المادية.
أما فيما يتعلق بتنظيم عملية تأجير المصنفات واستغلالها تجاريًا، فقد تناولت المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية الشروط الواجب توافرها عند تأجير المصنفات داخل المملكة، ومن بينها: التأكد من عدم وجود ما يمنع من التأجير، وتحديد المشكلات والتعديات المحتملة، والإعلان بالإرشادات اللازمة للجمهور، وتنظيم العلاقة التعاقدية بما يتفق مع أحكام النظام واللائحة. وهو ما يؤكد أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف لا تُستنفد لمجرد إتاحة المصنف للتداول، بل يظل للمؤلف الحق في تنظيم كل صور استغلاله بشروطه وبالآليات التي يرتضيها.
ويتبيّن من خلال هذه المواد أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف تتكامل لتشكّل سلطة شاملة على المصنف، حيث تُمكّنه من التحكم في كل تصرف مالي متعلق به، سواء بالتفويض أم الترخيص أم التأجير، مع الحفاظ على حقه في التتبع والمطالبة بالمقابل المادي المناسب لأي شكل من أشكال استخدام العمل. بل إن هذه الحقوق تمتد إلى صور الاستخدام الرقمي للمصنفات، كالتحميل والبث عبر الإنترنت، وهو ما يجعلها حقوقًا قابلة للتكيّف مع أشكال الإبداع الحديثة والوسائط التكنولوجية المعاصرة.
ومن ثم، فإن من أهم ملامح الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف أن النظام لم يكتف بتقريرها بصيغة إنشائية، بل رسم لها طرق الاستغلال، وحدد وسائل حمايتها، وضبط علاقاتها التعاقدية، وأخضعها لرقابة تنظيمية تضمن استمرارية هذه الحقوق على الوجه المشروع والمحدد نظامًا، في كل مراحل تداول المصنف واستغلاله.
ثالثًا: هل يحق للمؤلف تعديل أو سحب مصنفه؟ وما التزاماته في هذه الحالة؟
من بين صور السلطة النظامية التي يتمتع بها المؤلف على مصنفه، تندرج مسألة التعديل أو سحب المصنف ضمن النطاق الحصري لما يُعرف بالحقوق الأدبية والمالية للمؤلف. وتُعد هذه المسألة من النقاط المحورية التي أفرد لها النظام واللائحة التنفيذية تنظيمًا دقيقًا، يوازن بين حرية المؤلف في إدارة مصنفه، وحقوق الغير في حال وجود تفويض مسبق باستغلال المصنف.
وقد نصت المادة العاشرة من نظام حماية حقوق المؤلف على أن للمؤلف، ولو بعد منح حق استغلال المصنف للغير، أن يقوم بسحب مصنفه من التداول، أو إدخال تعديلات عليه، أو حذف أو إضافة ما يراه مناسبًا. غير أن هذا الحق لا يُمارس بصورة مطلقة، إذ اشترطت المادة أن يكون ذلك وفق اتفاق مع الشخص المأذون له باستغلال المصنف، فإن تعذر الوصول إلى اتفاق، التزم المؤلف بتعويض الطرف الآخر عن أي ضرر مادي لحق به بسبب التعديل أو السحب، وتقدّر قيمة التعويض من قبل اللجنة المختصة، بناءً على حجم الضرر وظروف التعاقد.
وفي إطار متصل، أكدت المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية على هذه القاعدة، ونصّت على أن للمؤلف الحق في إدخال التعديلات أو الحذف أو الإضافة على المصنف بعد منحه حق الاستغلال، بشرط التنسيق مع المرخص له، وفي حال عدم الاتفاق، يُحال الأمر إلى اللجنة لتقدير التعويض المناسب. كما ألزمت المؤلف بعدم تعطيل استغلال المصنف المأذون به للغير إلا في حدود الضرورة، حمايةً للمراكز القانونية للمتعاقدين معه.
ويتضح من ذلك أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف لا تُمارس في عزلة عن الحقوق التعاقدية للغير، وإنما تخضع لضوابط تضمن تحقيق التوازن بين حرية المؤلف في التحكم بمصنفه، وبين حقوق المأذون له باستغلاله. فمجرد رغبة المؤلف في تعديل العمل أو سحبه، لا تُتيح له إيقاف الاستغلال بصورة منفردة دون الالتزام بالتعويض، ما لم يكن هناك اتفاق صريح يجيز ذلك.
كما أن وجود هذا الحق للمؤلف في التعديل أو السحب، رغم منحه حق الاستغلال لطرف ثالث، يؤكد الطابع الخاص الذي تتمتع به الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف، فهي حقوق غير قابلة للتفريط في أصلها، ولو تم تفويض استخدامها، وتبقى للمؤلف السيطرة النظامية عليها، ولو كان المقابل المالي قد دُفع للترخيص باستغلالها.
ويُظهر هذا الترتيب القانوني أن النظام لم يجعل الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف مجرد واجهات شكلية، بل خصّها بإطار نظامي دقيق يضمن استمراريتها وفاعليتها، حتى في حالات التعاملات التعاقدية، مما يُبقي للمؤلف الكلمة الأخيرة على مصنفه، ولكن في ظل حدود تضمن العدالة بين أطراف العلاقة الفكرية والتجارية.
رابعًا: ما الفرق بين المؤلف الطبيعي والاعتباري والمجهول؟
في إطار تنظيم الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف، يميز نظام حماية حقوق المؤلف السعودي بدقة بين ثلاث فئات من المؤلفين، وهم: المؤلف الطبيعي، والمؤلف الاعتباري، والمؤلف المجهول، ويترتب على هذا التمييز اختلاف جوهري في نطاق الحقوق وطرق ممارستها وتحديد الجهة التي تؤول إليها الحقوق بعد وفاة المؤلف أو عند جهالة اسمه.
فالمؤلف الطبيعي، هو الشخص الذي ابتكر المصنف بنفسه، وهو يحظى بالحماية القانونية الكاملة بموجب النظام، وتُنسب إليه الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف كاملة، ما لم يقم بنقلها صراحة وبموجب عقد مكتوب. وقد قررت المادة الخامسة من النظام أنه يُعد مؤلفًا كل من نُشر المصنف منسوبًا إليه باسمه، أو بأي طريقة من طرق النسبة المعروفة، ما لم يثبت العكس. وإذا نُشر المصنف باسم مستعار أو دون اسم، فإن الناشر الذي يظهر اسمه يُعد ممثلًا للمؤلف إلى أن يظهر دليل على العكس.
أما المؤلف الاعتباري، فيُقصد به الشخص المعنوي الذي يكون قد نظّم أو وجّه إعداد المصنف ونشره باسمه أو تحت إشرافه، وفقًا لما ورد في المادة السادسة من النظام، والتي أوضحت أن المؤلف الاعتباري في المصنف الجماعي هو من يملك وحده الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف، ويباشرها مباشرة بصورة حصرية، دون الاعتداد بمساهمات الأفراد المشاركين، متى اندمجت أعمالهم في المصنف بحيث تعذر تمييزها.
أما المؤلف المجهول، فهو من لم يُعرف اسمه عند النشر، أو لم يظهر دليل يدل على شخصيته. وقد تناولت المادة الحادية عشرة من النظام هذا النوع من المؤلفين، وقررت أن الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف تنتقل في هذه الحالة إلى من آلت إليه الملكية عن طريق الإرث أو التصرف النظامي، بشرط أن يكون هناك دليل كتابي يحدد نطاق الحق المنقول ومكانه وزمانه. وأشارت المادة ذاتها إلى أن هذه الحقوق تنتقل إلى الورثة بعد وفاة المؤلف، باستثناء الحق في تعديل المصنف أو حذفه، الذي يظل محصورًا بالمؤلف وحده.
وتأكيدًا لهذه القواعد، قررت المادة الثانية عشرة من النظام أن التنازل عن الإنتاج الفكري المستقبلي باطل، مما يعني أن المؤلف، سواء كان طبيعيًا أم اعتباريًا، لا يملك التنازل عن حقوقه المستقبلية بشكل عام، بل يجب أن يكون التنازل محددًا بمصنف معين، زمانًا ومكانًا، لضمان حماية الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف وعدم استغلالها بعقود عامة مجحفة.
وفي ضوء ما تقدم، يتبين أن تصنيف المؤلف وفق طبيعته القانونية ينعكس مباشرة على طريقة تنظيم الحقوق النظامية المقررة له، وعلى رأسها الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف. فبينما يتمتع المؤلف الطبيعي بكافة صور الحماية الشخصية، تُنقل الحقوق في حالة الوفاة أو الجهالة وفقًا للضوابط الشرعية والتنظيمية، أما المؤلف الاعتباري فيباشر هذه الحقوق بوصفه منتِج المصنف ومَن نُسب إليه نظامًا.
وهذا التمييز يرسخ مبدأ العدالة في توزيع الحقوق، ويضمن ألا تُهدر الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف بسبب الغموض أو عدم وضوح الصفة النظامية للمؤلف، كما يعكس فلسفة دقيقة في ضبط المركز القانوني لكل فئة من المؤلفين، بما يحفظ التوازن بين المصلحة الفكرية والملكية النظامية.
وختامًا،
تتجلى عناية النظام السعودي بحماية الإبداع في ضبطه الدقيق لتفاصيل الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف، ليس فقط من خلال منحها صفة الإلزام والدوام، بل أيضًا عبر تنظيم كيفية مباشرتها، والتمييز بين ما يجوز التنازل عنه وما يظل ملازمًا للمؤلف وحده مهما تغيرت الظروف. ويعزز هذا النسق القانوني المتين من موثوقية البيئة التنظيمية، ويمنح المؤلف إطارًا واضحًا يضمن له السيطرة الكاملة على مصنفه فكرًا واستغلالًا. ومن هنا، نوصي الجهات المنتجة والمؤلفون الطبيعيون والاعتباريون على حد سواء بضرورة إبرام اتفاقات استغلال تفصيلية ومحددة زمنيًا ومكانيًا، تشتمل بوضوح على نطاق التفويض وحدوده، بما يكفل صيانة الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف وفقًا للنظام، ويحول دون أي منازعات أو استخدامات تتجاوز حدود ما أُجيز نظامًا.
