التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات

تتجلى التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات في قلب الإطار القانوني المنظم للشركات المدرجة، باعتبارها جوهر الرقابة المؤسسية، وركيزة التوازن التشغيلي، وأداة الربط بين الأداء الإداري والمساءلة القانونية. وقد جاءت لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية السعودية لترسم ملامح هذه الالتزامات بأدق التفاصيل، ولتُلزم مجلس الإدارة بجملة من الأدوار المحورية التي تتوزع على التخطيط، والرقابة، والمساءلة، والإفصاح، والتنظيم الداخلي، في إطار متكامل ومترابط.

فمن مسؤولية الإدارة الكاملة للشركة، إلى اعتماد قواعد الحوكمة الداخلية، مرورًا بتعيين الأعضاء وفق معايير الكفاءة والاستقلال، ووصولًا إلى صيانة حياد الأعضاء غير التنفيذيين والمستقلين، وتوثيق الاجتماعات، والتفاعل مع تقارير اللجان، ومعالجة تعارض المصالح، والاستجابة للملاحظات الرقابية؛ تتعاظم التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات لتغدو بمثابة التزام مركزي يتقاطع مع كل فروع الأداء المؤسسي داخل الشركة.

ويسلّط هذا المقال الضوء على تلك الالتزامات بدقة، ويُبرز مواضعها النظامية، ويوضح حدودها ومضمونها كما وردت في نصوص اللائحة، ليُبيّن كيف تُمارس الحوكمة من داخل المجلس لا من خارجه، وكيف أن مسؤولية المجلس ليست خيارًا تنظيميًا بل واجبًا نظاميًا، يرتبط بكل قرار ويُقاس بكل إفصاح ويُراجع بكل تقرير.

أولًا: ما دور مجلس الإدارة في تطبيق نظام الحوكمة داخل الشركة؟

تُبرز لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات باعتبارها محورًا رئيسيًا في البناء النظامي والرقابي للشركات المدرجة. وتنص المادة العشرون صراحةً على أن مجلس الإدارة يتحمل المسؤولية الكاملة عن إدارة الشركة، وضمان التزامها بالأنظمة واللوائح، والتحقق من سلامة الإجراءات، ودقة المعلومات، وتكامل التقارير، بما يعكس دورًا تنفيذيًا ورقابيًا مباشرًا.

وتُظهر المادة الحادية والتسعين أن من بين التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات اعتماد قواعد حوكمة خاصة بالشركة، على ألا تتعارض مع أحكام اللائحة، مع ضرورة مراجعتها بصفة دورية، والتحقق من فعاليتها، وتطويرها عند الاقتضاء، بما ينسجم مع التغيرات النظامية والتطبيقات العملية. وتؤكد المادة ذاتها أن من صلب التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات أن يقوم بمراجعة السياسات المرتبطة بالسلوك المهني، والتقارير الرقابية، وضمان انسجامها مع أفضل الممارسات المعتمدة.

ثم تأتي المادة الثانية والتسعين لتُعزز هذه المسؤولية بإجازة تشكيل لجنة مختصة تُعنى بالحكومة، تُفوض إليها الاختصاصات المنصوص عليها في المادة الحادية والتسعين، ويُناط بها متابعة تنفيذ هذه السياسات والضوابط، وتزويد المجلس بتقارير وتوصيات دورية، مما يُرسّخ أحد أبرز التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات والمتمثلة في الرقابة المؤسسية والتقويم المستمر لمنظومة الحوكمة داخل الشركة.

ويُفهم من تكامل هذه المواد أن التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات لا تنحصر في المستوى الإشرافي النظري، بل تمتد إلى المستويات الإجرائية والتنفيذية، من خلال الرقابة المباشرة على الأداء المؤسسي، والمراجعة المنتظمة للأنظمة والسياسات، والاطلاع الكامل على المخاطر، وتوثيق ذلك في محاضر وتقارير داخلية مُعتمدة.

كما يُستفاد من ذات المواد أن التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات تتضمن إعداد تقارير الحوكمة والإفصاح عنها، والتفاعل مع تقارير لجان المراجعة، ومتابعة توصيات لجنة الحوكمة إن شُكّلت، مما يعزز من نطاق الالتزام المؤسسي الكامل ويجعل مجلس الإدارة مسؤولًا بشكل مباشر عن مدى نجاعة نظام الحوكمة داخل الشركة.

ثانيًا: ما هي واجبات عضو مجلس الإدارة المستقل وغير التنفيذي؟

نصت المادة الثامنة والعشرين على أن من التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات وضع آليات واضحة لضمان فعالية مشاركة أعضاء المجلس غير التنفيذيين والمستقلين، وتزويدهم بكافة المعلومات التي تمكّنهم من القيام بأدوارهم بفاعلية. كما أشارت المادة إلى ضرورة تزويدهم بتقارير الأداء والتقارير الرقابية ونتائج التدقيق، وتمكينهم من تقديم الملاحظات وتسجيل التحفظات، وهو ما يعكس أن التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات تشمل صيانة الدور الرقابي والتقويمي لأعضائه المستقلين.

وتُفصّل المادة التاسعة والعشرين هذه الأدوار، موضحةً أن من واجبات عضو مجلس الإدارة المستقل أن يُمارس صلاحياته باستقلال تام عن الإدارة التنفيذية، وألا يخضع لأي تأثير داخلي أو خارجي يُضعف من حياده، وأن يُفصح عن أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة قد تؤثر على استقلاليته، وتؤكد أن من التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات المحافظة على استقلال هؤلاء الأعضاء والامتناع عن التأثير عليهم بأي شكل.

أما المادة السادسة عشرة، فقد نصت على أن تشكيل المجلس يجب أن يتضمن عددًا لا يقل عن عضوين مستقلين أو ثلث الأعضاء، أيهما أكثر، وهو ما يجعل وجود الأعضاء المستقلين ركيزة إلزامية من ركائز التكوين النظامي للمجلس، ويعكس التزامًا نظاميًا صريحًا ضمن التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات بإحداث توازن داخل المجلس بين الجانب التنفيذي والرقابي.

كما أوجبت المادة السابعة عشرة أن يكون أعضاء المجلس من ذوي الكفاءة والمهنية، مع اشتراط ألا يتجاوز عدد العضويات في المجالس المدرجة، مما يُعزز من فعالية الدور المستقل وغير التنفيذي داخل المجلس، ويجعل من الالتزام بضمان حياد هؤلاء الأعضاء جزءًا أساسيًا من التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات في تكوينه وتقييمه ومتابعته.

وبذلك، يتبين أن عضو المجلس غير التنفيذي، وخصوصًا المستقل، لا يُعد مجرد طرف صوري في التركيبة النظامية، بل هو أحد أعمدة الرقابة المؤسسية، ويُحتّم دوره على المجلس بأكمله الالتزام بدعمه، وضمان استقلاله، وتمكينه من أداء مهامه. وهو ما يتسق تمامًا مع مضمون التكرارات النظامية لمفهوم التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات في كافة المواد ذات الصلة، باعتبارها التزامات متراكبة، ومتصاعدة، ومترابطة وظيفيًا وتشغيليًا وقانونيًا.

ثالثًا: ما ضوابط تعيين أعضاء مجلس الإدارة وتجديد عضويتهم؟

تُحدد لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية السعودية ضوابط دقيقة لتعيين أعضاء مجلس الإدارة وتجديد عضويتهم، بما يضمن تحقيق أحد أبرز التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات والمتمثل في بناء مجلس يتمتع بالكفاءة والحياد والقدرة على اتخاذ القرار ضمن إطار نظامي واضح.

وبحسب المادة السابعة عشرة، يجب أن يُحدد نظام الشركة الأساس عدد أعضاء المجلس، على ألا يقل عن ثلاثة، وأن يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة للمساهمين للمدة المحددة نظامًا بشرط ألا تتجاوز أربع سنوات، ويجوز إعادة انتخابهم ما لم ينص نظام الشركة الأساس على خلاف ذلك. كما ألزمت هذه المادة الشركة بإشعار الهيئة خلال خمسة أيام عمل من تاريخ التعيين أو التغيير، في خطوة تؤكد على شفافية إجراءات التعيين كإحدى التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات.

وتُكمل المادة الثامنة عشرة هذه الضوابط، بنصها على اشتراطات دقيقة يجب توافرها في العضو، من أبرزها: الكفاءة المهنية، والاستقلال، والقدرة على القيادة والتوجيه، والمعرفة المالية، واللياقة الصحية. وتُعد هذه الاشتراطات جزءًا جوهريًا من التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات، إذ يجب على المجلس أن يتحقق من استيفاء كل مرشح لهذه المتطلبات قبل إقراره عضوًا في التشكيل النهائي.

كما تُلزم اللائحة الجمعية العامة، عند انتخاب الأعضاء، بمراعاة توصيات لجنة الترشيحات بشأن توافر المقومات الشخصية والمهنية، مما يُحيل مسؤولية التكوين السليم للمجلس إلى هيكلية منضبطة متكاملة، تُعد من أهم التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات. فالمسألة لا تتعلق بالتعيين فحسب، بل ببناء منظومة قرار تشريعي ورقابي تتأسس على ضوابط دقيقة للمؤهلات والسلوك المهني.

رابعًا: كيف تضمن اللائحة مساءلة مجلس الإدارة أمام المساهمين؟

تكفل اللائحة ضمان مساءلة مجلس الإدارة من خلال آليات واضحة ومتكاملة، تُمثّل إحدى أكثر صور التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات صرامة ووضوحًا. وتنص المادة الثانية عشرة على أن من صلاحيات الجمعية العامة العادية مراقبة التزام أعضاء المجلس بأنظمة الشركات ولوائحها، وفحص أي ضرر ينشأ عن مخالفتهم، وتحديد المسؤولية المترتبة على ذلك. كما تُجيز للجمعية اتخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الشأن، وهو ما يجعل من مساءلة المجلس حقًا أصيلًا للمساهمين، ومدخلًا حقيقيًا لتفعيل التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات بمستوى عالٍ من المحاسبة القانونية.

وتُعزز الفقرة (31) من المادة السابعة والثمانين هذه المساءلة من خلال إلزام المجلس بتقديم بيان مفصل في تقريره السنوي يُبين عدد اجتماعاته خلال السنة، وتواريخ انعقادها، وسجل الحضور، وأسماء الأعضاء الحاضرين. وتُعد هذه الإفصاحات الدورية أحد أبرز تجليات التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات، إذ لا يُكتفى فيها بذكر الوقائع، بل تُعرض بشفافية تامة تتيح للمساهمين تتبع الأداء الفعلي، ومدى تفاعل كل عضو، والتزامه بمهامه.

كما يتضمن التقرير السنوي الإفصاح عن الإجراءات الرقابية، ونتائج تقويم الأداء، وبيانات الحضور في الجمعيات العامة، وهي كلها آليات تُترجم التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات من مستوى الإلزام القانوني إلى ممارسة رقابية شفافة قائمة على الإفصاح والتقويم والمساءلة.

وتُظهر هذه النصوص بوضوح أن مساءلة المجلس لا تُفهم باعتبارها تدبيرًا لاحقًا أو إجراءً طارئًا، بل هي جزء جوهري من التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات، تُمارَس بشكل منظم، ومتكرر، وموثق، بما يربط الأداء التنفيذي للمجلس بالمحاسبة النظامية أمام الجمعية العامة، وفق آليات قانونية تضمن التوازن بين السلطة والمسؤولية.

خامسًا: هل يمكن تحميل مجلس الإدارة المسؤولية في حال وقوع تعارض مصالح؟

تنص المادة الأربعون من لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية على ضوابط صارمة تحكم التعامل مع حالات تعارض المصالح، وتُعد من أبرز التطبيقات المباشرة لمفهوم التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات، حيث أوجبت الإفصاح المسبق عن أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة لأي عضو مجلس إدارة في أي تعامل يخص الشركة، ومنعته من التصويت على القرار المتعلق بذلك التعامل.

كما ألزمت المادة ذاتها مجلس الإدارة بأن يُصدر سياسة مكتوبة توضح آلية التعامل مع الأطراف ذوي العلاقة، وتحديد كيفية إدارة تعارض المصالح وتوثيقه ومعالجته، مما يعني أن التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات تتضمن واجبًا نظاميًا بالوقاية من التعارض لا مجرد التعامل معه بعد وقوعه.

وفي حال الإخلال بهذه الالتزامات، فإن تحميل المجلس أو أعضائه المسؤولية يصبح أمرًا واردًا نظامًا، لا سيما إذا ترتب على الإخلال أضرار للمساهمين أو الشركة، خصوصًا عند غياب الإفصاح أو الإهمال في تطبيق السياسات المعتمدة. ويُفهم من بناء هذه المادة أن المسؤولية لا تنحصر في العضو صاحب المصلحة، بل تمتد إلى المجلس ككل، إذا ثبت إخفاقه في الالتزام بواجباته النظامية تجاه ضبط هذه الحالات، وفقًا لما تفرضه التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات.

سادسًا: هل يمكن تحميل مجلس الإدارة المسؤولية في حال الإخفاق الرقابي؟

تُظهر المادة الخامسة والسبعون دور وحدة المراجعة الداخلية بوصفها جهة رقابية مستقلة، تُكلف من قبل لجنة المراجعة، وترفع تقارير ربع سنوية وسنوية إلى مجلس الإدارة، تتضمن تقييمًا لنظام الرقابة الداخلية، وأوجه القصور، والإجراءات المتخذة بشأنها. ويترتب على تجاهل هذه التقارير أو التقصير في معالجتها إخلال صريح بإحدى أبرز التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات، ألا وهي التفاعل الجاد مع نتائج الرقابة الداخلية ومعالجتها بالسرعة والجدية اللازمتين.

وتعزّز المادة الثامنة والثمانون من هذه المسؤولية، حيث أوجبت على لجنة المراجعة رفع تقرير مفصل إلى الجمعية العامة، يتضمن رأيها في كفاية نظم الرقابة الداخلية والمالية وإدارة المخاطر، وهو ما يجعل المجلس في موقع مساءلة مباشرة، إذا تبين من هذا التقرير وجود إخفاقات لم تُعالج، أو عدم كفاية الإجراءات التصحيحية، مما يُعد إخلالًا واضحًا بإحدى التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات ذات الطابع الرقابي والتنفيذي.

وبذلك، فإن تحميل المجلس المسؤولية عن الإخفاق الرقابي لا يرتبط فقط بنتائج الأداء، بل بأداء الالتزام ذاته، من حيث التفاعل مع أدوات الرقابة، واتخاذ القرارات التصحيحية، وتوثيق المعالجات، وضمان تنفيذها، وهي أمور تُكوّن في مجموعها أحد أهم وجوه التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات، وتُحوّل الرقابة من مجرد تقارير دورية إلى عنصر مساءلة فعلية تربط بين العمل الإداري والمسؤولية النظامية المباشرة.

  وفي الختام،

فإن تتبُّع النصوص الواردة في لائحة حوكمة الشركات يكشف بجلاء أن التزامات مجلس الإدارة في حوكمة الشركات ليست مجرد واجبات إدارية أو تنظيمية عابرة، بل هي التزامات قانونية دقيقة ومتصاعدة ومترابطة، تمتد من تشكيل المجلس إلى تفاعله مع اللجان، ومن ضبط تعارض المصالح إلى الإفصاح الرقابي، ومن مساءلته أمام المساهمين إلى تقييم أدائه كمؤسسة قرار خاضعة للفحص الدوري والعلني. وكلما اتسعت رقعة الصلاحيات، اتسعت معها رقعة المسؤوليات، ولا يُعفى المجلس من أي تقصير في ممارسة دوره الحوكمي، سواء بالسكوت عن الإخفاق الرقابي، أم بضعف الاستقلال، أم بتجاهل المؤشرات التشغيلية الواردة في تقارير اللجان.

ومن هنا تبرز التوصية الدقيقة الآتية: على كل مجلس إدارة، فور بدء دورته، أن يُعدّ خارطة التزامات حوكمة تنفيذية، مشتقة مباشرة من اللائحة، تربط بين المهام اليومية والمادة النظامية ذات الصلة، وتُوزع الأدوار بوضوح، وتُراجع فصليًا؛ وذلك لضمان الامتثال الواقعي لا الشكلي، وتحصين المجلس من الوقوع في ثغرات الرقابة أو التعارض أو الإخفاق في تحمل مسؤولياته القانونية والإدارية المتكاملة.

للتواصل معنا