في إطار سعي المملكة العربية السعودية إلى بناء بيئة اقتصادية مستقرة وجاذبة للاستثمار، يأتي نظام الإفلاس السعودي كأداة تشريعية متطورة تهدف إلى توفير حلول عملية للتعامل مع حالات التعثر المالي، بما يحقق توازنًا بين مصلحة المدينين والدائنين ويضمن استمرار الأنشطة التجارية دون تعريض السوق لمخاطر الانهيار. ومن أبرز ما تناوله هذا النظام هو تنظيم إجراءات التسوية الوقائية التي تمنح المدين فرصة لتجاوز أزمته المالية من خلال خطة يتفق عليها مع الدائنين تحت إشراف القضاء.
ولكن رغم ما توفره هذه الخطة من مرونة في التعامل مع التعثر المالي، فقد ينتهي إجراء التسوية الوقائية بإحدى صورتين: إما إكمال تنفيذها بنجاح، وإما إنهائها قبل التنفيذ الكامل في حال تعذر الاستمرار لأسباب متعددة. ويُعد إنهاء إجراء التسوية الوقائية، سواء بعد تنفيذه أم قبل إتمامه، مرحلة حاسمة تحدد مصير المدين وحقوق الدائنين، مما يستوجب اتباع إجراءات دقيقة وصارمة لضمان حماية مصالح كافة الأطراف.
وهذا المقال يتناول بشيء من التفصيل الأسس القانونية التي تحكم إنهاء إجراء التسوية الوقائية وفقًا لنظام الإفلاس السعودي، سواء كان ذلك نتيجة إكمال تنفيذ الخطة المتفق عليها، أم بسبب تعذر التنفيذ لأسباب مختلفة، مع استعراض الحالات التي تبرر إنهاء الإجراء، والالتزامات التي تترتب على الأطراف بعد صدور الحكم بإنهائه. والهدف هو إلقاء الضوء على مدى فعالية هذا النظام في تعزيز الثقة بالبيئة التجارية، وتقديم رؤية قانونية دقيقة حول آليات إنهاء التسوية الوقائية في إطار التشريع السعودي.
أولًا: إنهاء إجراءات التسوية الوقائية بتنفيذها وفقًا لنظام الإفلاس السعودي
يعد إنهاء إجراء التسوية الوقائية أحد المراحل الحاسمة في نظام الإفلاس السعودي، إذ يحقق الغاية الأساسية من هذا الإجراء، وهي إعادة تنظيم الأوضاع المالية للمدين وتمكينه من استئناف نشاطه بشكل طبيعي دون أن يظل مقيدًا بالإجراء المفتوح. وقد أولى النظام أهمية خاصة لتنظيم عملية إنهاء التسوية الوقائية لضمان حقوق كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك المدين والدائنين، مع توفير الضمانات القانونية اللازمة لتحقيق التوازن بينهم.
طلب إنهاء إجراء التسوية الوقائية
تنص المادة الثامنة والثلاثون من نظام الإفلاس بوضوح على التزام المدين بتقديم طلب إلى المحكمة المختصة لإنهاء إجراء التسوية الوقائية عند اكتمال تنفيذ الخطة المتفق عليها. ويجب أن يكون هذا الطلب مرفقًا بجميع المعلومات والوثائق المحددة في اللائحة التنفيذية، والتي تهدف إلى تمكين المحكمة من التحقق من استيفاء المدين لكافة التزاماته الواردة في خطة التسوية. كما أوجبت المادة ذاتها على المدين إبلاغ الدائنين بالطلب قبل تقديمه إلى المحكمة، مما يتيح لهم فرصة الاطلاع والتأكد من تنفيذ الخطة بشكل كامل.
أما المادة العشرون من اللائحة التنفيذية لنظام الإفلاس، فقد جاءت لتوضح الإجراءات التفصيلية المرتبطة بطلب إنهاء الإجراء؛ حيث نصت على وجوب تقديم الطلب مصحوبًا بالمعلومات والوثائق المحددة لذلك. وألزمت المدين أو الأمين، بحسب طبيعة الإجراء، بإبلاغ الدائنين مسبقًا عن نيته تقديم الطلب، مع تحديد التاريخ المزمع لتقديمه ومسوغات هذا الطلب.
تبليغ الدائنين وحق الاعتراض
وفقًا لما ورد في نظام الإفلاس واللائحة التنفيذية، فإن التبليغ الموجه إلى الدائنين لا يقتصر على مجرد الإخطار، بل يجب أن يتضمن عنصرين أساسيين:
- التاريخ المزمع تقديم الطلب فيه: لتمكين الدائنين من الاستعداد وممارسة حقوقهم القانونية في الوقت المناسب.
- مسوغات تقديم الطلب: أي الأسباب التي يستند إليها المدين في طلب إنهاء الإجراء، والتي يجب أن تعكس تنفيذ كافة الشروط والبنود الواردة في خطة التسوية الوقائية.
ويحق لكل ذي مصلحة، بما في ذلك الدائنين، الاعتراض على هذا الطلب أمام المحكمة المختصة خلال مدة أربعة عشر يومًا من تاريخ تقديم الطلب. ويتيح هذا الحق لأي طرف متضرر فرصة عرض اعتراضاته وتقديم ما يراه من أدلة تدعم موقفه في مواجهة طلب إنهاء الإجراء.
دور المحكمة في إنهاء إجراء التسوية الوقائية
يلعب القضاء دورًا رئيسيًا في إنهاء إجراء التسوية الوقائية، حيث لا يتم إنهاء الإجراء تلقائيًا بمجرد تقديم الطلب، بل يتطلب ذلك صدور حكم من المحكمة المختصة بعد فحص الطلب والمستندات المرفقة، والاستماع إلى أي اعتراضات قد يقدمها ذوو المصلحة. ومن هنا يتضح أن النظام حرص على تحقيق رقابة قضائية فعالة لضمان تنفيذ الخطة بشكل كامل وحفظ حقوق الأطراف.
وإذا لم يتم تقديم أي اعتراض خلال المهلة المحددة، أو إذا رأت المحكمة عدم جدية الاعتراضات المقدمة، فإنها تصدر حكمًا بإنهاء إجراء التسوية الوقائية، مما يمنح المدين حرية التصرف في أمواله ومواصلة نشاطه التجاري دون قيود الإجراء المفتوح.
الآثار القانونية لإنهاء إجراء التسوية الوقائية
عند صدور حكم المحكمة بإنهاء إجراء التسوية الوقائية، تنتهي جميع الالتزامات المرتبطة بالإجراء، ويُعد المدين قد أوفى بالتزاماته تجاه الدائنين وفقًا للخطة المعتمدة. كما يترتب على ذلك استعادة المدين كامل أهليته القانونية في إدارة أصوله ونشاطه التجاري دون أي قيود مرتبطة بالإفلاس.
وفي هذا الإطار، يعد إنهاء الإجراء بمثابة إعادة تأهيل قانوني للمدين، مما يسمح له بالعودة إلى ممارسة نشاطه التجاري أو المهني بشكل طبيعي، بما يعزز من استقرار الأعمال ويسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
ثانيًا: إنهاء إجراءات التسوية الوقائية قبل إكمال تنفيذها وفقًا لنظام الإفلاس السعودي
تُعد التسوية الوقائية من أهم الإجراءات التي وضعها نظام الإفلاس السعودي لتمكين المدين المتعثر أو الذي يخشى تعثره من التوصل إلى تسوية مع دائنيه تحت إشراف المحكمة، بما يضمن استمرارية نشاطه التجاري ويحقق التوازن بين مصلحة المدين والدائنين. ومع ذلك، قد تطرأ ظروف تحول دون إكمال تنفيذ خطة التسوية الوقائية، مما يستدعي إنهاء الإجراء وفقًا لما نص عليه النظام. وسوف نناقش بالتفصيل الحالات التي تستدعي إنهاء التسوية الوقائية قبل إكمالها، والإجراءات القانونية المترتبة على ذلك على النحو التالي:
-
الحالات التي تؤدي إلى إنهاء إجراء التسوية الوقائية
وفقًا للمادة التاسعة والثلاثين من نظام الإفلاس، حدد النظام ست حالات يمكن للمحكمة فيها أن تقضي بإنهاء إجراء التسوية الوقائية قبل اكتمال تنفيذ الخطة. وفيما يلي شرح هذه الحالات بشيء من التفصيل:
-
عدم تحقق النصاب المطلوب في تصويت الملاك أو الدائنين على المقترح
يشترط النظام تحقيق نصاب معين في تصويت الملاك أو الدائنين على مقترح التسوية الوقائية. فإذا لم يتحقق هذا النصاب أو تعذر التصويت في الموعد المحدد، فإن المحكمة تقضي بإنهاء الإجراء. ومع ذلك، وفقًا للفقرة (5) من المادة الحادية والثلاثين، يجوز للمحكمة تحديد موعد آخر للتصويت قبل اتخاذ قرار الإنهاء.
ووفقًا لما نصت عليه المادة الحادية والثلاثون من نظام الإفلاس، تبدأ عملية التصويت بإجراء المدين تصويتًا على المقترح من قبل الملاك قبل دعوة الدائنين للتصويت عليه. ويشترط النظام موافقة الملاك باعتبارهم طرفًا ذا مصلحة في حال كان المقترح يتضمن ما يمس حقوقهم أو التزاماتهم المتعلقة بالمدين.
وبعد تصويت الملاك، يتم عرض المقترح على الدائنين للتصويت عليه. وتنص المادة على أن التصويت يُدار وفقًا للإجراءات المحددة في المقترح نفسه، مما يضفي مرونة في التعامل مع خصوصية كل حالة، مع مراعاة الالتزام بالقواعد العامة المنصوص عليها في النظام واللائحة التنفيذية.
ولا يُعتبر مقترح التسوية الوقائية مقبولًا إلا إذا حاز على موافقة كل فئة من فئات الدائنين. وقد حدد النظام معيارين أساسيين لاعتبار الفئة موافقة على المقترح، وهما:
- أن يصوت بالموافقة دائنون يمثلون ثلثي قيمة ديون المصوتين في الفئة ذاتها.
- أن تشمل هذه الأغلبية دائنين يمثلون أكثر من نصف قيمة ديون الأطراف غير ذوي العلاقة، إذا كان هناك أطراف من هذا النوع في الفئة.
-
رفض المحكمة التصديق على المقترح
بعد موافقة الدائنين على مقترح التسوية الوقائية، يُعرض المقترح على المحكمة للتصديق عليه. فإذا رأت المحكمة أن المقترح لا يحقق معايير العدالة أو يتضمن إخلالًا بحقوق الدائنين، فلها رفض التصديق عليه، مما يؤدي إلى إنهاء الإجراء.
-
عدم انطباق شروط افتتاح الإجراء على المدين
إذا تقدم المدين بطلب إنهاء الإجراء بسبب زوال الشروط التي استند إليها في طلب افتتاح الإجراء (مثل استقرار وضعه المالي)، يجوز للمحكمة إنهاء الإجراء بناءً على هذا الطلب.
-
تعذر تنفيذ الخطة
في حال استحال تنفيذ خطة التسوية الوقائية، سواء لأسباب خارجة عن إرادة المدين أم نتيجة تغير الظروف الاقتصادية أو التجارية، يجوز للمدين أو الدائنين طلب إنهاء الإجراء، وتقرر المحكمة بناءً على ذلك ما تراه مناسبًا.
-
عدم رغبة المدين في الاستمرار في إدارة نشاطه أو استكمال تنفيذ الخطة
قد يقرر المدين التوقف عن إدارة نشاطه التجاري أو عدم استكمال تنفيذ خطة التسوية الوقائية لأي سبب مشروع، وفي هذه الحالة يتقدم بطلب إلى المحكمة لإنهاء الإجراء.
-
طلب ذي مصلحة لإنهاء الإجراء بسبب وجود مخالفات
إذا ارتكب المدين مخالفات مؤثرة أثناء الإجراء أو أتى فعلًا من الأفعال المجرمة بموجب نظام الإفلاس، يحق لأي ذي مصلحة التقدم بطلب إلى المحكمة لإنهاء الإجراء. ويشمل ذلك المخالفات التي قد تؤدي إلى الإضرار بحقوق الدائنين أو المساس بالشفافية والنزاهة في تنفيذ الخطة.
-
التزام المدين بإيداع حكم إنهاء الإجراء في سجل الإفلاس
نصت المادة الأربعون من نظام الإفلاس على أن المدين يلتزم بإيداع حكم المحكمة بإنهاء الإجراء في سجل الإفلاس خلال مدة لا تزيد على خمسة أيام من تاريخ صدور الحكم. ويُعد هذا الإيداع إجراءً ضروريًا لإعلام جميع الأطراف ذات الصلة بانتهاء الإجراء، ولتوفير سجل قانوني موثق يمكن الرجوع إليه عند الحاجة.
-
افتتاح إجراء إفلاس جديد بعد إنهاء التسوية الوقائية
في بعض الحالات، لا يحقق إنهاء إجراء التسوية الوقائية الغاية المرجوة المتمثلة في معالجة الوضع المالي للمدين واستعادة استقراره الاقتصادي، مما يوجب اتخاذ إجراءات قانونية أخرى لحماية حقوق الدائنين وتنظيم أوضاع المدين المتعثر. ومن هذا المنطلق، أعطى نظام الإفلاس السعودي للمحكمة صلاحية افتتاح إجراء إفلاس جديد يناسب الحالة القائمة للمدين، سواء من تلقاء نفسها أم بناءً على طلب ذي مصلحة، وفقًا لما نصت عليه المادة الحادية والأربعون من النظام، ولكن عند تحقق شروط معينة، هي:
-
تعثر المدين أو إفلاسه
يُعد التعثر أو الإفلاس المستمر للمدين أحد الشروط الأساسية التي تبرر افتتاح إجراء إفلاس جديد. ويعني ذلك أن المدين ما زال غير قادر على سداد ديونه أو الوفاء بالتزاماته المالية تجاه الدائنين، مما يستدعي اتخاذ إجراء أكثر شمولية، مثل التصفية أو إعادة التنظيم المالي، لضمان حماية حقوق الدائنين وتنظيم أصول المدين.
-
استيفاء شروط افتتاح الإجراء الجديد
لا يجوز للمحكمة افتتاح إجراء إفلاس جديد إلا إذا توافرت الشروط القانونية اللازمة لافتتاح ذلك الإجراء. وتختلف هذه الشروط باختلاف نوع الإجراء المطلوب، سواء كان إجراء التصفية، الذي يهدف إلى إنهاء النشاط التجاري للمدين وتوزيع أصوله على الدائنين، أو إعادة التنظيم المالي، الذي يهدف إلى إعادة هيكلة ديون المدين بما يتيح له الاستمرار في ممارسة نشاطه التجاري، أو غير ذلك من الإجراءات المنصوص عليها نظامًا.
-
استناد الإنهاء إلى حالات محددة
لا يُمنح القضاء صلاحية افتتاح إجراء جديد إلا إذا كان إنهاء التسوية الوقائية مبنيًا على حالات محددة تعكس استمرار تعثر المدين أو وجود مخالفات مؤثرة أثناء الإجراء. وقد حدد النظام هذه الحالات في الفقرات (ب) أو (ج) أو (هـ) أو (و) أو (ز) من المادة التاسعة والثلاثين، وتشمل ما يلي:
- عدم تحقيق النصاب المطلوب في تصويت الدائنين أو تعذر التصويت: إذا لم يتمكن المدين من الحصول على موافقة الدائنين على مقترح التسوية، أو تعذر إجراء التصويت في الموعد المحدد.
- رفض المحكمة التصديق على المقترح: عندما ترى المحكمة أن المقترح المقدم لا يستوفي معايير العدالة أو يضر بحقوق الدائنين.
- تعذر تنفيذ الخطة: في حال عدم قدرة المدين على تنفيذ الخطة لأي سبب كان، سواء بسبب عجزه المالي أم ظروف خارجة عن إرادته.
- عدم رغبة المدين في الاستمرار في إدارة نشاطه: إذا قرر المدين عدم متابعة نشاطه التجاري أو تنفيذ خطة التسوية الوقائية.
- وجود مخالفات جوهرية أو أفعال مجرّمة: إذا ارتكب المدين مخالفات مؤثرة أو أفعالًا يعاقب عليها النظام أثناء تنفيذ الإجراء، مما يستدعي إلغاء التسوية وافتتاح إجراء جديد.
وفي خاتمة المقال،
يُعد إنهاء إجراء التسوية الوقائية وفقًا لنظام الإفلاس السعودي إجراءً قانونيًا نهائيًا يهدف إلى تعزيز الاستقرار في التعاملات التجارية، مع تحقيق التوازن العادل بين حقوق جميع الأطراف المعنية. سواء أُنهِي الإجراء بعد تنفيذ الخطة المتفق عليها بشكل كامل أم قبل اكتمالها لظروف تقتضي ذلك، فإن الغاية الأساسية تظل دعم الاقتصاد الوطني من خلال توفير إطار قانوني يكفل حماية حقوق الدائنين، ويتيح للمدينين المتعثرين فرصة حقيقية لإعادة تنظيم أوضاعهم المالية والوفاء بالتزاماتهم.
ولقد أتاح النظام إمكانية إنهاء التسوية الوقائية عند اكتمال تنفيذ الخطة، مع إلزام المدين باتباع إجراءات محددة لضمان الشفافية، ومنح ذوي المصلحة حق الاعتراض حمايةً لحقوقهم. وعلى الجانب الآخر، لم يغفل النظام عن معالجة الحالات التي تتطلب إنهاء الإجراء قبل اكتماله، كعدم تحقق النصاب المطلوب في تصويت الدائنين أو تعذر تنفيذ الخطة أو حتى لوجود مخالفات جوهرية. وفي هذه الحالات، شدد النظام على ضرورة تدخل القضاء لضمان تطبيق القانون بالشكل الذي يحقق العدالة لكافة الأطراف.
ومع هذا التنظيم الدقيق، يتضح أن نظام الإفلاس السعودي لا يقتصر على كونه مجرد أداة لمعالجة التعثر المالي، بل هو منظومة متكاملة تهدف إلى تحقيق استدامة الأنشطة الاقتصادية، ومنح الثقة للمستثمرين بأن السوق المحلي يخضع لقواعد قانونية واضحة وشفافة.
المراجع:
- د. سلطان محمد عبد العزيز العيدان، التسوية الوقائية من الإفلاس على ضوء نظام الإفلاس السعودي ولائحته التنفيذية.
- نظام الإفلاس السعودي.
- اللائحة التنفيذية لنظام الإفلاس السعودي.