في عالم الشركات، حيث تترابط الأدوار وتتداخل المصالح، تبرز مسؤولية مدير الشركة كركيزة أساسية في حماية كيان الشركة وضمان استقرارها ونموها، فمدير الشركة ليس مجرد قائد إداري، بل هو مؤتمن على مصالح الشركة والمساهمين وأصحاب العلاقة، وملزم بأداء مهامه وفقًا لأعلى معايير النزاهة والمهنية. وقد أتى نظام الشركات السعودي، ليضع إطارًا قانونيًا صارمًا ينظم مسؤولية المدير، ويحدد حدود تلك المسؤولية ونتائج الإخلال بها، سواء عن طريق الأخطاء الفردية أم القرارات الجماعية.
ويحرص النظام من خلال هذا التنظيم الدقيق على خلق بيئة عمل تتسم بالشفافية والمساءلة، مما يُعزز من ثقافة الحوكمة في الشركة ويضمن توافق القرارات الإدارية مع مصالح الشركة والشركاء، وتضع هذه الأحكام المديرين أمام مسؤولية تضامنية، تجعلهم ملزمين بتعويض أي ضرر ينشأ عن مخالفة الأحكام النظامية أو التقصير في أداء أعمالهم، مما يشكل درعًا قانونيًا يحمي مصالح جميع الأطراف ويحقق الاستدامة والنجاح المستدام للشركة.
من هو مدير الشركة ؟
مدير الشركة هو الشخص الذي يُناط به ممارسة السلطة الإدارية والتنفيذية لتحقيق أهداف الشركة وضمان سير أعمالها بما يتوافق مع استراتيجياتها وأطرها النظامية. ويُعتبر المدير حجر الزاوية في هيكل الإدارة، حيث يتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات الجوهرية التي تؤثر على مصالح الشركة وحقوق المساهمين، ويُكلف بالإشراف على العمليات التشغيلية وضمان الامتثال للقوانين واللوائح السارية. ولا يقتصر الدور الذي يؤديه المدير على تنفيذ المهام اليومية فحسب، بل يشمل بناء رؤية مؤسسية محكمة تحمي مصالح الشركة وتدفع بها نحو النمو المستدام والاستقرار التنظيمي.
ماذا يعني مصطلح “الشركة”؟
تعرف الشركة، وفقًا للمادة الثانية من المرسوم الملكي رقم (م/132) وتاريخ 1/12/1443هـ ، الخاص بنظام الشركات بأنها: كيان قانوني يتم تأسيسه بموجب عقد أو نظام أساسي يلتزم بموجبه شخصان أو أكثر بالمشاركة في مشروع يستهدف تحقيق الربح. ويساهم كل شريك بحصة من المال أو العمل، أو بكليهما معًا، على أن يتم توزيع ما يتحقق من أرباح أو خسائر بين الشركاء وفقًا لما اتفقوا عليه. ويُعد هذا التعريف جوهر مفهوم الشركة، حيث يبرز الهدف من تأسيسها كمشروع ربحي يعتمد على الشراكة والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة، ويعكس النظام روح التعاون والتكامل بين الشركاء لتحقيق الربح، إذ يربط التزامهم بنجاح المشروع ويحدد حقوقهم والتزاماتهم بشكل يعزز الوضوح والشفافية.
ومع ذلك، يفتح النظام بابًا للإبداع في التأسيس، حيث يسمح، في بعض الحالات، بتأسيس شركة بشخص واحد، وذلك ضمن شروط معينة تضمن توافق هذا الاستثناء مع الأهداف النظامية. كما يُجيز النظام تأسيس شركات غير ربحية، وفق أحكام الباب السابع، لتؤدي دورًا اجتماعيًا وتنمويًا يعكس مسؤولية الشركة نحو المجتمع. وبذلك، يوفر النظام مرونةً في أنواع الشركات، مما يمكّنها من تلبية احتياجات متنوعة للسوق ويسهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام يعزز النمو الاقتصادي والمساهمة المجتمعية بشكل متوازن ومتسق.
التزام مدير الشركة بواجبات العناية والولاء:
يُعتبر مدير الشركة الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها الإدارة لتحقيق أهدافها وضمان استدامتها، ومن هذا المنطلق، فإن نظام الشركات السعودي قد ألقى على عاتق المدير واجبات قانونية تعزز من كفاءة الإدارة وتضمن حماية مصالح الشركة والمساهمين، وتتجسد هذه الواجبات بشكل أساسي في التزامه بواجبات العناية والولاء، التي وردت في المادة السادسة والعشرين من نظام الشركات، والمادة الحادية عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام الشركات. ويهدف هذا الإطار التشريعي إلى تحديد الضوابط التي تحكم تصرفات المدير وتوجهاته بما يكفل التزامه بأعلى معايير النزاهة والاحترافية.
ممارسة الصلاحيات وفق الأنظمة والقوانين:
تعتبر أحد أهم التزامات المدير ممارسة الصلاحيات المخولة له وفقًا لأحكام النظام الأساسي للشركة وعقد التأسيس واللوائح ذات الصلة، ويضع هذا الالتزام المدير أمام مسؤولية قانونية واضحة، تمنعه من تجاوز حدود الصلاحيات الممنوحة له أو إساءة استغلالها، مما يضمن توجيه القرارات نحو تحقيق أهداف الشركة وتعظيم قيمتها، فتقوم الإدارة الرشيدة على احترام الإطار النظامي بما يحمي حقوق الشركاء أو المساهمين ويضمن الممارسة السليمة للمهام.
العمل بحسن نية لتحقيق مصلحة الشركة:
يجب على المدير العمل بصدق وإخلاص لتحقيق مصلحة الشركة، بما يتجاوز المصالح الشخصية أو التوجهات الفردية. وبناءً على ذلك، يتعين عليه أن يحرص على بذل كل ما بوسعه لتعزيز نجاح الشركة وتنميتها واستدامتها، فالمسؤولية تتعدى مجرد إدارة العمليات اليومية إلى تبني استراتيجيات فعالة تسهم في نمو الشركة وزيادة قيمتها في السوق، وهو ما يصب في مصلحة جميع المساهمين ويعزز من قدرة الشركة على المنافسة.
ممارسة المهام بموضوعية وحياد:
يشدد النظام على ضرورة أن يؤدي المدير مهامه بموضوعية وحياد تام، خاصة عند اتخاذ القرارات أو التصويت عليها، حيث يُلزمه القانون بتجنب الحالات التي قد تؤثر في حياده وتوجهاته، ويضمن هذا الحياد أن تكون قرارات المدير مستندة إلى مصلحة الشركة البحتة، دون أن تؤثر فيها أي اعتبارات خارجية، مما يعزز الثقة في الإدارة ويحقق الشفافية والنزاهة في التعاملات الداخلية والخارجية.
- أداء المهام بمهنية ومعرفة:
يتطلب النظام من المدير أداء واجباته ومسؤولياته بمهارة وحرفية تعكس حرصه وقدرته على تحقيق أفضل النتائج، ويشمل هذا ليس فقط المعرفة القانونية أو الإدارية المتوقعة في مثل هذا المنصب، بل أيضًا الخبرة العملية التي تتيح له اتخاذ قرارات مدروسة تتناسب مع طبيعة التحديات التي قد تواجه الشركة، وتعد المهارة المهنية شرطًا أساسيًا لضمان تحقيق الأهداف التشغيلية والاستراتيجية بكفاءة.
تجنب تعارض المصالح والإفصاح عنها:
تعد من الأركان الرئيسية في واجبات المدير الالتزام بتجنب الحالات التي قد ينشأ عنها تعارض مصالح بينه وبين الشركة، ويتعين عليه الإفصاح عن أي موقف يتعارض مع مصالح الشركة وفقًا لأحكام النظام واللوائح التنفيذية، ويحمي هذا الالتزام الشركة من التوجهات التي قد تؤثر على قراراتها وتوجيهاتها، ويعزز من نزاهة العمليات الإدارية ويجعل الإدارة أكثر شفافية أمام الشركاء والمساهمين.
منع استغلال المنصب لتحقيق مكاسب شخصية:
يُمنع المدير من استغلال منصبه أو الصلاحيات الممنوحة له لتحقيق منافع شخصية أو الحصول على امتيازات من الغير، ويشدد النظام على أن هذه الصلاحيات يجب أن تستخدم فقط لصالح الشركة وليس لتحقيق أي مصالح خاصة، ويعزز الالتزام بعدم استغلال المنصب من قيم الولاء والأمانة، ويضمن أن تكون كافة جهود المدير موجهة لخدمة الشركة وحمايتها من أي تلاعب أو استغلال غير مشروع.
التزامات مديري الشركات بشأن تجنب تعارض المصالح ومنع المنافسة واستغلال الأصول:
يمثل مديرو الشركات المحرك الأساسي لضمان توجيه الشركة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وبذلك تأتي مسؤوليته القانونية لضمان استقرار الشركة وازدهارها وفقًا لأسس الشفافية والنزاهة. ومن هنا جاءت المادة السابعة والعشرون من نظام الشركات والمادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية لتفرض عليه التزامات صارمة تتعلق بتجنب تعارض المصالح، ومنع المنافسة، واستغلال الأصول، وتُعزز هذه الأحكام من الثقة المتبادلة بين الشركة ومساهميها وتضمن ألا تتأثر قرارات المديرين بأي مصالح شخصية.
حظر المصالح المباشرة وغير المباشرة:
تفرض المادة السابعة والعشرون من نظام الشركات حظرًا صارمًا على أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة لمدير الشركة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة، ما لم يحصل على ترخيص صريح من الشركاء أو الجمعية العامة أو المساهمين أو من يفوضونه. ويكمن الهدف من هذا الالتزام في حماية الشركة من احتمالية الاستغلال الشخصي، حيث يضمن أن تكون قرارات المديرين خالصة لتحقيق مصلحة الشركة، وليس لمصالحهم الخاصة، ويُعد هذا الترخيص بمثابة حماية للشركة وللأطراف ذات العلاقة، ويؤسس لعلاقة مبنية على الشفافية والثقة.
منع المشاركة في الأعمال المنافسة:
يشدد النظام على عدم جواز مشاركة مدير الشركة في أي عمل من شأنه منافسة الشركة، أو الانخراط في أنشطة قد تمثل تهديدًا مباشرًا لمصالحها، وذلك دون الحصول على ترخيص مسبق من الشركاء أو الجمعية العامة أو المساهمين، ويشمل هذا الحظر جميع فروع النشاط التي تزاولها الشركة، ويهدف إلى حماية الشركة من أي تضارب في الأدوار أو توجيه مواردها بشكل يتعارض مع أهدافها. وتضمن هذه الأحكام أن يبقى ولاء المديرين ومجلس الإدارة بالكامل للشركة، دون أي تأثير من مصالح خارجية قد تتعارض مع مصلحة الشركة.
حظر استغلال الفرص الاستثمارية:
تأتي المادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية لتشدد على أهمية عدم استغلال المديرين للفرص الاستثمارية المتاحة لهم بصفتهم؛ إذ تمنع استغلال أي فرصة استثمارية تُعرض عليهم أو على الشركة، خاصة إذا كانت هذه الفرصة تدخل ضمن أنشطة الشركة المعتادة، أو إذا كانت الشركة ترغب في الاستفادة منها أو من المتوقع أن تستفيد منها، ويعد هذا الالتزام من ركائز الولاء، إذ يضمن أن تُتاح الفرص الاستثمارية للشركة بشكل حصري دون أن يستفيد منها الأفراد لمصالحهم الخاصة. وإذا ثبت استغلال المدير لهذه الفرص دون ترخيص، فللشركة الحق في المطالبة بإبطال العقد واسترداد أي أرباح أو منافع تحققت له من ذلك.
الاستثناءات المحددة في اللوائح:
تحتوي اللوائح التنفيذية على استثناءات مهمة تسمح بقدر من المرونة دون المساس بمصلحة الشركة، حيث لا يسري حكم حظر المصالح المباشرة وغير المباشرة في الحالات التي تتضمن عقودًا تتم وفق منافسة عامة، أو عقودًا تتعلق بتلبية احتياجات شخصية بآليات مماثلة لتلك المتبعة مع عموم المتعاملين، إضافة إلى عقود أو أعمال أخرى تُحددها اللوائح بما لا يتعارض مع مصلحة الشركة، وتمنح هذه الاستثناءات الشركات مرونة في التعامل مع العقود الصغيرة أو الروتينية دون تعقيدات، مع الحفاظ على الشفافية.
حق الشركة في المطالبة بالتعويض والإبطال:
في حالة مخالفة مدير الشركة للقوانين المتعلقة بتضارب المصالح أو المشاركة في الأعمال المنافسة؛ يحق للشركة اللجوء إلى الجهة القضائية المختصة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن هذه المخالفات. كما تتيح هذه الأحكام للشركة المطالبة بإبطال العقود المخالفة أو استرداد أي أرباح حققها المدير نتيجة لهذه التصرفات غير القانونية. ويشكل وجود هذه الآلية القانونية ضمانًا لحقوق الشركة ويبعث رسالة قوية بأن أي استغلال للموقع الوظيفي لتحقيق منافع شخصية لن يكون مقبولًا تحت أي ظرف.
ما هي حدود مسؤولية المدير في الشركة؟
تتطلب إدارة الشركات التزامًا عاليًا بمبادئ الحوكمة والنزاهة، إذ يُعتبر المديرون حجر الأساس في توجيه الشركة نحو أهدافها الاستراتيجية وضمان الالتزام باللوائح والقوانين. ومن هذا المنطلق، فرض نظام الشركات السعودي مسؤوليات قانونية على المديرين، كما وردت في المادة الثامنة والعشرين، والتي تحدد واجباتهم وتبعات تصرفاتهم لحماية مصالح الشركة والشركاء والمساهمين والأطراف ذات العلاقة، وتسعى هذه الأحكام إلى خلق إطار قانوني يضمن مساءلة المديرين ويعزز الشفافية في قراراتهم.
المسؤولية التضامنية عن الأضرار الناتجة عن المخالفات:
تنص المادة الثامنة والعشرون على أن المديرين يتحملون مسؤولية تضامنية في تعويض الشركة أو الشركاء أو المساهمين أو الغير عن أي ضرر ينشأ نتيجة مخالفة أحكام النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساسي، وتشمل هذه المسؤولية أيضًا التعويض عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء أو الإهمال أو التقصير في أداء أعمالهم. ويؤكد هذا النص أن أي شرط يُعفي المدير من هذه المسؤولية يُعد لاغيًا، إذ لا يمكن لأي اتفاق أو شرط أن يتجاوز هذه المسؤولية القانونية، مما يضع المديرين أمام مسؤولية مطلقة تجاه حماية مصالح الشركة والشركاء.
التمييز بين المسؤولية الشخصية والمشتركة:
تحدد المادة كذلك نوعين من المسؤولية: الشخصية والمشتركة. وتكون المسؤولية شخصية إذا كانت المخالفة ناتجة عن تصرفات مدير بشكل فردي، أما المسؤولية المشتركة فتقع على جميع المديرين إذا صدر القرار بإجماعهم، ويُعفى المديرون الذين اعترضوا على القرار من المسؤولية المشتركة، شرط أن يُثبتوا اعتراضهم بشكل صريح في محضر الاجتماع. كما يُلاحظ أن الغياب عن الاجتماع لا يُعفي المدير من المسؤولية، إلا إذا تمكن من إثبات عدم علمه بالقرار الصادر أو عدم قدرته على الاعتراض بعد معرفته به، ويعزز هذا التمييز بين المسؤولية الشخصية والمشتركة من عدالة المحاسبة ويضمن عدم تحميل الأفراد تبعات قرارات لم يوافقوا عليها أو لم يكونوا على علم بها.
حق الشركة في التغطية التأمينية:
من المبادرات القانونية الإيجابية التي تقدمها المادة الثامنة والعشرون من النظام، إتاحة الحق للشركة في توفير تغطية تأمينية لمديرها طوال مدة عمله أو عضويته، ضد أي مسؤولية أو مطالبة تنشأ بسبب صفته، وتهدف هذه التغطية التأمينية إلى حماية المديرين من المخاطر القانونية التي قد تنشأ نتيجة قراراتهم أو تصرفاتهم، وتمنحهم الثقة اللازمة لممارسة صلاحياتهم بشكل مدروس ودون تردد، مع العلم بأن الشركة توفر لهم الحماية المطلوبة ضد المطالبات التي قد تؤثر على سلامتهم المالية والشخصية.
تعزيز المساءلة والحوكمة:
تضع هذه الأحكام إطارًا صارمًا يضمن المساءلة في حال وقوع مخالفات أو تصرفات تضر بمصالح الشركة أو الغير، وتعزز من ثقافة الحوكمة داخل الشركة، حيث تُلزم المديرين بممارسة أعمالهم بأعلى مستويات العناية والاحترافية، وتلزمهم بمراعاة مصالح الشركة والشركاء قبل أي اعتبار آخر. كما تساهم هذه الأحكام في توفير بيئة عمل مستقرة تنعكس إيجابًا على سمعة الشركة وتجعلها نموذجًا يُحتذى به في النزاهة والشفافية.
وختامًا،
إن المسؤولية التي يتحملها المديرون ليست مجرد واجب قانوني، بل هي مسؤولية أخلاقية تعكس التزامهم بحماية مصالح الشركة وحقوق الشركاء والمساهمين، فمن خلال الالتزام بأحكام المادة الثامنة والعشرين من نظام الشركات، يتمكن المديرون من ممارسة صلاحياتهم بثقة، مدعومين بتغطية تأمينية، بينما تظل الأطر القانونية الضامنة جاهزة لمحاسبتهم حال وقوع مخالفات أو تجاوزات تضر بمصلحة الشركة. وبذلك، تُسهم هذه الأحكام في تعزيز الحوكمة، وتوجيه مسار الشركة نحو النجاح المستدام.