في ظل التطورات الاقتصادية والتشريعية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يأتي نظام الإفلاس السعودي كإطار قانوني متكامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين مصلحة المدين في تجاوز تعثره المالي ومصلحة الدائنين في تحصيل مستحقاتهم بشكل عادل ومنظم. ومن بين الأدوات المهمة التي أتاحها النظام لتحقيق هذا الهدف إجراء التسوية الوقائية، الذي يتيح للمدين إمكانية إعادة ترتيب أوضاعه المالية بموافقة الدائنين وتحت إشراف المحكمة المختصة.
وإن التصويت والتصديق على مقترح التسوية الوقائية يمثلان حجر الزاوية في هذا الإجراء، إذ إن قبول المقترح من قبل الدائنين وتصديقه من المحكمة يترتب عليه آثار قانونية ملزمة تسهم في استمرار نشاط المدين التجاري، مع ضمان الحفاظ على حقوق الدائنين ضمن إطار قانوني يراعي معايير العدالة والشفافية. وعليه، فقد وضع النظام ضوابط وإجراءات دقيقة لإدارة عملية التصويت، بدءًا من تقديم المقترح وتصويت الدائنين عليه، مرورًا بشروط تصديق المحكمة على المقترح، وصولًا إلى الالتزامات التي يتحملها المدين بعد التصديق والآثار المترتبة على ذلك.
ولأهمية هذه المراحل في تحقيق أهداف النظام، يتناول هذا المقال بالبحث والتحليل إجراءات التصويت والتصديق على مقترح التسوية الوقائية وإجراءاته التفصيلية، والتصديق على المقترح وشروطه، بالإضافة إلى التزامات المدين بعد التصديق، والآثار القانونية المترتبة على اعتماد خطة التسوية الوقائية، وذلك بهدف تسليط الضوء على كيفية تنظيم النظام لهذه المراحل لضمان استقرار المعاملات المالية وتعزيز الثقة في بيئة الأعمال.
أولًا: ما المقصود بالتصويت على مقترح التسوية الوقائية؟
التصويت على مقترح التسوية الوقائية يعد مرحلة حاسمة في إجراء التسوية، حيث يعبر الدائنون أو الملاك عن رأيهم في المقترح الذي يقدمه المدين بشأن خطة التسوية. ووفقًا للمادة (16) من نظام الإفلاس السعودي، تلتزم المحكمة عند إصدار حكم افتتاح الإجراء بتحديد موعد للتصويت على مقترح التسوية الوقائية، بشرط ألا يتجاوز هذا الموعد مدة أربعين يومًا من تاريخ افتتاح الإجراء. كما يجوز للمحكمة تمديد هذه المدة لمرة واحدة أو أكثر على ألا يتجاوز التمديد أربعين يومًا أخرى، إذا قدرت المحكمة ضرورة ذلك.
ثانيًا: ما هي إجراءات التصويت على مقترح التسوية الوقائية؟
لم يحدد النظام مضمونًا ثابتًا لمقترح التسوية الوقائية، وإنما ترك الأمر مرنًا تبعًا لظروف كل حالة. ومع ذلك، أوجب النظام أن يتضمن المقترح بعض العناصر الأساسية، منها:
- نبذة عن الوضع المالي للمدين: تشمل ملخصًا عن أصول المدين، والتزاماته، والأثر الاقتصادي للوضع الراهن.
- تصنيف الدائنين إلى فئات: يتم التصنيف بناءً على طبيعة الديون وحجمها؛ لضمان عدالة التعامل مع الدائنين وتسهيل عملية التصويت.
ويقتصر الحق في التصويت على مقترح التسوية الوقائية على:
- الدائنين: الذين تتأثر حقوقهم المالية أو القانونية بالمقترح.
- الملاك: إذا كان المقترح يتضمن بنودًا تؤثر على حقوقهم في رأس المال أو الأرباح.
وقد حدد النظام واللائحة التنفيذية له تفاصيل دقيقة حول كيفية إدارة عملية التصويت وآليات قبول المقترح لضمان تحقيق معايير العدالة وحماية حقوق الأطراف.
-
التصويت من قبل الملاك والدائنين
وفقًا لما نصت عليه المادة الحادية والثلاثون من نظام الإفلاس، تبدأ عملية التصويت بإجراء المدين تصويتًا على المقترح من قبل الملاك (إن وجدوا) قبل دعوة الدائنين للتصويت عليه. ويشترط النظام موافقة الملاك باعتبارهم طرفًا ذا مصلحة في حال كان المقترح يتضمن ما يمس حقوقهم أو التزاماتهم المتعلقة بالمدين.
وبعد تصويت الملاك، يتم عرض المقترح على الدائنين للتصويت عليه. وتنص المادة على أن التصويت يُدار وفقًا للإجراءات المحددة في المقترح نفسه، مما يضفي مرونة في التعامل مع خصوصية كل حالة، مع مراعاة الالتزام بالقواعد العامة المنصوص عليها في النظام واللائحة التنفيذية.
-
شروط قبول المقترح
لا يُعتبر مقترح التسوية الوقائية مقبولًا إلا إذا حاز على موافقة كل فئة من فئات الدائنين. وقد حدد النظام معيارين أساسيين لاعتبار الفئة موافقة على المقترح، وهما:
- أن يصوت بالموافقة دائنون يمثلون ثلثي قيمة ديون المصوتين في الفئة ذاتها.
- أن تشمل هذه الأغلبية دائنين يمثلون أكثر من نصف قيمة ديون الأطراف غير ذوي العلاقة، إذا كان هناك أطراف من هذا النوع في الفئة.
ويهدف هذا التحديد الدقيق لمعايير الموافقة إلى ضمان تمثيل عادل لمختلف فئات الدائنين وعدم السماح للأطراف ذات العلاقة بالهيمنة على قرار الفئة بشكل يضر بالدائنين الآخرين.
-
إدارة عملية التصويت وتبليغ النتائج
وفقًا للمادة السابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام الإفلاس تسري قواعد إدارة الاجتماعات على إدارة عملية التصويت على المقترح. وبمجرد انتهاء عملية التصويت، يُلزم النظام المدين بإبلاغ الدائنين والملاك بنتيجة التصويت وإيداع النتيجة لدى المحكمة. وهذا الإجراء ضروري لتوثيق نتيجة التصويت رسميًا، ويُعد خطوة أساسية في السير نحو تصديق المحكمة على المقترح.
-
التعامل مع حالات تعذر التصويت
في حال تعذر إجراء التصويت في الموعد المحدد لأي سبب كان، منحت المادة الحادية والثلاثون من نظام الإفلاس للمحكمة صلاحية التصرف بما تراه مناسبًا في هذا الشأن. ويشمل ذلك:
- تحديد موعد جديد للتصويت.
- إنهاء الإجراء إذا رأت المحكمة أن التأخير في التصويت يعوق تحقيق أهداف التسوية الوقائية.
ويعكس هذا الإجراء الدور الرقابي للمحكمة في ضمان سير العملية وفقًا للأطر القانونية، ويمنحها مرونة في اتخاذ القرار المناسب لضمان تحقيق مصالح جميع الأطراف.
-
آليات تعديل خطة التسوية الوقائية
لم تغفل المادة الحادية والثلاثون عن إمكانية الحاجة إلى تعديل الخطة بعد التصويت، حيث نصت على أن آليات تعديل الخطة تُحدد من خلال اللائحة التنفيذية. ويُعد هذا الحكم ضروريًا لتوفير مرونة كافية في تعديل الخطة بما يتماشى مع الظروف المتغيرة للمدين أو الدائنين.
ثالثًا: ما المقصود بالتصديق على مقترح التسوية الوقائية؟
التصديق على مقترح التسوية الوقائية هو إجراء قانوني يُعبر عن موافقة المحكمة المختصة على المقترح الذي سبق وأن وافق عليه الدائنون وصوتوا لصالحه، وذلك ضمن إطار نظام الإفلاس. ويأتي هذا الإجراء في إطار الرقابة القضائية التي تهدف إلى ضمان العدالة وتحقيق التوازن بين مصلحة المدين والدائنين.
ووفقًا للمادة (22) من نظام الإفلاس، بعد موافقة الدائنين على المقترح، يتوجب على المدين التقدم إلى المحكمة بطلب التصديق عليه. ولضمان الشفافية وإتاحة الفرصة للدائنين لإبداء آرائهم بشأن الطلب، يُلزم المدين بإبلاغ الدائنين قبل تقديم طلب التصديق. ويجوز لأي دائن معترض أن يتقدم باعتراضه أمام المحكمة، شريطة أن تتوافر فيه الشروط التالية:
- أن يكون الدائن قد صوت ضد مقترح التسوية خلال جلسة التصويت.
- أن يعتقد الدائن، بناءً على أسباب معقولة، أن المقترح يلحق ضررًا بمصلحته.
ومنح النظام المحكمة سلطة تقديرية واسعة لقبول أو رفض التصديق على المقترح وفقًا لتقييمها لمدى التزام المقترح بمعايير العدالة. فإذا رأت المحكمة أن المقترح لا يراعي حقوق جميع الأطراف أو يتضمن إخلالًا بمبادئ العدالة، فإن لها الحق في رفض التصديق. ويأتي هذا في إطار حماية الدائنين من أي أضرار محتملة قد تنشأ عن تنفيذ المقترح.
رابعًا: ما هي شروط التصديق على مقترح التسوية الوقائية؟
لضمان تصديق المحكمة على مقترح التسوية الوقائية، أوجب نظام الإفلاس توافر عدد من الشروط والمعايير التي يجب أن يستوفيها المقترح، والتي تهدف إلى تحقيق العدالة وتوفير الحماية لكافة الأطراف المعنية. ووفقًا للمادة (25) من النظام، تتمثل هذه الشروط فيما يلي:
- مراعاة إجراءات التصويت: يجب أن تكون عملية التصويت على المقترح قد تمت وفقًا للإجراءات النظامية المنصوص عليها في نظام الإفلاس، والتي تضمن مشاركة الدائنين والتزامهم بما يصدر عن الاجتماع من قرارات.
- توفير معلومات وافية للدائنين: يلتزم المدين بتزويد الدائنين بمعلومات كافية لدراسة مقترح التسوية، بما يشمل تحليل الوضع المالي للمدين، وتوضيح البدائل المتاحة، ومقارنة تلك البدائل بما يقدمه المقترح من حلول. ويهدف هذا الشرط إلى تمكين الدائنين من اتخاذ قرار مستنير بشأن المقترح.
- مراعاة حقوق الدائنين: يجب أن يراعي المقترح حقوق الدائنين القائمة، وبخاصة فيما يتعلق بتقاسم الخسائر وتوزيع الضمانات والمزايا. ويُشترط أن يكون التعامل مع كافة فئات الدائنين بشكل عادل ومنصف، بما يضمن عدم تفضيل فئة على أخرى بشكل يضر بمصالح البعض.
وفي حالة عدم استيفاء هذه الشروط، يحق للمحكمة رفض التصديق على المقترح، سواء من تلقاء نفسها أم بناءً على اعتراض أحد الدائنين الذين صوتوا ضد المقترح. وتستند المحكمة في قرار الرفض إلى عدم التزام المقترح بمعايير العدالة المنصوص عليها في المادة (35) من النظام. كما أن رفض المحكمة للتصديق يترتب عليه إنهاء إجراء التسوية الوقائية، مما يعني العودة إلى الوضع السابق للإجراء أو اللجوء إلى افتتاح إجراء آخر يناسب حالة المدين، كإعادة التنظيم المالي أو التصفية.
خامسًا: ما هي التزامات المدين بعد تصديق المحكمة على مقترح التسوية الوقائية؟
عند تصديق المحكمة على مقترح التسوية الوقائية، يترتب على المدين مجموعة من الالتزامات القانونية، أبرزها:
- إبلاغ الدائنين: يلتزم المدين بإبلاغ الدائنين بقرار التصديق فور صدوره، بهدف إعلامهم بدخول المقترح حيز التنفيذ وتوضيح التزاماتهم وحقوقهم بموجبه.
- إيداع نسخة من القرار في سجل الإفلاس: ألزم النظام المدين بإيداع نسخة من قرار التصديق في سجل الإفلاس خلال مدة لا تتجاوز خمسة أيام من تاريخ صدور القرار. ويهدف هذا الإجراء إلى توثيق القرار وإتاحته للجهات المعنية للاطلاع عليه.
سادسًا: ما هي آثار تصديق المحكمة على مقترح التسوية الوقائية؟
يُعد تصديق المحكمة على مقترح التسوية الوقائية خطوة جوهرية في إجراءات التسوية الوقائية بموجب نظام الإفلاس، حيث يترتب عليه آثار قانونية مهمة تؤثر بشكل مباشر على المدين والدائنين، وتجعل خطة التسوية مُلزمة للطرفين. ويهدف هذا الإجراء إلى توفير حماية قانونية تُعزز من استقرار النشاط التجاري للمدين وتضمن التزام الأطراف المعنية بتنفيذ التزاماتهم المتفق عليها.
-
إلزامية خطة التسوية الوقائية للطرفين
عند تصديق المحكمة على مقترح التسوية الوقائية، يصبح المقترح خطة ملزمة للمدين والدائنين على حد سواء. وهذا الالتزام يُلزم المدين بتنفيذ بنود خطة التسوية وفقًا لما تم الاتفاق عليه مع الدائنين خلال جلسات التصويت والتصديق، كما يُلزم الدائنين بالتقيد بشروط الخطة وعدم اتخاذ أي إجراءات فردية ضد المدين خلال مدة سريان الإجراء. ويُعد هذا الإلزام أحد الآثار الأساسية لتصديق المحكمة، حيث يوفر الحماية القانونية للطرفين ويمنع أي تصرفات قد تضر بتنفيذ خطة التسوية.
-
استمرار التزامات المدين وفق الأنظمة الأخرى
أكدت المادة (33) من نظام الإفلاس على أن التصديق على مقترح التسوية الوقائية لا يُعفي المدين من التزاماته المتعلقة بنشاطه التجاري بموجب الأنظمة الأخرى. ويعني ذلك أن المدين يظل ملتزمًا بتنفيذ كافة التزاماته القانونية والتنظيمية الأخرى المنصوص عليها في الأنظمة ذات الصلة بنشاطه، مما يضمن استمرار عمله وفق الأطر النظامية المقررة.
على سبيل المثال، إذا كان المدين مُلزمًا بتقديم تقارير مالية أو الامتثال لمتطلبات تنظيمية أخرى بموجب أنظمة أخرى مثل نظام الشركات أو نظام الزكاة والضريبة، فإنه يظل ملتزمًا بها حتى بعد التصديق على خطة التسوية الوقائية. وهذا يعكس حرص المنظم السعودي على تحقيق التوازن بين استمرارية النشاط التجاري للمدين وضمان احترامه للالتزامات القانونية الأخرى.
-
حفظ نسخة من خطة التسوية الوقائية في سجل الإفلاس
رغم أن نظام الإفلاس لم ينص صراحةً على أثر قانوني محدد لإيداع نسخة من خطة التسوية الوقائية في سجل الإفلاس، إلا أن هذا الإجراء يُعد ضروريًا من الناحية العملية. ويُمكن اعتبار إيداع نسخة من الخطة في السجل بمثابة إجراء توثيقي يهدف إلى حفظ الحقوق وضمان الرجوع إلى الخطة عند الحاجة، خاصةً في حالة نشوء نزاعات أو خلافات بين الأطراف حول تنفيذ بنود التسوية.
وبهذا الصدد، فإن إيداع نسخة من الخطة في سجل الإفلاس يحقق هدفين رئيسيين:
- توثيق الخطة وحفظها رسميًا لضمان الرجوع إليها في حال حدوث أي اختلاف بين المدين والدائنين بشأن تفاصيل التنفيذ.
- تعزيز الشفافية بإتاحة الخطة للجهات ذات العلاقة، بما في ذلك الجهات الرقابية التي قد تكون معنية بمراقبة تنفيذ الخطة وضمان استمرارية النشاط التجاري للمدين وفقًا للأطر النظامية.
-
عدم الإعفاء من التزامات النشاط التجاري
من الجوانب المهمة التي يبرزها النظام في هذا الإطار، أن تصديق المحكمة على خطة التسوية الوقائية لا يؤدي إلى إعفاء المدين من التزاماته المتعلقة بمواصلة نشاطه التجاري. بل يظل المدين ملزمًا بالاستمرار في إدارة أعماله وتنفيذ التزاماته التجارية تجاه الأطراف المتعاقدة معه، بما يضمن استمرارية نشاطه وعدم تعريض حقوق الأطراف المتعاملة معه للخطر.
-
تعزيز الاستقرار القانوني والتجاري
إن أحد أبرز الآثار التي تترتب على تصديق المحكمة على خطة التسوية الوقائية هو تحقيق الاستقرار القانوني والتجاري. فمن خلال التصديق على الخطة، تُصبح العلاقات بين المدين والدائنين محكومة ببنود واضحة وملزمة، مما يقلل من احتمالية نشوء نزاعات أو دعاوى مستقبلية. كما يُسهم هذا الإجراء في توفير بيئة قانونية مستقرة تُعزز من استمرارية النشاط التجاري للمدين وتُحفز الأطراف المتعاملة معه على استمرار التعاون.
وفي الختام
يتضح أن إجراءات التصويت والتصديق على مقترح التسوية الوقائية وفقًا لنظام الإفلاس السعودي تُظهر مدى حرص المشرع السعودي على إرساء بيئة قانونية مستقرة تساهم في تعزيز الثقة في التعاملات التجارية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتغيرة التي قد تؤدي إلى تعثر المشاريع التجارية. كما أن التزامات المدين بعد تصديق المحكمة على المقترح تُعد دليلًا على مسؤولية المدين تجاه الدائنين في تنفيذ الخطة المعتمدة بكفاءة وشفافية، بما يعزز استقرار التعاملات المالية.
وإن الدور الرقابي للمحكمة في مختلف مراحل التسوية الوقائية، بدءًا من التصويت وانتهاءً بالتصديق، هو ما يمنح هذه الإجراءات قوتها القانونية وفاعليتها في الممارسة العملية، ويضمن في الوقت ذاته تحقيق الهدف الأسمى للنظام؛ وهو الحفاظ على استمرارية النشاط الاقتصادي مع احترام الحقوق النظامية للأطراف كافة.