ضوابط تسجيل العلامة التجارية

ضوابط تسجيل العلامة التجارية

اهم العناويين

لم يعد تسجيل العلامة التجارية مجرد إجراء إداري تُستهل به رحلة حماية المنتج أو الخدمة، بل أضحى نظامًا قانونيًا دقيقًا تحكمه اشتراطات ومراحل مترابطة، تُعالج بعناية من خلال نصوص متكاملة تضمن عدم قبول أي طلب إلا إذا استوفى المعايير النظامية. إذ بات الطريق إلى قيد العلامة في السجل الرسمي محفوفًا بضوابط نوعية تبدأ من التحقق من طبيعة العلامة وصفتها المميزة، وتمر بمصفوفة من الشروط المتعلقة بالصفة، والمصلحة، والشكل، والمضمون، ثم تخضع لرقابة فنية قبل الإعلان، وتنتهي إما باعتماد التسجيل أو برفضه بناءً على أسباب قانونية.

ومن خلال تحليل دقيق لنصوص نظام العلامات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولائحته التنفيذية، يتضح أن تسجيل العلامة التجارية يُبنى على ست لبنات متماسكة: تحديد مفهوم العلامة والأشكال المقبولة نظامًا، ثم بيان الموانع النظامية التي تحول دون التسجيل، يليها ضبط الجهات ذات الحق في تقديم الطلب، واستعراض مراحل وإجراءات القيد في السجل، ثم تنظيم حالة التنازع بين مقدمي الطلبات، وأخيرًا إدارة مرحلة الإعلان. ولا يترك هذا البناء المنهجي مجالًا للاجتهاد الشخصي أو القبول العشوائي، بل يرسم مسارًا قانونيًا صارمًا يُحتكم فيه إلى النص وحده، ويُعد الفيصل بين القبول النظامي والرفض القطعي.

ضوابط تسجيل العلامة التجارية
ضوابط تسجيل العلامة التجارية

أولًا: ما المقصود بالعلامة التجارية؟ وما الأشكال التي تُعتبر علامات تجارية وفقًا لنظام العلامات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي؟

في إطار تنظيم نظام العلامات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي لمسألة تسجيل العلامة التجارية، جاء تعريف العلامة في المادة (2) من النظام ليؤسس قاعدة معيارية تُبنى عليها جميع مراحل التسجيل، بدءًا من قبول الطلب وحتى اكتساب الحماية النظامية. إذ نصت هذه المادة على أن العلامة التجارية تشمل: “كل ما يأخذ شكلًا مميزًا من أسماء أو كلمات أو إمضاءات أو حروف أو رموز أو أرقام أو عناوين أو أختام أو رسوم أو صور أو نقوش أو تغليف أو عناصر تصويرية أو أشكال أو لون أو مجموعات ألوان أو مزيج من ذلك أو أية إشارة أو مجموعة إشارات، بشرط أن تُستخدم أو يُراد استخدامها لتمييز سلع أو خدمات منشأة عن غيرها، أو للدلالة على تقديم خدمة أو إجراء الفحص أو المراقبة للسلع أو الخدمات”.

وتُعد هذه الصياغة ذات طابع موسّع، إذ لم يحصر المنظم مفهوم العلامة في الصور التقليدية المعروفة، بل توسع ليشمل حتى العلامات غير التقليدية كالصوت والرائحة، والتي يمكن أن تكون – وفق ما ورد في ذات المادة – محل تسجيل العلامة التجارية، متى استوفت شروط القيد والحماية.

وتتجلى أهمية هذا التعريف الموسع عند تطبيقه على المرحلة الأولى من تسجيل العلامة التجارية، إذ يُطلب من الجهة المختصة – عند تلقي طلبات التسجيل – أن تتحقق أولًا من قابلية الشكل المعروض للتسجيل باعتباره علامة تجارية وفق هذا التعريف القانوني. فعدم تحقق هذه الصفة يستوجب رفض تسجيل العلامة التجارية فورًا، ولو استوفى الطلب باقي متطلباته الشكلية.

ويُستنتج من ذلك أن وصف العلامة لا ينفصل عن شرط القابلية للتمييز. فإذا انتفى عنصر التمييز في العلامة، انتفت معها قابلية تسجيل العلامة التجارية، وأصبح الطلب معرضًا للرفض دون الدخول في أي تفاصيل إضافية تتعلق بالمصلحة أو الأولوية.

كما يُعد إدخال عناصر غير تقليدية – مثل الرائحة أو الصوت – تطورًا نوعيًا في فهم مصطلح تسجيل العلامة التجارية، وهو ما يتيح للمنشآت توسيع استراتيجيات الحماية التجارية الخاصة بها.

 

ثانيًا: ما الحالات التي لا يجوز فيها تسجيل العلامة التجارية؟ وما الضوابط القانونية للرفض؟

في إطار تنظيم إجراءات تسجيل العلامة التجارية، أولى نظام العلامات التجارية الخليجي أهمية لحالات الرفض، باعتبارها أداة لحماية النظام العام، وضمان نزاهة السوق، ومنع التضليل أو اللبس في ذهنية المستهلك. وقد جاءت المواد (3) و (4) من النظام لتضع حدودًا للحالات التي لا يجوز فيها تسجيل العلامة التجارية، سواء لأسباب جوهرية تتعلق بطبيعة العلامة ذاتها، أم لأسباب تتعلق بمخالفة النظام العام أم المساس بحقوق الغير.

فوفقًا للمادة (3) من النظام، لا يجوز تسجيل العلامة التجارية إذا كانت خالية من أي صفة مميزة، أو إذا كانت مكونة من علامات أو بيانات ليست لها قوة تمييزية، مثل: الأسماء العامة للسلع أو الرسوم المألوفة أو التعبيرات العادية التي تُستخدم في مجرى التجارة. ويُعد غياب التميز سببًا أصيلًا لرفض تسجيل العلامة التجارية، إذ لا تتحقق الحماية النظامية إلا إذا كانت العلامة قادرة على التفريق بين المنتجات والخدمات.

كما تمنع ذات المادة تسجيل العلامة إذا كانت مضللة أو مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة، أو إذا تضمنت رموزًا أو شعارات رسمية مملوكة للدولة أو لمنظمات دولية أو لأية جهة حكومية، إلا بموافقة مسبقة. وهو ما يجعل فحص طلب تسجيل العلامة التجارية يخضع لتقييم قانوني دقيق يتجاوز الشكل إلى المضمون.

أما المادة (4) من النظام، فقد وسّعت من نطاق المنع لتشمل العلامات التي تتطابق أو تتشابه إلى درجة اللبس مع علامات سبق تسجيلها من قبل الغير، سواء للسلع أم الخدمات ذاتها أم القريبة منها، إذا كان من شأن ذلك أن يحدث لبسًا لدى الجمهور. ويشمل هذا الحظر كذلك العلامات المشهورة، حتى ولو لم تكن مسجلة في دول المجلس، متى كانت شهرتها سابقة على تقديم طلب تسجيل العلامة التجارية، وفق ما تقرره الجهة المختصة.

وفي ضوء ما سبق، فإن أي طلب يتضمن علامة تنطوي على تعارض مع علامة مشهورة أو مسجلة سابقًا، يكون معرضًا للرفض استنادًا إلى الفقرة (5) من المادة (4)، والتي قررت عدم جواز تسجيل العلامة إذا كانت تشكل تعديًا على حق الغير أو فيها تغرير بالجمهور.

وفي تأكيد هذه المبادئ، جاءت اللائحة التنفيذية في المواد (3)، (5)، و (6) لتُفصّل آليات الرفض، حيث أوجبت المادة (3) منها على الجهة المختصة (وزارة التجارة أو الهيئة السعودية للملكية الفكرية) التحقق من مطابقة الطلب للأحكام النظامية قبل السير في إجراءات تسجيل العلامة التجارية، واشترطت المادة (6) أن تُرفض الطلبات التي تخالف أحكام النظام، مع إبلاغ صاحب الطلب بالأسباب النظامية للرفض، خلال مدة لا تتجاوز تسعين يومًا من تاريخ تقديمه، وهي مدة ذات طبيعة تنظيمية صارمة.

ومنحت المادة (6) من اللائحة صاحب الطلب المُرفوض حق الرد على ملاحظات الجهة المختصة خلال تسعين يومًا من تاريخ إبلاغه، مما يمنح إجراء تسجيل العلامة التجارية طابعًا تفاعليًا لا يقتصر على القرار الأحادي، بل يسمح بالمرافعة الشكلية.

ويُلاحظ من مجموع هذه النصوص أن تسجيل العلامة التجارية لا يُعدّ حقًا مكتسبًا بمجرد تقديم الطلب، بل هو إجراء خاضع لمجموعة من المعايير النظامية الدقيقة، التي تراعي المصلحة العامة، وتحمي المستهلك، وتحافظ على توازن السوق.

كما أن فحص الطلبات لا يتم فقط بناءً على التشابه البصري أو السمعي بين العلامات، بل يمتد إلى التشابه في المعنى والدلالة التجارية، ما يعني أن عملية تسجيل العلامة التجارية تتطلب خبرة قانونية وفنية عالية لدى الجهة المختصة لضمان عدالة القرار.

 

ثالثًا: من يملك الحق في تقديم طلب تسجيل العلامة التجارية؟

في إطار تنظيمه المتكامل لمراحل وإجراءات تسجيل العلامة التجارية، أفرد نظام العلامات التجارية الخليجي حكمًا صريحًا في المادة (5) لتحديد من يملك الحق القانوني في تقديم طلب تسجيل العلامة التجارية، وذلك حمايةً للصفة والمصلحة القانونية، وضبطًا لمركز صاحب الطلب أمام الجهة المختصة.

فنصت المادة (5) من النظام على أن الحق في تقديم طلب تسجيل العلامة التجارية يثبت لأي شخص طبيعي أو اعتباري، من مواطني دول مجلس التعاون، أو المقيمين فيها، أو ممن لهم نشاط فعلي في إحدى دول المجلس. كما يجوز لغير مواطني دول المجلس تقديم طلباتهم متى كانت دولهم تمنح المعاملة بالمثل. وهو ما يعكس تبنّي النظام لمبدأ الانفتاح المقيد بشرط التبادلية.

ويتضح من هذا النص أن تسجيل العلامة التجارية لا يُشترط فيه اكتساب الجنسية الخليجية، بل يكفي أن يكون مقدم الطلب شخصًا ذا صفة قانونية وله نشاط حقيقي داخل إحدى دول المجلس، أو أن يستفيد من اتفاقية دولية أو مبدأ المعاملة بالمثل، متى كان ذلك ثابتًا.

وفي دعم لهذه الضوابط، جاءت المادة (2) من اللائحة التنفيذية لتؤكد أن طلب تسجيل العلامة التجارية يجب أن يُقدم من صاحب الحق أو من ينوب عنه قانونًا، وأن يتضمن اسم مقدم الطلب وصفته ونشاطه، بالإضافة إلى بيان مفصل بالسلع أو الخدمات المطلوب تسجيل العلامة التجارية عنها. كما شددت على ضرورة إرفاق ما يثبت الشخصية القانونية لمقدم الطلب، سواء كان شخصًا طبيعيًا أم اعتباريًا.

وبذلك، فإن الأصل في تقديم طلب تسجيل العلامة التجارية هو أن يكون مقدم الطلب ذا صفة ومصلحة قانونية، وأن يكون طلبه مبنيًا على علاقة حقيقية بالعلامة سواء من حيث الاستخدام أم النية الجادة في استخدامها. كما أن مفهوم النشاط الفعلي يُضفي طابعًا موضوعيًا على الطلب، بحيث لا يُعتد بطلبات الغرض منها الحجز أو التضليل أو مجرد حجز العلامة.

كما أن الجهة المختصة تحتفظ بصلاحية تقدير مدى جدية النشاط ومدى ارتباطه بالسلع أو الخدمات المطلوب تسجيل العلامة التجارية عنها، وهو ما يضع مسؤولية مزدوجة على مقدم الطلب: من جهة، تقديم بيانات دقيقة ومتكاملة، ومن جهة أخرى، تبرير العلاقة الفعلية بين نشاطه والعلامة.

ويُستنتج مما سبق أن تحديد من يملك الحق في تقديم طلب تسجيل العلامة التجارية لم يُترك لتقدير الأطراف، بل نظّمه النظام بضوابط صريحة تحول دون تقديم الطلبات الصورية أو الكيدية أو تلك التي تهدف إلى تعطيل المنافسين.

ومن ثم، فإن أي طلب يخالف هذه الضوابط يكون معرضًا للرفض الإداري قبل حتى الدخول في تقييم شكل العلامة أو مدى تميزها، مما يُبرز أن صفة مقدم الطلب ليست مسألة شكلية بل جوهرية في مسار تسجيل العلامة التجارية.

 

رابعًا: ما إجراءات تقديم طلب تسجيل العلامة التجارية؟ وكيف يُقيّد في سجل العلامات التجارية؟

عند الحديث عن تسجيل العلامة التجارية، لا يكتمل الإطار القانوني دون الإشارة إلى الإجراءات الدقيقة التي تحكم عملية تقديم الطلب، ومراحله المتعاقبة من التقديم إلى القيد في السجل الرسمي.

فقد نصت المادة (8) من النظام على أن تسجيل العلامة التجارية يتم بناءً على طلب يُقدم إلى الجهة المختصة، وفق الشروط والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية. ويجب أن يتضمن هذا الطلب نموذج العلامة، وبيان السلع أو الخدمات المرتبطة بها، والبيانات الخاصة بمقدم الطلب، وأن يُرفق بما يثبت سداد الرسوم المقررة. وهنا يتجلى الطابع النظامي والإجرائي الذي يحكم مرحلة تقديم طلب تسجيل العلامة التجارية، حيث لا يُقبل الطلب إلا مستوفيًا لجميع البيانات والمرفقات.

وتُفصّل المادة (4) من اللائحة الشروط الشكلية الواجب توافرها في طلب تسجيل العلامة التجارية، وتُلزم مقدم الطلب بتعبئة النموذج الإلكتروني المعتمد، مرفقًا بمستندات إثبات الشخصية أو الصفة القانونية، وتحديد واضح للسلع أو الخدمات وفق التصنيف الدولي المعتمد. كما تُشترط نسخة واضحة من العلامة، وبيان لغوي إذا كانت العلامة مكونة من لفظ بلغة أجنبية.

ثم تنتقل الجهة المختصة بعد ذلك إلى مرحلة الفحص، وهي مرحلة منصوص عليها في المادة (6) من اللائحة، والتي تقضي بأن تقوم الجهة المختصة بفحص طلب تسجيل العلامة التجارية للتأكد من مطابقتها لأحكام النظام، ولا سيما فيما يتعلق بالتمييز وعدم التعارض مع العلامات المسجلة. فإذا تبين لها وجود نقص أو مانع نظامي، تعيّن عليها إخطار مقدم الطلب خلال تسعين يومًا من تاريخ إبلاغه لتلافي الأسباب، وإلا عُدّ الطلب مرفوضًا.

وفي حال اجتياز الطلب للفحص، تنتقل الجهة المختصة إلى مرحلة الإعلان، ثم القيد في السجل، وذلك وفقًا لما تقرره المادة (9) من النظام، التي تقضي بأن يتم قيد العلامة في سجل العلامات التجارية، بعد انقضاء أجل الاعتراض، أو بعد الفصل في الاعتراض المقدم، إذا لم يتم رفض الطلب.

ويترتب على قيد العلامة في السجل – وهو آخر مراحل إجراءات تسجيل العلامة التجارية – منح مالكها الحماية القانونية المقررة بموجب النظام، ويُصبح له من تاريخ التسجيل الحق الحصري في استعمال العلامة ومنع الغير من التعدي عليها.

ويتجلى من هذا التسلسل النظامي أن إجراءات تسجيل العلامة التجارية لا تقوم على مجرد ملء نموذج أو دفع رسوم، بل تمر بمراحل دقيقة تشمل التقديم، ثم التحقق من الصفة، ثم فحص الشكل والمضمون، ثم إعلان القبول، ثم معالجة الاعتراضات، ثم القيد الرسمي في السجل.

 

خامسًا: ماذا يحدث عند تنازع عدة أطراف على علامة واحدة؟

يشكّل تنازع الأطراف على العلامة التجارية إحدى أبرز الإشكاليات التي قد تعترض إجراءات تسجيل العلامة التجارية، خاصةً في الحالات التي يتقدم فيها أكثر من شخص بطلب تسجيل العلامة نفسها أو علامة متقاربة من حيث الشكل أو المعنى أو الفئة السلعية. وقد تناول نظام العلامات التجارية هذه المسألة بتفصيل دقيق، مقرّرًا قواعد فاصلة تعزز من عدالة مسار التسجيل، وتمنع التعارضات النظامية بين أصحاب الحقوق المحتملين.

فقد نصت المادة (10) من النظام على أنه في حال تقدم أكثر من شخص بطلب تسجيل العلامة التجارية ذاتها أو لعلامات متقاربة على سلع أو خدمات متماثلة أو مشابهة، يكون البت في هذا التعارض من اختصاص الجهة المختصة، على أن تفصل في النزاع بعد سماع أقوال الأطراف أو إحالتهم إلى الجهة القضائية المختصة.

وقد دعّمت المادة (5) من اللائحة التنفيذية هذا التوجه، بأن أوجبت على الجهة المختصة – عند تلقي طلبات تسجيل متعددة على علامة واحدة أو متقاربة – إخطار جميع مقدمي الطلبات بوجود تعارض، ومنحهم الفرصة لتقديم مذكراتهم أو مستنداتهم خلال مدة محددة. كما يجوز لهم، بموجب هذه المادة، التنازل أو الاتفاق فيما بينهم، على نحو يُنهي النزاع قبل اللجوء إلى الجهة المختصة للفصل فيه.

ويُعد هذا التنظيم أحد مظاهر مرونة النظام، إذ لا يفرض طريقًا واحدًا لحسم النزاع، بل يُتيح لأطراف التعارض تسوية المسألة رضائيًا، قبل تفعيل سلطات الفصل النظامي أو القضائي.

كما أن الجهة المختصة ملزمة – قبل البت في النزاع – بتقييم موضوعي لعنصر التميز، وتاريخ الاستخدام الفعلي للعلامة، ومدى شهرتها، وسبق تسجيلها في دول أخرى، وهو ما يجعل قرارها بشأن تسجيل العلامة التجارية معتمدًا على أساس وقائعي وقانوني متكامل.

ويُلاحظ كذلك أن النظام لم يربط الفصل في التعارض بمبدأ الأولوية في الإيداع بشكل مطلق، بل قدّم اعتبارات أخرى أكثر أهمية مثل الاستعمال الفعلي للعلامة، أو سبق التقديم المتلازم مع حسن النية، مما يمنح الجهة المختصة مساحة من التقدير الموضوعي لتحديد الجدارة القانونية بالتسجيل.

 

سادسًا: ما أثر الإعلان عن قبول العلامة التجارية؟

بعد أن تُنهي الجهة المختصة فحص طلب تسجيل العلامة التجارية، وتتيقن من استيفائه لكافة المتطلبات النظامية، تنتقل الإجراءات إلى مرحلة حاسمة تمثل نقطة التحول من الفحص الإداري إلى الفضاء العام، وهي مرحلة الإعلان عن قبول العلامة التجارية، التي تُعد اختبارًا علنيًا لسلامة التسجيل، وفرصة نهائية لمن يرى في التسجيل مساسًا بحقوقه، كي يتقدم باعتراضه خلال المدة القانونية.

وقد نصت المادة (14) من نظام العلامات التجارية على أن الجهة المختصة تُعلن عن قبول طلب تسجيل العلامة التجارية – سواء كان القبول نهائيًا أم معلقًا على شرط – في النشرة الرسمية المعدة لذلك، وذلك لمدة تسعين يومًا. وخلال مدة ستين يومًا من تاريخ النشر، يحق لكل ذي مصلحة أن يعترض على التسجيل، ويُقدَّم الاعتراض كتابة، مشفوعًا بالمستندات المؤيدة، إلى الجهة المختصة مباشرة.

وتهدف هذه المهلة إلى تمكين الغير من ممارسة حقه المشروع في الطعن قبل أن تترتب الآثار القانونية لتسجيل العلامة التجارية، وتُعد هذه المرحلة ضامنة لتكافؤ الفرص، ولتحقيق التوازن بين الحق في التسجيل وحقوق الغير المحتملة.

وفي هذا الإطار، تُفصّل المادة (10) من اللائحة التنفيذية إجراءات الإعلان، حيث توجب على الجهة المختصة نشر مضمون طلب تسجيل العلامة التجارية المقبول، متضمنًا رقم الطلب، واسم مقدم الطلب، وصورة العلامة، وتحديد السلع أو الخدمات التي يشملها الطلب. كما تُلزِم بنشر الإعلان عبر الوسائل المعتمدة، بما يضمن الوصول العام إلى المعلومة، ويمنع التحايل أو الإخفاء.

 

   وختامًا،

فإن مسار تسجيل العلامة التجارية في نظام العلامات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي لا يقتصر على استيفاء نموذج أو دفع رسوم، بل هو منظومة متكاملة من الشروط والضوابط التي تبدأ من تعريف العلامة ذاته، وتمر عبر بوابات دقيقة من الفحص، والتحقق، والتقاطع مع حقوق الغير، وتنتهي بمرحلة الإعلان، ليبقى القيد في السجل ختامًا لمن اجتاز تلك المراحل القانونية بشفافية وامتثال. ولا يُتصور نجاح هذا المسار دون وعي قانوني دقيق من مقدم الطلب، وتفصيل دقيق للبيانات، ومتابعة لكل مرحلة من مراحل الإجراء. وتأسيسًا على ذلك، فإن التوصية الأجدر بالتنفيذ هي: إعداد ملف تسجيل العلامة التجارية من خلال مستشار قانوني متخصص، يتولى فحص مدى تميز العلامة، والتثبت من خلوّها من الموانع النظامية، وضمان استيفائها لكافة الشروط النظامية، قبل تقديم الطلب رسميًا، بما يُعزز فرص القبول، ويُجنب الوقوع في مسالك الرفض الإجرائي أو الموضوعي.

للتواصل معنا

ضوابط تسجيل العلامة التجارية
ضوابط تسجيل العلامة التجارية
شارك المقالة :

الكلمات المفتاحية

اترك تعليقك

Post Your Comment