تُعتبر شركة التوصية البسيطة أحد الأشكال القانونية التي تتيحها الأنظمة التجارية في السعودية، وتتميز بتوفيرها بيئة تجمع بين الشراكة مع تحمل المخاطر المحدودة لبعض الشركاء، ويشمل هذا النوع من الشركات فئتين من الشركاء: المتضامنون الذين يتحملون المسؤولية الكاملة عن التزامات الشركة وديونها، والموصون الذين تقتصر مسؤوليتهم على حصصهم في رأس المال، مما يجعلها خيارًا لمن يرغب في الاستثمار مع قدر محدود من المخاطر.
أولًا: ماذا تعني شركة التوصية البسيطة؟
وفقًا للمادة الحادية والخمسين من نظام الشركات السعودي ، فإن شركة التوصية البسيطة تتألف من فئتين من الشركاء:
الشركاء المتضامنون:
وهم الشركاء الذين يتحملون المسؤولية التضامنية والشخصية عن جميع ديون الشركة والتزاماتها، ويكون كل منهم مسؤولًا في جميع أمواله عن هذه الالتزامات، ويشترط أن يكون هناك على الأقل شريك واحد متضامن، سواء أكان طبيعيًا أم اعتباريًا. وتُلزم هذه المسؤولية التضامنية الشركاء المتضامنين بتحمل كامل المخاطر المالية المتعلقة بالشركة، مما يضمن للدائنين ثقة أكبر في التعامل مع الشركة.
الشركاء الموصون:
يمثلون الفئة الثانية من الشركاء، ويقتصر دورهم على المساهمة المالية في رأس مال الشركة دون تحمل المسؤولية عن ديون الشركة والتزاماتها إلا في حدود حصصهم. ويشترط وجود شريك واحد موصي على الأقل، ولا يكتسب الشريك الموصي صفة التاجر، وبالتالي لا يخضع للالتزامات التجارية التي يخضع لها الشركاء المتضامنون، مما يحميه من المخاطر المرتبطة بالشركة.
وبذلك، تُعد شركة التوصية البسيطة نموذجًا يجمع بين المرونة في الشراكة وتوزيع المسؤوليات، إذ تتيح للأشخاص الانضمام كمستثمرين دون تحمل المسؤولية الشخصية عن ديون الشركة، بينما يخضع الشركاء المتضامنون لأحكام شركة التضامن.
ثانيًا: ما هي متطلبات تأسيس شركة التوصية البسيطة في السعودية؟
وضع نظام الشركات السعودي مجموعة من المتطلبات الأساسية، لضمان تأسيس شركة التوصية البسيطة بصورة نظامية، منها:
أ- اختيار اسم شركة التوصية البسيطة:
يُعد اختيار اسم الشركة من الخطوات الأساسية، حيث يجب أن يكون الاسم باللغة العربية أو بلغة أخرى، مع إمكانية أن يُستمد من غرض الشركة أو اسم أحد الشركاء الحاليين أو السابقين، وينبغي أن يكون الاسم متوافقًا مع نظام الأسماء التجارية والأنظمة المعمول بها في المملكة، ويهدف هذا الشرط إلى تعزيز الشفافية، حيث يُصبح اسم الشركة هويةً قانونية تُميّزها عن غيرها وتُعرف به لدى الأطراف الأخرى.
ب- كتابة عقد تأسيس شركة التوصية البسيطة:
يُشترط لصحة شركة التوصية البسيطة أن يتم توثيق عقد التأسيس كتابةً، وإلا كانت الشركة باطلة من الناحية القانونية، ويجب أن يكون عقد التأسيس باللغة العربية، مع جواز إرفاق ترجمة إلى لغة أخرى. ويتعين أن يحتوي عقد التأسيس على مجموعة من البيانات الأساسية، التي تشمل:
- أسماء الشركاء وبياناتهم.
- اسم الشركة والمركز الرئيسي.
- غرض الشركة.
- السنة المالية وتاريخ بدايتها ونهايتها.
- مدة الشركة.
- إدارة الشركة وصلاحيات المديرين.
- آلية اتخاذ قرارات الشركاء والنصاب اللازم لصدورها.
- توزيع الأرباح والخسائر بين الشركاء.
- إجراءات انقضاء الشركة.
- رأس مال الشركة وتوزيع الحصص بين الشركاء، وموعد استحقاقها.
- أي شروط أو أحكام إضافية يتفق عليها الشركاء بما لا يتعارض مع النظام.
ويشكل عقد التأسيس حجر الزاوية في تأسيس الشركة، حيث يحدد العلاقة القانونية بين الشركاء ويضمن توافق الشركة مع الأنظمة، مما يعزز من الثقة في تعاملات الشركة مع الشركاء والجهات الخارجية.
ج- رأس مال الشركة وحصص الشركاء:
يُحدد رأس مال الشركة من الحصص النقدية أو العينية المقدمة من الشركاء، والتي تشكل رأس المال الأساسي للشركة، ويسمح النظام بأن يقدم الشركاء حصصًا أو أسهمًا نقدية أو عينية، أو كليهما معًا. كما يمكن أن تُمنح الحصص مقابل خدمات تعود بالنفع على الشركة وتحقق أهدافها.
وتنطبق على حصص الشركاء مجموعة من القواعد التي تضمن حماية حقوقهم وحقوق الشركة، كالتالي:
- إذا كانت الحصة عينية (ملكية أو منفعة أو حق عيني آخر)، يكون الشريك مسؤولًا عنها كضمان الحصة في حالة الهلاك أو العيوب.
- إذا كانت الحصة عبارة عن عمل، يكون الشريك ملزمًا بتقديم هذا العمل للشركة، ويعود أي كسب ناتج عنه للشركة، ما لم يتفق على خلاف ذلك.
كما يُلزم النظام الشركاء بتقديم حصصهم وفق الأجل المحدد، ويمنح الشركة حق تعليق حقوق الشريك المتأخر عن تقديم حصته، بما في ذلك الحق في الحصول على أرباح أو التصويت، مع حق الشركة في المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناتجة.
ثالثًا: كيف تؤسس شركة التوصية البسيطة في السعودية؟
يتم تأسيس شركة التوصية البسيطة في السعودية من خلال خدمة إلكترونية شاملة، تتيح للمستثمرين ورجال الأعمال تأسيس شركتهم وإصدار كافة التصاريح والتراخيص اللازمة لبدء نشاطهم التجاري.
وتتضمن عملية تأسيس شركة التوصية البسيطة سلسلة من الخطوات المنظمة التي تُمكن المؤسسين من تسجيل شركتهم، وفيما يلي استعراض شامل لهذه الخطوات:
إصدار السجل التجاري وعقد التأسيس:
تبدأ عملية تأسيس الشركة بإصدار السجل التجاري، وهو الخطوة الأولى التي تتيح للشركة ممارسة نشاطها التجاري بشكل رسمي وقانوني. كما يتم إصدار عقد التأسيس، والذي يتضمن الشروط والأحكام الأساسية التي تحكم العلاقة بين الشركاء، ويحدد مسؤوليات كل من الشريك المتضامن والشريك الموصي، ويعد الوثيقة الرسمية التي توضح حقوق والتزامات الشركاء.
إصدار الرخصة التجارية الفورية (اختياري):
بعد إصدار السجل التجاري يمكن للمستثمرين الحصول على رخصة تجارية فورية، والتي تعد خيارًا اختياريًا يسمح للمؤسسين ببدء نشاطهم التجاري بشكل مباشر.
فتح ملف منشأة لدى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية:
يُعد فتح ملف منشأة لدى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية خطوة هامة تضمن للشركة القدرة على استقدام الكوادر البشرية المطلوبة، ويتيح هذا الإجراء للشركة تسجيل موظفيها وضمان التزامها بكافة الأنظمة واللوائح المتعلقة بالعمالة والشؤون الاجتماعية.
التسجيل في الزكاة من خلال هيئة الزكاة والضريبة والجمارك:
يُعتبر التسجيل في الزكاة إجراءً إلزاميًا لكافة الشركات في المملكة، حيث يتوجب على الشركة تسجيل نفسها لدى هيئة الزكاة والضريبة والجمارك عبر بوابتها الإلكترونية، ويضمن هذا الإجراء التزام الشركة باللوائح الضريبية والمالية، مما يعزز من شفافيتها ويجنبها أية مخالفات قانونية.
التسجيل في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية:
يأتي التسجيل في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية كخطوة رئيسية لضمان حقوق الموظفين وتأمينهم اجتماعيًا، ويسمح هذا التسجيل للشركة بتسجيل موظفيها في نظام التأمينات الاجتماعية، مما يوفر لهم مزايا التقاعد والتأمين ضد المخاطر المهنية.
التسجيل في العنوان الوطني لدى البريد السعودي (سُبل):
يعد التسجيل في العنوان الوطني من المتطلبات الأساسية، حيث يوفر العنوان الرسمي للشركة ويُمكنها من التواصل بشكل فعال مع الهيئات الحكومية، ويتم تسجيل الشركة لدى البريد السعودي (سُبل) لضمان تحديد عنوان واضح ومعتمد يمكن للجهات الرسمية والمستثمرين استخدامه للتواصل مع الشركة.
التسجيل في الغرف التجارية:
تعتمد الشركة التسجيل في الغرفة التجارية وفقًا لموقعها الجغرافي، حيث يوفر هذا التسجيل ميزة إضافية للشركة، ويتيح لها التفاعل مع مختلف القطاعات التجارية وتوسيع شبكة علاقاتها التجارية، ويعد هذا التسجيل أيضًا متطلبًا قانونيًا لاستكمال عملية تأسيس الشركة، ويعزز من قدرتها على المشاركة في الأنشطة التجارية المحلية.
رابعًا: ما هي حدود صلاحيات الشريك الموصي في إدارة شركة التوصية البسيطة؟
حددت المادة الثالثة والخمسون من نظام الشركات صلاحيات الشريك الموصي بوضوح، مما يضمن عدم تضارب المسؤوليات ويعزز من وضوح أدوار كل فئة من الشركاء:
الاطلاع على سير الأعمال:
يحق للشريك الموصي، أو من يفوضه، الاطلاع مرتين خلال السنة المالية على سير أعمال الشركة وفحص السجلات والوثائق المالية، بالإضافة إلى استخراج بيان موجز عن الحالة المالية للشركة، ويوفر هذا الحق الشفافية للشريك الموصي ويضمن له متابعة استثماراته دون التدخل في الإدارة اليومية.
التقييد في الإدارة الخارجية:
تمنع المادة الثالثة والخمسون الشريك الموصي من التدخل في أعمال الإدارة الخارجية للشركة، حتى وإن صدر له توكيل. وفي حال تدخله في الإدارة الخارجية، فإنه يُصبح مسؤولًا شخصيًا عن ديون الشركة والتزاماتها بالتضامن مع الشركاء المتضامنين. ويُسمح للشريك الموصي بالمشاركة في الإدارة الداخلية فقط وفق ما ينص عليه عقد تأسيس الشركة، على أن يلتزم بعدم القيام بأعمال قد توحي للغير بأنه شريك متضامن، وإلا فسيُعتبر مسؤولًا في مواجهة الغير عن التزامات الشركة بصفته شريكًا متضامنًا.
خامسًا: هل يمكن إنشاء جمعية عامة للشركاء في شركة التوصية البسيطة؟
تسمح المادة الرابعة والخمسون للشركاء المتضامنين والموصين في شركة التوصية البسيطة بالاتفاق على تأسيس جمعية عامة تُنظم اجتماعاتها وتحدد اختصاصاتها وإجراءات انعقادها في عقد تأسيس الشركة، وتُعد هذه الجمعية أداة مهمة تتيح للشركاء التعبير عن آرائهم في إدارة الشركة واتخاذ القرارات العامة، بما يعزز من الشفافية ويتيح إطارًا تنظيميًا يُسهم في استقرار الشركة.
سادسًا: ما هي مزايا شركة التوصية البسيطة؟
تتمتع شركة التوصية البسيطة من خلال تنظيمها القانوني، بعدة مزايا تُشجع على اعتمادها كخيار استثماري:
مرونة الشراكة وتوزيع المسؤولية:
تسمح شركة التوصية البسيطة للأفراد بالاستثمار بصفة الشريك الموصي دون تحمل مسؤولية قانونية عن ديون الشركة، بينما يوفر وجود الشركاء المتضامنين ضمانًا أكبر للدائنين، مما يخلق بيئة استثمارية مرنة ومطمئنة للأطراف.
إتاحة فرص استثمارية أوسع:
بفضل حماية المسؤولية المحدودة للشركاء الموصين، فإن شركة التوصية البسيطة تجذب المستثمرين الذين يرغبون بالمساهمة دون تحمل مخاطر كبيرة، مما يتيح للشركة فرصة الحصول على تمويل إضافي وتوسيع قاعدة الشركاء.
وضوح الأدوار والمسؤوليات:
يتميز هذا النوع من الشركات بوضوح الأدوار والمسؤوليات، من خلال الفصل بين صلاحيات الشريك المتضامن والشريك الموصي، مما يعزز من استقرار الشركة ويقلل من فرص النزاعات الداخلية.
سابعًا: كيف يتم اتخاذ القرارات بين الشركاء المتضامنين والموصين في شركة التوصية البسيطة؟
نظمت المادة الخامسة والخمسون آلية اتخاذ القرارات في شركة التوصية البسيطة، حيث تميز بين نوعين من القرارات وتحدد كيفية التصويت عليها:
تعديل عقد تأسيس الشركة:
تتطلب القرارات المتعلقة بتعديل عقد التأسيس إجماع الشركاء المتضامنين، إلى جانب موافقة مالكي أغلبية رأس المال الخاص بالشركاء الموصين، مما يضمن توافق الأطراف الأساسية على أي تغيير يؤثر على أساسيات الشركة وكيانها القانوني.
القرارات الأخرى:
بالنسبة للقرارات غير المتعلقة بتعديل العقد التأسيسي، يتم اتخاذها بموافقة الأغلبية العددية للشركاء المتضامنين، مما يمنحهم القدرة على اتخاذ القرارات التشغيلية والتنظيمية اللازمة لإدارة الشركة بشكل فعال وسريع.
ولحماية التوازن بين الشركاء، تمنع المادة الخامسة والخمسون الشريك الموصي من طلب حل الشركة أو التصويت على تعيين أو عزل المدير، حيث تُعتبر هذه الصلاحيات من اختصاصات الشركاء المتضامنين، بما يعكس الحماية لدور الشركاء الموصين كمستثمرين دون تدخل مباشر في إدارة الشركة أو التأثير على استمراريتها.
ثامنًا: ما هي شروط التنازل عن الحصص في شركة التوصية البسيطة؟
تتناول المادة السادسة والخمسون أحكام التنازل عن الحصص في شركة التوصية البسيطة، لتضمن توازنًا دقيقًا بين مرونة نقل الحصص وحماية الشركاء:
تنازل الشريك الموصي عن حصصه:
يحق للشريك الموصي التنازل عن كامل حصصه أو جزء منها لأي من الشركاء الآخرين في الشركة. أما التنازل للغير، فيشترط موافقة جميع الشركاء المتضامنين، بالإضافة إلى موافقة مالكي أغلبية رأس المال الخاص بالشركاء الموصين، ما لم ينص عقد التأسيس على خلاف ذلك، وذلك لضمان قبول الأطراف الأساسية لأي طرف جديد قد يؤثر على استقرار الشركة.
تنازل الشريك المتضامن عن حصصه:
يمكن للشريك المتضامن أيضًا التنازل عن حصصه لشريك موصٍ أو لطرف ثالث، مع ضرورة موافقة جميع الشركاء المتضامنين ومالكي أغلبية رأس المال الخاص بالشركاء الموصين، بما يعكس أهمية موافقة الأطراف كافة لتجنب أي تأثيرات سلبية على سير العمل.
مسؤولية المتنازل له عن الحصة غير المقدمة:
في حالة عدم تقديم الشريك الموصي لحصته في رأس المال قبل التنازل عنها، تترتب المسؤولية على المتنازل له، حيث يصبح ملزمًا بتقديم الحصة في موعدها، وتضمن هذه الأحكام التزام الشركاء الجدد بواجباتهم المالية وتحد من أي تعطيل قد يواجه الشركة.
إدخال شركاء جدد:
يجوز إدخال شركاء متضامنين أو موصين جدد إلى الشركة، بشرط موافقة جميع الشركاء المتضامنين، دون الحاجة إلى موافقة الشركاء الموصين، إلا إذا كان عقد التأسيس يشترط خلاف ذلك، مما يعكس مرونة النظام في توسع الشركة وإدخال شركاء جدد وفق احتياجاتها.
تاسعًا: هل تنقضي شركة التوصية البسيطة بوفاة أحد الشركاء الموصين أو انسحابه؟
توفر المادة السابعة والخمسون ضمانات لاستمرارية شركة التوصية البسيطة حتى مع وفاة أحد الشركاء الموصين أو الحجر عليه أو إعساره، حيث تنص على أن الشركة لا تنقضي تلقائيًا بمثل هذه الحالات، ما لم ينص عقد التأسيس على خلاف ذلك. ويعكس هذا النص قوة استمرارية الشركة ومرونتها أمام التغيرات الطارئة على أوضاع الشركاء الموصين، مما يحمي استقرار الشركة ويمنح الشركاء المتضامنين الثقة في استمراريتها.
وختامًا
تتميز شركة التوصية البسيطة في نظام الشركات بنظام قانوني يجمع بين المرونة في الشراكة والمسؤولية المحدودة للشركاء الموصين، مما يوفر بيئة عمل متوازنة ومستقرة، فمن خلال تنظيم دقيق لآليات اتخاذ القرارات، والتنازل عن الحصص، وحالات الانقضاء، تتيح شركة التوصية البسيطة للشركاء التفاعل بمرونة مع التغيرات التنظيمية والاستثمارية مع المحافظة على هيكل الشركة وثباتها.