شركة التضامن
من أبرز أشكال الشركات التي نظمها نظام الشركات السعودي، حيث تجمع بين الشراكة التجارية والمسؤولية الشخصية التي تقع على عاتق الشركاء. وتتأسس هذه الشركة على الثقة المتبادلة بين الشركاء، ويكون كل منهم ملتزمًا بكامل أمواله لسداد ديون الشركة والوفاء بالتزاماتها، سواء كان ذلك بشكل فردي أم تضامني. وقد أورد النظام السعودي مجموعة من المواد التي توضح تفاصيل تكوين شركة التضامن وآلية إدارتها وحصص الشركاء وأوجه التنازل والانضمام والانسحاب، فضلًا عن تنظيمات تتعلق بالأرباح والخسائر، وحالات انقضاء الشركة. وفي هذا المقال، نستعرض أبرز الأحكام المتعلقة بشركة التضامن وفقًا لنظام الشركات السعودي الجديد.
أولًا: ما المقصود بشركة التضامن؟
عرّفت المادة الخامسة والثلاثون شركة التضامن بأنها: كيان قانوني يُنشأ من قبل شخصين أو أكثر، سواء كانوا ذوي صفة طبيعية أم اعتبارية، ويتحمل كل شريك فيها المسؤولية الشخصية في جميع أمواله عن ديون الشركة والتزاماتها. وتتميز شركة التضامن بأن الشريك فيها يكتسب صفة التاجر، ما يعني أنه يُعتبر مسؤولًا عن ديون الشركة بصفة تضامنية مع بقية الشركاء، سواء كانت تلك الديون ناشئة عن تصرفاته أم تصرفات شركائه، مما يعزز مبدأ الشراكة الكاملة ويعكس الثقة بين الشركاء في التزاماتهم التجارية.
ثانيًا: ما هي خصائص شركة التضامن؟
تتمتع شركة التضامن بمجموعة من الخصائص القانونية التي تميزها عن غيرها من الشركات وتمنحها هيكلًا مرنًا قائمًا على الثقة والتعاون بين الشركاء، وأهم هذه الخصائص:
الاعتبار الشخصي بين الشركاء:
تُعتبر شركة التضامن من شركات الأشخاص، حيث يعتمد وجودها على شخصية الشركاء وثقتهم المتبادلة، وفي هذا النوع من الشركات، لا يُنظر إلى الاعتبار المالي فقط، بل يُعتمد أيضًا على شخصية الشريك ودوره في تحقيق أهداف الشركة، مما يجعل هذا النوع من الشركات أقرب إلى العلاقات المهنية العميقة بين الشركاء.
المسؤولية التضامنية غير محدودة:
يتحمل كل شريك في شركة التضامن مسؤولية تضامنية غير محدودة تجاه ديون الشركة، مما يعني أن جميع الشركاء مسؤولون عن التزامات الشركة بكامل أموالهم الشخصية، حتى ولو تجاوزت حصصهم في رأس المال، وتضمن هذه المسؤولية ثقة الدائنين في التعامل مع الشركة وتبرز أهمية الالتزام الكامل من جميع الشركاء.
عنوان الشركة أو اسمها التجاري:
يمنح النظام السعودي الشركاء حرية اختيار الاسم باللغة العربية أو بأي لغة أخرى، بحيث يمكن أن يكون مشتقًا من غرض الشركة الأساسي أو مجال نشاطها التجاري، مما يسهم في إضفاء طابع يعكس طبيعة الأعمال التي تزاولها الشركة بوضوح ودقة. وعادةً ما يكون الاسم التجاري للشركة اسم واحد أو أكثر من الشركاء أو المساهمين الحاليين أو السابقين، ممن يمتلكون سمعة طيبة وذوات اعتبارية معروفة في السوق، وتعزز هذه الميزة من مصداقية الشركة وتبث الثقة في المتعاملين معها، إذ يوحي الاسم بارتباطه بشخصيات قانونية حقيقية، مما يسهم في تعزيز مكانتها وموثوقيتها في الوسط التجاري.
اكتساب الشريك صفة التاجر:
نظرًا لأن الشركاء في شركة التضامن يتحملون المسؤولية الشخصية عن ديون الشركة، فإنهم يكتسبون صفة التاجر قانونيًا، بما يعني خضوعهم لأحكام النظام التجاري وتحملهم لالتزامات تُشبه تلك المترتبة على التجار، ويمنح هذا البُعد القانوني الشركة قوة إضافية ويجعل الشركاء أكثر التزامًا بتوجيه الشركة نحو النجاح.
الالتزام بعدم تداول الحصص:
لا تقبل حصص الشركاء التداول في شركة التضامن، فلا يحق لأي شريك بيع حصته أو نقلها للغير إلا بموافقة جميع الشركاء، مما يعكس الالتزام التام بين الشركاء، ويمنع هذا التقييد دخول شركاء جدد دون موافقة جميع الأطراف، مما يضمن استمرارية الثقة المتبادلة التي بُنيت عليها الشركة.
توزيع الأرباح والخسائر وفقًا لحصة كل شريك:
تُوزع الأرباح والخسائر في نهاية السنة المالية على الشركاء وفقًا لحصصهم في رأس المال، ويصبح كل شريك مسؤولًا عن نصيبه منها، مما يضمن الشفافية والعدالة في إدارة الأمور المالية للشركة.
ثالثًا: ما مزايا شركة التضامن؟
تمتلك شركة التضامن مزايا متعددة تجعلها نموذجًا مفضلًا في إطار الشركات، وخاصةً للأعمال التي تتطلب التزامات تضامنية وعلاقات قوية بين الشركاء. ومن أهم هذه المزايا:
السيطرة الكاملة للشركاء على الشركة:
يتمتع الشركاء في شركة التضامن، بالسيطرة الكاملة على الشركة وإدارتها، حيث يمكنهم اتخاذ القرارات الأساسية والمتعلقة بكافة الجوانب التشغيلية والاستراتيجية، لتعطي هذه القوة المطلقة في الإدارة الشركاء مرونة كبيرة في التوجيه السريع للأعمال والتكيف مع الظروف المتغيرة.
حرية اتخاذ القرارات ضمن إطار النظام:
تتميز شركة التضامن بمنح الشركاء حرية واسعة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة شؤون الشركة، وذلك ضمن الحدود التي يرسمها نظام الشركات، وتُمكن هذه المرونة التنظيمية الشركاء من ممارسة استقلالية ذاتية في توجيه أعمال الشركة واتخاذ ما يلزم من قرارات استراتيجية لضمان نموها وتحقيق أهدافها. كما يعزز هذا الاستقلال قدرة الشركاء على توجيه مسار الشركة وفقًا للرؤية المشتركة، مما يكفل توافق الإدارة مع تطلعاتهم ومصالحهم المتبادلة، ويضمن في الوقت ذاته احترام النظام والامتثال لأحكامه.
زيادة الثقة لدى الدائنين وأصحاب المصلحة:
نظرًا لأن الشركاء في شركة التضامن يتحملون المسؤولية الكاملة عن ديون الشركة، فإن الدائنين وأصحاب المصلحة الآخرين ينظرون إلى هذه الشركة بثقة أكبر، ويعزز تحمل الشركاء لهذه المسؤولية من مصداقية الشركة ويجعلها شريكًا موثوقًا في سوق الأعمال، مما ينعكس إيجابًا على علاقاتها التجارية ويمكنها من الحصول على دعم مالي وأشكال تمويلية بسهولة.
رابعًا: كيف تُوزّع صلاحيات الإدارة بين الشركاء والمديرين في شركة التضامن؟
حددت المادة السابعة والثلاثون أن إدارة شركة التضامن يتولاها الشركاء، حيث يمكن أن يتفق الشركاء على تعيين مدير أو أكثر، سواء من بين الشركاء أم من خارجهم، وفي حال تعدد المديرين دون تحديد اختصاصات كل منهم أو توضيح صلاحياتهم بشكل منفصل، يكون لكل مدير منهم الحق في مباشرة أعمال الإدارة بشكل منفرد، شريطة ألا يعترض باقي المديرين على القرار قبل أن يصبح ملزمًا تجاه الغير. وفي حال وجود اعتراضات، يكون القرار وفقًا لأغلبية آراء المديرين، وعند تساوي الآراء يُحال الموضوع إلى الشركاء لاتخاذ قرار.
خامسًا: ما هي القيود التي تمنع الشريك من التنازل عن حصصه أو تداولها بحرية في شركة التضامن؟
لا يجوز للشريك في شركة التضامن وفقًا للمادة الرابعة والأربعين، أن يتنازل عن حصصه، سواء جزئيًا أم كليًا، إلا بموافقة باقي الشركاء أو وفقًا لما ينص عليه عقد التأسيس، ويجب توثيق هذا التنازل وتسجيله لدى السجل التجاري، وإلا يُعد باطلًا. كما يسمح النظام للشريك بالتنازل للغير عن الحقوق المالية المرتبطة بحصته في الشركة، دون أن يكون لهذا التنازل أثر على وضع الشركة إلا بين طرفي التنازل. وتهدف هذه القيود إلى حماية استقرار الشركة ومنع دخول أطراف غير مرغوب فيها، مما يضمن بقاء الشراكة في إطار الثقة المتبادلة بين الشركاء.
سادسًا: كيف تتأثر مسؤولية الشريك الجديد أو المنسحب تجاه ديون الشركة؟
تشكل الشركات إطارًا قانونيًا يجمع بين عدة أطراف تتعاون لتحقيق أهداف مشتركة، ويتضح أن انضمام الشريك أو انسحابه أو إخراجه من الشركة يعد من الأمور الجوهرية التي ينبغي أن تتم وفق تنظيم قانوني دقيق، وقد خصص نظام الشركات السعودي المادة الخامسة والأربعين لتنظيم هذه الحالات، بما يكفل حماية حقوق الشركة والدائنين، ويعزز من استقرار العلاقة بين الشركاء. وتستعرض هذه المادة الشروط اللازمة لتحديد مسؤولية الشريك الجديد عند انضمامه، وتوضيح مدى مسؤولية الشريك المنسحب أو المتنازِل، مما يضمن شفافية التعاملات القانونية واستقرار الشركة.
مسؤولية الشريك الجديد عند انضمامه:
نصت المادة الخامسة والأربعون على أن الشريك الذي ينضم حديثًا إلى الشركة بحصة جديدة، يُعد مسؤولًا شخصيًا عن ديون الشركة، سواء الديون السابقة لانضمامه أم اللاحقة له، ويكون تضامنيًا مع بقية الشركاء في التزاماته. ويهدف هذا النص إلى تحقيق حماية شاملة للدائنين، حيث تظل الشركة، حتى مع انضمام شريك جديد، ملتزمة بسداد كافة ديونها السابقة، مما يعزز الثقة بين الشركة والأطراف الدائنة. ومع ذلك، يتيح النظام للشركاء الاتفاق على إعفاء الشريك الجديد من المسؤولية عن الديون السابقة لانضمامه، على أن يتم هذا الإعفاء بإجماع الشركاء ويتم توثيقه وقيده لدى السجل التجاري، ليصبح نافذًا أمام الدائنين، ويعكس هذا الاستثناء مرونة النظام في التعامل مع الحالات الخاصة، دون التأثير على حقوق الدائنين الذين يجب إبلاغهم بهذا الإعفاء رسميً
انسحاب الشريك أو إخراجه ومسؤوليته تجاه الديون:
عند انسحاب شريك من الشركة أو إخراجه، فإن المادة الخامسة والأربعون تحدد بوضوح حدود مسؤولية الشريك المنسحب، ويُعفى هذا الشريك من المسؤولية عن الديون التي تُنشأ بعد تسجيل وشهر انسحابه في السجل التجاري، مما يعني أن الديون المستقبلية تقع على عاتق الشركاء الباقين في الشركة. ومع ذلك، يبقى الشريك المنسحب مسؤولًا عن الديون التي نشأت قبل انسحابه، إلا إذا تم إعفاؤه بموافقة باقي الشركاء والدائنين، ويوازن هذا النص بين حقوق الشركة والدائنين من جهة، وحقوق الشريك المنسحب من جهة أخرى، بما يضمن عدم تحميل الشريك المنسحب أعباء مالية غير عادلة بعد انسحابه الرسمي من الشركة.
التنازل عن الحصة وآثاره على المسؤولية:
أوضحت المادة أيضًا الأحكام المتعلقة بتنازل الشريك عن حصته، حيث يُصبح المتنازَل له مسؤولًا تجاه دائني الشركة عن الديون السابقة واللاحقة على انضمامه، وذلك تأكيدًا على استمرارية التزامات الشركة تجاه دائنيها بغض النظر عن تغييرات الملكية الداخلية. وفي المقابل، لا يكون الشريك المتنازِل مسؤولًا عن ديون الشركة إلا في حال اعتراض الدائنين على إعفائه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إخطارهم بعملية التنازل. وفي حال اعتراض الدائنين، يصبح الشريك المتنازِل مسؤولًا تضامنيًا عن الديون السابقة لتنازله.
سابعًا: كيف يتم توزيع الأرباح والخسائر بين الشركاء في شركة التضامن؟
تنص المادة السابعة والأربعون على أن توزيع الأرباح والخسائر يتم عند نهاية السنة المالية بناءً على القوائم المالية المعدة وفق المعايير المحاسبية المعتمدة في المملكة، ويُصبح كل شريك دائنًا للشركة بنصيبه من الأرباح فور تحديده، وتحدد المادة أيضًا أنه لا يجوز إلزام الشريك بتعويض رأس المال الذي نقص بسبب الخسائر إلا بموافقته، إلا إذا نص عقد التأسيس على خلاف ذلك. وتضمن هذه الضوابط حقوق الشركاء وتحدد مسؤولياتهم تجاه الشركة، مما يعزز الثقة بينهم ويعكس مبدأ الشفافية في توزيع الأرباح والخسائر.
ثامنًا: هل تنقضي شركة التضامن بوفاة أحد الشركاء، أم تستمر وفق شروط عقد التأسيس؟
تُعتبر شركة التضامن من الأشكال القانونية التي تتيح للشركاء ممارسة الأعمال التجارية بمسؤولية تضامنية. ومع ذلك، فإن استمرار الشركة قد يتأثر بأحداث معينة تؤدي إلى انقضائها أو إلى إعادة تنظيمها للحفاظ على هيكلها القانوني، وقد تناولت المادة الخمسون من نظام الشركات السعودي حالات انقضاء شركة التضامن وحددت الآليات التي تضمن استمراريتها في ظل بعض الظروف التي قد تؤثر على وجود الشركاء، وتأتي هذه الأحكام لتوفير الحماية القانونية وضمان استمرارية الشركة عند وقوع أحداث قد تهدد كيانها.
عدم الانقضاء بوفاة أو انسحاب الشريك:
تنص المادة الخمسون على أن شركة التضامن لا تنقضي بوفاة أي من الشركاء، ولا بالحجر عليه، ولا ببدء إجراءات التصفية وفقًا لنظام الإفلاس، ولا بإخراجه أو انسحابه، إلا إذا نص عقد التأسيس على خلاف ذلك. وفي حال عدم النص على انقضاء الشركة عند حدوث هذه الحالات، تستمر الشركة بين باقي الشركاء، ويكون للشريك المتوفى أو المحجور عليه أو المنسحب أو المخرج، أو ورثته في حالة الوفاة، حق الحصول على نصيبهم من أموال الشركة، ويُحدد هذا النصيب وفقًا للمادة التاسعة والأربعين من النظام، مما يضمن الحفاظ على حقوق الأطراف المعنية وعدم الإضرار بمصالح الورثة أو الشركاء.
استمرارية الشركة مع ورثة الشريك المتوفى:
منح النظام السعودي الشركاء حرية النص في عقد التأسيس على استمرار الشركة مع من يرغب من ورثة الشريك المتوفى، حتى لو كانوا قُصرًا أو ممنوعين قانونيًا من ممارسة الأعمال التجارية. وفي هذه الحالة، تُلزم الشركة بتحويل هيكلها إلى “شركة توصية بسيطة” خلال مدة لا تتجاوز سنة واحدة من تاريخ وفاة الشريك، ويصبح القُصر أو الممنوعون قانونيًا من ممارسة الأعمال التجارية شركاء موصين، وإذا لم يتم التحويل خلال هذه الفترة، فإن الشركة تُعد منقضية بقوة القانون، ما لم يبلغ القاصر سن الرشد أو يزول سبب المنع ويعبر عن رغبته في أن يكون شريكًا متضامنًا.
تصحيح وضع الشركة عند بقاء شريك واحد:
في حال بقاء شريك واحد فقط في الشركة، سواء نتيجة لوفاة الشركاء الآخرين أو الحجر عليهم أو انسحابهم أو إخراجهم، يمنح النظام الشريك المتبقي مهلة تصل إلى تسعين يومًا لتصحيح وضع الشركة. ويكون للشريك المتبقي خياران أساسيان: إما إدخال شريك آخر لاستعادة صفة الشركة التضامنية أو تحويل الشركة إلى شكل آخر من أشكال الشركات المحددة في النظام، وفي حال عدم تصحيح وضع الشركة خلال هذه المهلة، تُعتبر الشركة منقضية بقوة النظام، مما يؤكد حرص النظام على تنظيم الكيانات التجارية بما يتماشى مع الأطر القانونية المستقرة.
ختامًا،
تُعد شركة التضامن من الأشكال القانونية التي تعكس مفهوم الشراكة بمعناه الحقيقي، حيث يتحمل الشركاء مسؤولية مشتركة وتضامنية عن أعمال الشركة والتزاماتها. وقد حرص نظام الشركات السعودي على وضع ضوابط دقيقة لتنظيم هذا النوع من الشركات، بدءًا من التعريف والصلاحيات، مرورًا بحصص الشركاء وآلية الانضمام والانسحاب، وصولًا إلى توزيع الأرباح والخسائر وحالات الانقضاء. ومن خلال هذه الأحكام، تسعى شركة التضامن إلى تحقيق استدامة تجارية قائمة على الشفافية والثقة المتبادلة بين الشركاء، مما يعزز من استقرار الاقتصاد ويشجع على الاستثمارات المشتركة في بيئة قانونية آمنة.