شهد نظام العمل تحولات جوهرية بموجب التعديلات الأخيرة على نظام العمل التي أُقرت بالمرسوم الملكي رقم (م/44) وتاريخ 8 صفر 1446هـ، والتي نُشرت في الجريدة الرسمية “أم القرى” بتاريخ 19 صفر 1446هـ، على أن تدخل حيز النفاذ في 18 شعبان 1446هـ. وقد تضمنت هذه التعديلات إعادة صياغة 38 مادة، وإلغاء 7 مواد، وإضافة مادتين جديدتين، مما يعكس توجهًا تشريعيًا متقدمًا نحو تحسين بيئة العمل وتعزيز حقوق أطراف العلاقة العمالية. ولم تقتصر هذه التعديلات على الجوانب الشكلية أو المصطلحية، بل امتدت إلى تعديلات جوهرية أثرت في منظومة الإجازات، وأحكام العقود، وضوابط التوظيف، وآليات التظلم، ونظام العمل البحري، إلى جانب استحداث تعريفات نظامية جديدة، ووضع إطار واضح لتنظيم إجراءات الاستقالة.
وتأتي هذه التعديلات في إطار رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى خلق بيئة عمل أكثر جاذبية واستدامة، وتحقيق توازن عادل بين حقوق العمال وأصحاب العمل. كما تسهم هذه التعديلات في رفع كفاءة سوق العمل، وتعزيز الاستقرار الوظيفي، ودعم توطين الوظائف من خلال تطوير آليات التوظيف وتحسين برامج التدريب والتأهيل، بما يضمن تمكين الكوادر الوطنية وزيادة تنافسيتها. وقد استندت هذه التعديلات إلى دراسات معيارية مقارنة بأنظمة العمل في عدد من الدول، مع الأخذ في الاعتبار أفضل الممارسات الدولية، وتم إعدادها عبر مشاركة واسعة من الجهات الحكومية، واللجان العمالية، والخبراء المتخصصين، ومنشآت القطاع الخاص، مما يعكس نهجًا تشاركيًا يهدف إلى تحقيق مصالح جميع أطراف العلاقة التعاقدية.
وفي هذا المقال، سيتم تسليط الضوء على أبرز التعديلات التي طالت الأحكام الجوهرية لنظام العمل، مع تحليل آثارها القانونية والعملية، وبيان مدى تأثيرها في تنظيم العلاقة التعاقدية، وتحسين بيئة العمل، وتعزيز الامتثال للنظام. كما سيتم تناول التعديلات ذات الأهمية الكبرى، مثل توسيع نطاق الإجازات، وضبط إجراءات إنهاء العقود، وتشديد العقوبات على المخالفات العمالية، وإعادة هيكلة بعض الأحكام الخاصة بالعمل البحري، وذلك في إطار تحليل قانوني دقيق يتناول أبعاد هذه التعديلات وأثرها المتوقع على سوق العمل السعودي.
أولًا: إضافة فقرات جديدة وحذف أخرى
-
مفهوم “الإسناد” في نظام العمل:
نصت المادة الثانية من التعديلات الأخيرة على نظام العمل على إدراج تعريف الإسناد، ليُعرّف على النحو الآتي: “الإسناد: خدمة توفير عامل للعمل لدى غير صاحب العمل وذلك من خلال منشأة مرخّص لها لهذا الغرض.”
ويعكس هذا التعريف تحولًا جوهريًا في تنظيم سوق العمل، حيث يُنظم العلاقة بين العامل، وصاحب العمل الفعلي، والمنشأة الوسيطة التي توفر العامل بموجب ترخيص نظامي. ومن خلال هذا التعريف، تم وضع إطار قانوني واضح لهذه الممارسة، بما يضمن حماية حقوق الأطراف كافة، ويحول دون أي تجاوزات محتملة قد تنشأ عن عدم وضوح العلاقة التعاقدية بين العامل وجهة العمل المستفيدة.
ومن الناحية القانونية، يُسهم هذا التعريف في الحد من أشكال العمل غير النظامي، حيث أصبح إلزاميًا أن تخضع جميع أنشطة توفير العمالة لنظام ترخيص محدد. كما يضمن التزام المنشآت الوسيطة بمسؤولياتها القانونية تجاه العامل، سواء من حيث الحقوق المالية، أم بيئة العمل، أو أي التزامات أخرى تنشأ بموجب العقد أو اللوائح التنظيمية. إضافة إلى ذلك، يعزز هذا التنظيم مفهوم التوظيف المرن الذي يشكل أحد الاتجاهات الحديثة في سوق العمل، ويساعد في تلبية احتياجات بعض القطاعات التي تعتمد على العمالة المؤقتة أو الموسمية دون الإخلال بالضوابط القانونية.
-
مفهوم “الاستقالة” في النظام الجديد:
تم إدراج تعريف الاستقالة إلى المادة الثانية من التعديلات الأخيرة على نظام العمل، بالنص الآتي: “الاستقالة: إفصاح العامل كتابة عن رغبته دون إكراه في إنهاء عقد عمل محدد المدة دون تعليق على قيد أو شرط، وقبول صاحب العمل بها.”
ويعكس هذا التعريف تطورًا مهمًا في مفهوم إنهاء العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل، حيث تم تحديد الاستقالة كحق أصيل للعامل، على أن يتم التعبير عنه كتابيًا وبإرادة حرة، دون أن يكون مشروطًا بأي قيد. كما أُضيف شرط أساسي يتمثل في قبول صاحب العمل لهذه الاستقالة، وهو ما يضع إطارًا أكثر وضوحًا لإجراءات إنهاء عقد العمل من قبل العامل.
ويمثل هذا التعريف خطوة مهمة نحو تعزيز الحماية القانونية للعامل؛ حيث يمنع أي تفسيرات غير منضبطة لمفهوم الاستقالة قد تؤدي إلى حرمان العامل من حقوقه أو فرض شروط غير عادلة عليه عند رغبته في إنهاء العقد. كما أنه يسهم في تقليل النزاعات العمالية المتعلقة بقبول الاستقالة أو تفسيرها، حيث أصبح هناك معيار واضح يجب اتباعه. إضافة إلى ذلك، فإن تحديد شرط القبول يضمن تحقيق التوازن بين مصلحة العامل وصاحب العمل، بحيث لا يكون هناك تأثير سلبي مفاجئ على سير العمل نتيجة استقالة غير منظمة أو غير متفق عليها.
استبعاد عمال البحر الذين يعملون في سفن تقل حمولتها عن 500 طن:
في نظام العمل السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) بتاريخ 23/8/1426هـ، كان عمال البحر الذين يعملون على سفن تقل حمولتها عن 500 طن مستثنين من تطبيق أحكام النظام، مما يعني أنهم لم يكونوا مشمولين بالحقوق والواجبات المنصوص عليها فيه. إلا أن التعديلات الأخيرة على نظام العمل أزالت هذا الاستثناء، وأصبحت هذه الفئة مشمولة بأحكام نظام العمل. وهذه التغييرات لم تأتِ من فراغ، بل استندت إلى عدة اعتبارات قانونية وتنظيمية تعكس الحاجة إلى تعزيز حماية العمال البحريين، وضمان اتساق التشريعات مع المعايير الدولية.
- تعزيز الحماية القانونية لعمال البحر:
العمال الذين يعملون على سفن صغيرة (أقل من 500 طن) غالبًا ما يكونون في أوضاع عمل غير مستقرة، ويواجهون تحديات تتعلق بعدم وجود عقود واضحة أو غياب التغطية القانونية الكافية. وقبل التعديلات الأخيرة على نظام العمل، لم يكن هؤلاء العمال يتمتعون بحقوق العمل مثل ساعات العمل، أو الأجور، أو الإجازات، أو حتى التعويضات في حال إصابات العمل. لذلك، فإن إخضاعهم لنظام العمل يهدف إلى سد هذه الفجوة التشريعية وضمان حقوقهم العمالية على نحو مماثل لباقي الفئات العاملة.
- توحيد القواعد التنظيمية لجميع عمال البحر:
إلغاء الاستثناء يحقق اتساقًا قانونيًا في قطاع النقل البحري، حيث لم يعد حجم السفينة هو العامل المحدد لتطبيق النظام. فالعمل في البحر، سواء على سفن كبيرة أو صغيرة، يتطلب إجراءات تنظيمية متشابهة من حيث شروط التوظيف، الصحة والسلامة، والتعويضات. وبذلك، أصبحت جميع فئات عمال البحر، بغض النظر عن حمولة السفينة، تخضع لأحكام نظام العمل، مما يحد من التمييز القانوني بين العمال في هذا القطاع.
ج. التوافق مع المعايير الدولية:
الكثير من الاتفاقيات الدولية التي تنظم قطاع العمل البحري، مثل اتفاقية العمل البحري (MLC 2006) الصادرة عن منظمة العمل الدولية، تؤكد على ضرورة توفير حماية متساوية لجميع العمال البحريين، بغض النظر عن حجم السفينة. وبالتالي، فإن إخضاع عمال السفن الصغيرة لنظام العمل يعكس التزام المملكة بمواءمة قوانينها مع المعايير الدولية، خاصةً في ظل التوجه نحو تحديث التشريعات العمالية بما يتماشى مع تعزيز بيئة العمل الجاذبة.
د. تحسين بيئة العمل في قطاع النقل البحري:
إلغاء الاستثناء يعزز من جهود تحسين بيئة العمل في قطاع النقل البحري، حيث تصبح جميع السفن ملتزمة بتوفير عقود قانونية واضحة، وضمانات لحماية العمال من الاستغلال، ومعايير للسلامة البحرية. كما أن هذا التعديل يعزز من استقرار العاملين في هذا القطاع، ويمنحهم حقوقًا واضحة من حيث الأجور، والتعويضات، والإجازات، مما يؤدي إلى رفع كفاءة سوق العمل البحري وتشجيع المزيد من العمال على الانخراط فيه.
ثانيًا: ضمان حقوق العامل عند عدم تجديد رخصة العمل
تضمنت التعديلات الأخيرة على نظام العمل في المادة الخامسة والثلاثين على منح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية صلاحية الامتناع عن تجديد رخصة العمل لأصحاب العمل الذين يخالفون المعايير الخاصة بتوطين الوظائف أو أي اشتراطات أخرى تحددها اللائحة التنظيمية. وتعد هذه الصلاحية أداة رقابية صارمة لضمان التزام المنشآت بسياستها في الوظائف المستهدفة بالتوطين، مع فرض عقوبات غير مباشرة على المنشآت التي لا تلتزم بهذه السياسات.
ورغم أن عدم تجديد رخصة العمل قد يؤثر على العامل، إلا أن التعديلات حرصت على معالجة هذا الأثر، من خلال وضع إجراءات تحمي العامل من تبعات قرار عدم التجديد، أبرزها إتاحة نقل خدماته إلى صاحب عمل آخر دون الحاجة إلى موافقة صاحب العمل المخالف. ويعزز هذا الإجراء من استقرار العمالة ويحد من التعسف في إنهاء العلاقة التعاقدية بسبب أخطاء أو تقصير من جانب صاحب العمل. كما يحد من الممارسات غير القانونية التي قد يستخدمها بعض أصحاب العمل لفرض شروط غير عادلة على العمال من خلال استغلال حاجتهم لتجديد الرخصة.
ويمثل هذا التعديل نقلة نوعية في تعزيز حماية العمالة الوافدة؛ حيث إنه ينهي احتكار صاحب العمل المطلق لحق إنهاء العلاقة التعاقدية بسبب عدم تجديد الرخصة، ويفتح المجال أمام العامل للبحث عن فرص عمل جديدة دون قيود غير مبررة.
ثالثًا: تحديد مدة عقد العامل غير السعودي
في المادة السابعة والثلاثين، ركزت التعديلات الأخيرة على نظام العمل على معالجة الإشكاليات المرتبطة بعقود العمل لغير السعوديين، من خلال التأكيد على أن كل عقد عمل لغير السعودي يجب أن يكون مكتوبًا ومحدد المدة، وفي حال عدم النص على مدة محددة، فإن النظام يفترض أن تكون المدة سنة واحدة تبدأ من تاريخ مباشرة العامل للعمل. كما تم إقرار أن استمرار العامل في أداء عمله بعد انتهاء العقد يجعله متجددًا تلقائيًا لمدة مماثلة، مما يوفر وضوحًا قانونيًا ويحد من النزاعات التي قد تنشأ حول مدى استمرار العلاقة التعاقدية في حال عدم تجديد العقد صراحة.
وجاء هذا التعديل ليغلق الباب أمام أي محاولات لاستغلال الغموض في العقود، إذ لم يعد هناك مجال للجدل حول طبيعة العقد ما إذا كان محددًا أو غير محدد المدة، حيث أصبح التجديد تلقائيًا وفق القاعدة النظامية التي حددها النظام. كما أن هذا التعديل يسهم في تحقيق حماية أكبر للعامل الوافد، إذ يمنع أصحاب العمل من فرض شروط جديدة أو غير عادلة عند انتهاء مدة العقد الأولى، كما يضمن للعامل استقرارًا وظيفيًا دون الحاجة إلى إعادة التفاوض على شروط التوظيف مع كل فترة تجديد.
وعلاوة على ذلك، فإن إلزام أصحاب العمل بإبرام عقود مكتوبة لجميع العمال غير السعوديين يعزز من مبدأ الشفافية القانونية، إذ يضمن لكل طرف معرفة حقوقه والتزاماته بدقة، ويمنع أي تجاوزات أو ممارسات قد تؤدي إلى إضعاف المركز القانوني للعامل في حال نشوء نزاعات مستقبلية.
رابعًا: مدى التزام صاحب العمل بتدريب العمال السعوديين
تضمنت التعديلات الأخيرة على نظام العمل إعادة صياغة التزام أصحاب العمل تجاه تدريب وتأهيل العمالة السعودية، حيث أصبح على كل منشأة وضع سياسة واضحة للتدريب والتأهيل بهدف رفع كفاءة العمالة الوطنية وتحسين مستواها في المجالات الإدارية والفنية والمهنية. ولم يعد النظام يشير إلى مفهوم الإحلال التدريجي المباشر للسعوديين محل العمالة الوافدة، كما كان في النصوص السابقة، بل اكتفى بإلزام أصحاب العمل بتبني برامج تدريبية دون فرض إجراءات صارمة لإحلال العمالة الوطنية بشكل مباشر.
وتعكس هذه الصياغة الجديدة توجهًا مختلفًا نحو تطوير مهارات السعوديين بدلًا من فرض التوطين دون تأهيل كافٍ. فمن جهة، هي تمنح أصحاب العمل مرونة في تنفيذ برامج التدريب والتطوير، لكنها من جهة أخرى قد تعني إبطاء عملية الإحلال الفعلي إذا لم تكن هناك آليات رقابة صارمة للتأكد من تنفيذ هذه السياسات التدريبية بشكل فعال.
وفي ظل هذا التعديل، أصبح من الضروري وجود ضوابط رقابية دقيقة لضمان التزام المنشآت فعليًا بتدريب وتأهيل العمالة السعودية، حيث إن ترك المسألة دون متابعة قد يؤدي إلى استخدام بعض المنشآت لهذا النص كإجراء شكلي دون تنفيذ حقيقي لبرامج التدريب. كما أن عدم النص على إلزام المنشآت بإحلال السعوديين محل غيرهم بشكل تدريجي قد يؤدي إلى إضعاف دور التوطين الفعلي، حيث تظل فرص العمالة الوطنية مرهونة بقرارات صاحب العمل دون وجود التزام قانوني واضح بضرورة استبدال العمالة الأجنبية بالسعوديين خلال مدة معينة.أسفل النموذج
إلغاء النسبة الثابتة للتدريب وجعلها خاضعة لقرار تنظيمي:
كما جاءت المادة الثالثة والأربعين من التعديلات الأخيرة على نظام العمل بإلغاء النسبة الإلزامية السابقة التي كانت تفرض على كل منشأة تشغِّل خمسين عاملًا فأكثر تدريب ما لا يقل عن 12% من السعوديين سنويًا. وبدلًا من ذلك، أصبح تحديد نسبة التدريب خاضعًا لقرار الوزير، وفقًا لاحتياجات السوق وطبيعة كل منشأة.
وبموجب هذا التعديل، بات لكل منشأة التزام عام بتدريب السعوديين، لكنه لم يعد هناك نسبة إلزامية موحدة تُفرض على جميع القطاعات، بل تُحدد هذه النسبة وفقًا لظروف السوق وقرارات الجهات التنظيمية. كما استمر النظام في احتساب العمال السعوديين الذين يكملون دراستهم ضمن نسبة التدريب إذا كان صاحب العمل يتحمل تكاليف دراستهم.
خامسًا: ضوابط ومدة فترة التجربة
أكدت التعديلات الأخيرة على نظام العمل في المادة الثالثة والخمسين على وجوب النص صراحة على فترة التجربة في عقد العمل، مع تحديد مدتها بوضوح، وهو ما يعكس حرص المشرع على تحقيق الشفافية التعاقدية، بحيث لا يكون هناك مجال للاجتهاد أو التلاعب عند احتساب فترة التجربة أو تفسير شروطها. كما تم تحديد الحد الأقصى لفترة التجربة بمائة وثمانين يومًا، دون الإشارة إلى إمكانية التمديد باتفاق بين الطرفين كما كان الحال في المادة السابقة.
وفي المقابل، كان النص القديم يحدد فترة التجربة الأصلية بتسعين يومًا فقط، مع إمكانية تمديدها باتفاق مكتوب بين الطرفين إلى مائة وثمانين يومًا كحد أقصى. أما الآن، فقد أصبحت المدة القصوى محددة بشكل مباشر دون الحاجة إلى اتفاق منفصل، مما يمنع أي خلافات قانونية حول تمديد التجربة أو الحاجة إلى إبرام اتفاق جديد بشأنها.
كما نصت التعديلات الأخيرة على نظام العمل على أن اللائحة التنفيذية ستحدد الأحكام المتصلة بالإجازات التي لا تدخل ضمن فترة التجربة، بينما كان النص السابق يحدد صراحةً أن إجازة عيدي الفطر والأضحى والإجازة المرضية لا تُحتسب ضمن هذه الفترة.
وهذا التغيير يمنح مرونة تنظيمية أكبر للجهات المختصة في تحديد طبيعة الإجازات المستبعدة من فترة التجربة، وفقًا لاحتياجات سوق العمل وظروفه الفعلية، بدلًا من الالتزام بقائمة ثابتة من الإجازات قد لا تتناسب مع جميع القطاعات. إلا أن ذلك قد يثير بعض التساؤلات حول مدى حماية العامل، حيث لم يعد هناك إلزام مباشر بعدم احتساب الإجازات الرسمية أو المرضية ضمن فترة التجربة، مما يفتح المجال أمام قرارات تنظيمية قد تؤثر على احتساب هذه المدة في بعض الحالات.
وأحد أهم الجوانب التي شملها التعديل هو تأكيد حق كل من العامل وصاحب العمل في إنهاء العقد خلال فترة التجربة، وهو ما يعكس التوجه التشريعي نحو تعزيز المرونة في إنهاء العلاقة التعاقدية خلال هذه الفترة.
لكن بالمقارنة مع النص القديم، فقد تم إلغاء الفقرة التي كانت تمنح أحد الطرفين الحق في إنهاء العقد إذا نص عليه الاتفاق بينهما، وهو ما يعني أن الحق في الإنهاء أصبح مطلقًا لكلا الطرفين دون الحاجة إلى نص خاص في العقد يمنح هذا الحق لأحدهما فقط.
سادسًا: التزام صاحب العمل بتعزيز تكافؤ الفرص وتوفير السكن والمواصلات
من بين أهم التعديلات الأخيرة على نظام العمل، ما أقرّته المادة الحادية والستون، حيث فرضت التزامًا واضحًا على صاحب العمل بعدم الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص في التوظيف. وأصبح محظورًا على المنشآت القيام بأي ممارسات من شأنها إضعاف هذا المبدأ، سواء من خلال الاستبعاد، أم التمييز، أم التفضيل بين المتقدمين للعمل أو العاملين، وذلك على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو السن، أو الإعاقة، أو الحالة الاجتماعية، أو أي شكل آخر من أشكال التمييز.
ويُشكل هذا التعديل خطوة متقدمة نحو ضمان المساواة في بيئة العمل، حيث يُلزم أصحاب العمل بعدم التمييز في قرارات التوظيف والترقيات والمزايا الوظيفية، مما يسهم في إيجاد بيئة عمل قائمة على الكفاءة والجدارة بعيدًا عن أي معايير غير مهنية. كما أن هذا التعديل يعزز التوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وسوق العمل العادل، مما يزيد من جاذبية بيئة العمل في المملكة للمواهب الوطنية والدولية.
إلى جانب ذلك، فرضت التعديلات الأخيرة على نظام العمل التزامًا على صاحب العمل بتوفير سكن لائق للعمال، مع منحه خيار استبدال ذلك ببدل نقدي يدفع للعامل مع الأجر، وهو ما يضمن حق العامل في الحصول على سكن ملائم يتناسب مع كرامته الإنسانية ومتطلبات العيش الكريم. كما أصبح صاحب العمل ملزمًا بتوفير وسيلة مواصلات مناسبة لعماله من مقر السكن إلى مقر العمل، أو تقديم بدل نقدي لهم عن ذلك، مما يسهم في تحسين ظروف المعيشة للعاملين وتقليل الأعباء المالية عليهم.
وتأتي هذه الالتزامات في إطار تعزيز مسؤولية أصحاب العمل تجاه تحسين بيئة العمل وظروف العاملين، مع ضمان التزامهم بتوفير متطلبات الحياة الأساسية لهم. ويعد هذا التعديل إضافة نوعية إلى النظام، حيث يحفظ للعامل حقوقه المعيشية الأساسية ويضمن له بيئة عمل أكثر استقرارًا، دون أن يكون ذلك مرهونًا بقرارات فردية من صاحب العمل.
سابعًا: حق العامل في التظلم من الجزاءات التأديبية
امتدت التعديلات الأخيرة على نظام العمل لتشمل حماية العامل من القرارات التأديبية التعسفية، حيث تم إعادة صياغة الأحكام المتعلقة بحق التظلم من الجزاءات التأديبية، بما يمنح العامل فرصة عادلة للدفاع عن نفسه وضمان عدم تعرضه لعقوبات دون مبررات قانونية كافية.
وفي ظل التعديل الجديد، أصبح للعامل الحق في التظلم من أي جزاء تأديبي خلال مدة ثلاثين يومًا من تاريخ إبلاغه بالقرار، بدلاً من المدة السابقة التي كانت خمسة عشر يومًا فقط. ويُعد هذا التمديد ضمانة إضافية لحقوق العامل، حيث يمنحه وقتًا كافيًا لدراسة أسباب الجزاء واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة للطعن عليه.
كما تم تعديل الإجراءات المتعلقة بالبت في التظلم، بحيث أصبح لصاحب العمل مهلة خمسة عشر يومًا للرد على تظلم العامل بشكل مكتوب، وفي حال رفض التظلم أو عدم البت فيه خلال المدة المحددة، يحق للعامل التوجه إلى المحاكم العمالية للطعن في القرار التأديبي خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الرفض أو انتهاء المهلة المحددة للرد.
وتُشكل هذه التعديلات تحسينًا جوهريًا في إجراءات التظلم؛ حيث إنها توفر للعامل فرصة أوسع لمراجعة الجزاء، كما تضمن عدم تعسف أصحاب العمل في فرض العقوبات. كما أن إلزام صاحب العمل بالرد كتابةً خلال مدة محددة يعزز من مبدأ الشفافية ويمنع الممارسات غير النظامية التي قد تؤدي إلى تقييد حق العامل في الطعن على الجزاءات المفروضة عليه.
ثامنًا: أسباب انتهاء عقد العمل
تضمنت التعديلات الأخيرة على نظام العمل إضافة حالتين جديدتين لانتهاء عقد العمل، الأولى تتعلق بالاستقالة كسبب قانوني مستقل لإنهاء العقد، والثانية تتعلق بإنهاء العقد بسبب الإفلاس بموجب حكم قضائي نهائي.
- الاستقالة كسبب لانتهاء عقد العمل:
تم إدراج الاستقالة ضمن حالات انتهاء العقد، وهو ما يعكس حرص المشرع على تنظيم هذا السبب بشكل واضح ومحدد، خصوصًا بعدما عرفها صراحةً في المادة الثانية بأنها إفصاح العامل كتابة عن رغبته في إنهاء عقد عمله المحدد المدة دون إكراه، ودون تعليق على أي قيد أو شرط، مع قبول صاحب العمل بها.
ويتمثل الأثر القانوني لهذا التعديل في تعزيز وضوح وجدية الاستقالة كحق مشروع للعامل، مع التأكيد على ضرورة أن تكون بإرادة خالصة ودون أي إكراه، مما يضمن حماية العامل من أي ممارسات قد تجبره على تقديم استقالة غير حقيقية. وبالتوازي مع ذلك، يرسّخ التعديل مبدأ وضوح إجراءات الاستقالة، بحيث لا يكون لصاحب العمل حق رفضها تعسفيًا متى توافرت شروطها النظامية، مما يعزز استقرار العلاقة التعاقدية بين الطرفين. وإضافةً إلى ذلك، يسهم هذا التعديل في سد أي ثغرات قانونية قد تُستغل لتفسير الاستقالة بشكل غير دقيق، الأمر الذي يقلل من النزاعات العمالية المرتبطة بهذا النوع من الإنهاء، ويؤدي إلى بيئة عمل أكثر شفافية وعادلة.
- إنهاء عقد العامل بسبب الإفلاس بموجب حكم قضائي:
تمت إضافة حالة انتهاء عقد العمل بسبب صدور حكم نهائي من المحكمة المختصة بإنهاء عقد العامل في إطار إجراءات الإفلاس، وهو ما يضمن عدم ترك عقود العمل معلقة في حال تصفية الشركات أو إفلاسها.
ويؤدي هذا التعديل إلى تعزيز الحماية القانونية للعامل في حال تصفية المنشأة أو دخولها في إجراءات الإفلاس، إذ يضمن انتهاء العقد تلقائيًا بموجب حكم قضائي نهائي، مما يحول دون تعرض العامل لحالة من عدم اليقين بشأن مصيره الوظيفي. وبالتوازي مع ذلك، يرسّخ التعديل وضوح الوضع القانوني لأطراف العقد، بحيث لا يُترك العامل في حالة غير محددة نتيجة الظروف المالية للمنشأة، الأمر الذي يسهم في تقليل النزاعات المرتبطة بهذه المسائل. وعلاوةً على ذلك، يحقق هذا التعديل توازنًا دقيقًا بين حقوق العامل في استقرار العلاقة التعاقدية، وحقوق صاحب العمل في إنهاء العقود عند التعرض لأزمة مالية جوهرية، مما يعكس توجّهًا قانونيًا أكثر إنصافًا للطرفين في مثل هذه الظروف الاستثنائية.
تاسعًا: ضوابط إنهاء العقد غير محدد المدة
أحد أبرز التعديلات الأخيرة على نظام العمل التي تضمنها النظام هو إعادة صياغة ضوابط إنهاء العقد غير محدد المدة، حيث تم تحديد إجراءات الإنهاء والإشعار المطلوب لكلا الطرفين وفقًا لطريقة دفع الأجر، بما يحقق وضوحًا قانونيًا أكبر ويمنع التعسف في إنهاء العلاقة التعاقدية.
- تنظيم الإنهاء وفقًا لطريقة دفع الأجر:
بموجب التعديلات الأخيرة على نظام العمل، أصبح لكل من العامل وصاحب العمل الحق في إنهاء العقد غير محدد المدة بناءً على سبب مشروع، بشرط توجيه إشعار مسبق للطرف الآخر خلال مدة معينة تختلف حسب طريقة دفع الأجر.
فإذا كان أجر العامل يُدفع شهريًا، فيجب توجيه الإشعار قبل 30 يومًا على الأقل عند الإنهاء من طرف العامل، وقبل 60 يومًا على الأقل عند الإنهاء من طرف صاحب العمل. أما إذا كان الأجر لا يُدفع شهريًا، فإن المهلة الزمنية للإشعار تكون 30 يومًا لكل من الطرفين.
ويؤدي هذا التعديل إلى تعزيز الاستقرار الوظيفي والتعاقدي من خلال ضمان عدم الإنهاء المفاجئ للعقد، مما يمنح الطرف المتضرر فرصة كافية للبحث عن بدائل مناسبة قبل انتهاء العلاقة التعاقدية. وبالتوازي مع ذلك، يتيح لصاحب العمل فرصة لإيجاد بديل مناسب للعامل المغادر، لا سيما في الوظائف التي تتطلب تأهيلًا خاصًا أو خبرة متخصصة، مما يسهم في استمرارية العمل دون اضطراب. وفي الوقت نفسه، يحمي هذا التنظيم العامل من فقدان مصدر دخله بشكل مفاجئ، حيث يمنحه مهلة كافية للبحث عن عمل جديد أو إعادة ترتيب أوضاعه المهنية، الأمر الذي يعزز الأمان الوظيفي ويقلل من الآثار السلبية لإنهاء العقود على العاملين.
- إلغاء تحديد الحد الأدنى لمدة الإشعار في العقد:
كانت المادة السابقة تشترط أن يُحدد في العقد مدة الإشعار بشرط ألا تقل عن 60 يومًا للعامل الذي يتلقى أجره شهريًا، و30 يومًا لغيره، لكن التعديل الجديد حذف شرط الاتفاق على مدة الإشعار في العقد، وجعل المدد المذكورة إلزامية.
ويسهم هذا التعديل في تعزيز العدالة التعاقدية من خلال منع إضافة شروط غير عادلة في العقود، إذ لم يعد من الممكن فرض مدد إشعار تتجاوز الحدود النظامية، مما يحد من استغلال الطرف الأقوى في العلاقة التعاقدية. وبالتوازي مع ذلك، يعالج التفاوت الكبير في مدد الإشعار بين القطاعات المختلفة، مما يعزز مبدأ العدالة الوظيفية ويضمن معاملة متساوية للعاملين وفق إطار قانوني موحد. وعلاوةً على ذلك، يحقق هذا التعديل استقرارًا قانونيًا من خلال جعل مدد الإشعار واضحة وثابتة بموجب القانون، وليس خاضعة للاتفاقات التعاقدية فقط.
عاشرًا: أحكام وضوابط الاستقالة
- قبول الاستقالة وآلية إنهاء عقد العمل بناءً عليها:
جاءت التعديلات الأخيرة على نظام العمل لتضع إطارًا قانونيًا أكثر تنظيمًا لمسألة الاستقالة، حيث أصبح انتهاء عقد العمل بسبب الاستقالة خاضعًا لضوابط واضحة تحول دون إساءة استخدامها أو التعسف في رفضها. فقد نص النظام على أن طلب الاستقالة يُعد مقبولًا إذا لم يرد صاحب العمل عليه خلال ثلاثين يومًا من تقديمه، وهو ما يضمن للعامل حقه في إنهاء العلاقة التعاقدية دون أن يكون ملزمًا بالبقاء في العمل بسبب تعنت صاحب العمل أو تأخره في الرد.
وفي الوقت ذاته، أعطى النظام لصاحب العمل الحق في تأجيل قبول الاستقالة لمدة لا تزيد على ستين يومًا إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك، بشرط تقديم إيضاح مكتوب للعامل قبل انتهاء مدة الثلاثين يومًا الأولى، مما يوفر توازنًا بين حق العامل في إنهاء عقده، وحق صاحب العمل في تنظيم العمل وعدم الإضرار باستمرارية النشاط الإنتاجي.
- حق العامل في العدول عن الاستقالة وشروطه:
أحد المستجدات المهمة التي أضافتها التعديلات الأخيرة على نظام العمل هي إمكانية عدول العامل عن استقالته خلال سبعة أيام من تقديمها، بشرط ألا يكون صاحب العمل قد قبلها قبل العدول. ويعزز هذا التعديل من مرونة العلاقة التعاقدية، حيث يمنح العامل فرصة لإعادة النظر في قراره دون أن يكون ملزمًا به فور تقديمه.
- الحقوق المالية للعامل عند الاستقالة:
أكدت التعديلات على أن العامل الذي انتهت علاقته الوظيفية بالاستقالة يستحق جميع حقوقه المقررة بموجب النظام، وهو ما يحمي حقوق العامل المالية ويمنع أي ممارسات قد تحاول التهرب من دفع مستحقاته بحجة الاستقالة. كما أن هذا النص يضع حدًا نهائيًا لأي تأويل قد يحرم العامل من مكافأة نهاية الخدمة أو الحقوق الأخرى المرتبطة بالعقد.
الحادي عشر: تنظيم الأجر الإضافي وخيار الإجازة التعويضية
- التزام صاحب العمل بدفع أجر إضافي عن الساعات الإضافية:
كان النظام ينص سابقًا على أن صاحب العمل ملزم بدفع أجر إضافي للعامل عن كل ساعة عمل إضافية، على أن يكون هذا الأجر معادلًا لأجر الساعة الأساسية مضافًا إليه 50% من الأجر الأساسي. وقد أبقى التعديل الجديد على هذا الحكم، مما يؤكد التزام صاحب العمل بمنح تعويض عادل للعامل عن ساعات العمل الإضافية، وهو ما يعكس حماية قانونية أقوى للعمال ويمنع أي محاولات لاستغلالهم بتحميلهم أعباء إضافية دون مقابل مناسب.
- خيار الإجازة التعويضية كبديل للأجر الإضافي:
الجديد في التعديل هو إضافة خيار جديد لصاحب العمل، حيث يمكنه – بموافقة العامل – تعويض الساعات الإضافية بإجازة تعويضية مدفوعة الأجر بدلًا من دفع المقابل المالي. وهذا التعديل يوفر مرونة أكبر في تنظيم العمل، حيث يمنح العامل حق الاستفادة من جهده الإضافي بشكل يتناسب مع احتياجاته، كما أنه يتيح لصاحب العمل إدارة ساعات العمل الإضافية بطريقة أكثر كفاءة.
لكن اللافت في هذا التعديل أنه اشترط موافقة العامل، مما يمنع فرض الإجازة التعويضية عليه قسرًا، وهو ما يعزز من حقوق العامل في اختيار الطريقة التي يفضلها لتعويض جهده الإضافي. كما أن ترك التفاصيل للائحة التنظيمية يمنح الجهات المختصة مرونة في وضع القواعد التي تضمن عدم استغلال هذا الخيار بطريقة قد تؤدي إلى المساس بحقوق العمال.أسفل النموذج
الثاني عشر: تنظيم إجازات الزواج والوفاة والمولود الجديد
أعادت التعديلات الأخيرة على نظام العمل في الثالثة عشرة بعد المائة تنظيم أحكام الإجازات الخاصة بالحالات الاجتماعية المهمة، مثل الزواج، والوفاة، وولادة المولود الجديد، حيث أصبحت الإجازات محددة بوضوح وفقًا للحالة، وتم إضافة بعض التفاصيل التي لم تكن مذكورة في النص السابق، مما يعزز من وضوح الأحكام ويمنع أي اختلاف في تفسيرها أو تطبيقها من قبل أصحاب العمل.
- إجازة الزواج والوفاة:
بموجب التعديلات الأخيرة على نظام العمل، أصبح للعامل الحق في إجازة مدفوعة الأجر لمدة خمسة أيام عند زواجه، وهي نفس المدة التي يستحقها في حالة وفاة زوجه أو أحد أصوله أو فروعه. كما أصبح من حقه الحصول على ثلاثة أيام إجازة في حال وفاة أحد إخوته أو أخواته، وهو تفصيل جديد لم يكن منصوصًا عليه سابقًا.
ويحقق هذا التعديل أثرًا قانونيًا جوهريًا من خلال تحديد مدد الإجازات بشكل واضح، مما يحسم أي اجتهادات سابقة قد تؤدي إلى تقليل مدة الإجازة أو حرمان العامل منها، وهو ما يعزز اليقين القانوني ويضمن حقوق العاملين بشكل أكثر إنصافًا. وفي الوقت ذاته، فإن إدراج وفاة الأخ أو الأخت ضمن الحالات التي تستوجب إجازة مدفوعة الأجر يعكس بعدًا إنسانيًا مهمًا، ويحقق العدالة بين العاملين، حيث كان النظام سابقًا يقتصر على وفاة الزوج أو الأصول أو الفروع فقط، مما أدى إلى تفاوت في الحقوق بين الموظفين. وعلاوةً على ذلك، فإن إقرار حق صاحب العمل في طلب الوثائق المؤيدة لهذه الحالات يعزز من مبدأ الشفافية، ويحد من أي استغلال غير مشروع لهذا النوع من الإجازات، مما يحقق توازنًا بين حقوق العامل وضمانات أصحاب العمل في تطبيق الإجازات بما يتوافق مع مقتضيات العمل الفعلية.
- إجازة المولود الجديد:
أصبحت إجازة العامل عند ولادة مولود له محددة بثلاثة أيام، على أن تؤخذ خلال سبعة أيام من تاريخ الولادة، وهو تعديل مهم، حيث لم يكن النص السابق يحدد إطارًا زمنيًا واضحًا لمباشرة الإجازة بعد الولادة.
ويضمن هذا التعديل أن يكون استحقاق الإجازة مرتبطًا بزمن معقول بعد وقوع الحدث، مما يمنع تأجيلها لفترة غير محددة ويحد من أي غموض قد يؤدي إلى إساءة استخدامها أو تعطيل سير العمل. وفي الوقت ذاته، يسهم في تحقيق توازن دقيق بين مصلحة العمل وحق العامل في رعاية أسرته خلال الأيام الأولى من الولادة، حيث يمنحه الفرصة للوجود بجانب أسرته في لحظة هامة دون الإضرار بمتطلبات العمل.
الثالث عشر: تنظيم إجازة الوضع وإجازة رعاية الطفل المريض أو ذوي الإعاقة
- تمديد مدة إجازة الوضع وزيادة المرونة في توزيعها:
أحد أهم التعديلات الأخيرة على نظام العمل التي أدخلت بموجب المادة الحادية والخمسين بعد المائة هو تمديد مدة إجازة الوضع لتصبح 12 أسبوعًا مدفوعة الأجر، بدلًا من 10 أسابيع سابقًا، مع وضع تنظيم جديد لطريقة توزيعها، بحيث تكون الأسابيع الستة التالية للوضع وجوبية، في حين يمكن للمرأة توزيع الأسابيع الستة الأخرى وفق ما تراه مناسبًا، على أن تبدأ الإجازة قبل الولادة بحد أقصى أربعة أسابيع.
ويعزز هذا التعديل حماية حقوق المرأة العاملة من خلال زيادة مدة إجازة الوضع، مما يمنحها وقتًا أطول للتعافي بعد الولادة، ويضمن لها رعاية أفضل لصحتها ولطفلها حديث الولادة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تمكين المرأة من توزيع إجازتها وفق ما يناسب احتياجاتها الصحية والأسرية يعكس مرونة أكبر في تنظيم الإجازات، بما يتيح لها الموازنة بين متطلبات العمل ومسؤولياتها العائلية. وعلاوةً على ذلك، فإن إلزام صاحب العمل بعدم تشغيل المرأة خلال الأسابيع الستة الأولى بعد الولادة يضمن لها فترة راحة كافية قبل العودة إلى العمل، مما يسهم في تعزيز صحتها الجسدية والنفسية، ويعكس التزام النظام بحماية حقوق الأم العاملة وفق معايير عادلة ومتوازنة.
- إجازة إضافية لرعاية الطفل المريض أو من ذوي الإعاقة:
تضمنت التعديلات الأخيرة على نظام العمل أيضًا منح إجازة إضافية لمدة شهر بأجر كامل للمرأة العاملة إذا كان طفلها مريضًا أو من ذوي الإعاقة، وكانت حالته الصحية تستوجب مرافقتها المستمرة، مع إمكانية تمديد هذه الإجازة لشهر إضافي دون أجر.
ويعكس هذا التعديل التزام النظام بتحقيق توازن عادل بين التزامات المرأة المهنية ومسؤولياتها الأسرية، لا سيما في الحالات التي تستوجب رعاية خاصة للأطفال المرضى أو ذوي الإعاقة، مما يمنحها فرصة للاهتمام بأسرتها دون الإخلال بواجباتها الوظيفية. وفي الوقت ذاته، يضمن هذا التعديل عدم اضطرار المرأة إلى إنهاء عقد عملها أو اللجوء إلى التغيب بطرق غير مشروعة بسبب غياب خيار قانوني مناسب، مما يعزز استقرارها الوظيفي ويوفر لها حماية قانونية تمكنها من الجمع بين حياتها العملية والأسرية دون تعارض أو ضغوط غير مبررة.
الرابع عشر: ضوابط إنهاء عقد البحّارة
جاء التعديل على المادة (282) ليحدد بوضوح الحالات التي يجوز فيها لصاحب العمل إنهاء عقد البحّار دون سبق إعلان أو تعويض، حيث لم يعد من الممكن إنهاء العقد في حالات فقدان السفينة، أو مصادرتها، أو غرقها، أو عدم صلاحيتها للاستعمال، كما كان معمولًا به في النص السابق. وبدلًا من ذلك، أصبح إنهاء العقد مقتصرًا فقط على حالة إلغاء الرحلة قبل بدئها بسبب لا دخل لصاحب العمل فيه، شريطة أن يكون الأجر على أساس الرحلة الواحدة، ما لم يُنص في العقد على غير ذلك.
ويعكس هذا التعديل توجهًا أكثر إنصافًا للبحّارة، حيث قيّد حالات إنهاء العقد دون تعويض بعد ما كان النص السابق يتيح لصاحب العمل إنهاءه في حالات متعددة، مثل غرق السفينة أو مصادرتها، مما قد يضر بالبحّار دون حماية قانونية. وبموجب النص الجديد، لم يعد الإنهاء دون تعويض ممكنًا إلا عند إلغاء الرحلة قبل بدئها، بشرط ألا يكون لمجهز السفينة إرادة في ذلك، مما يمنع استغلال الظروف البحرية لإنهاء العقود تعسفيًا. كما يحمي التعديل حقوق البحّارة الذين يتقاضون أجرًا ثابتًا، حيث يقتصر الإنهاء دون تعويض على العقود التي يكون أجرها محددًا بالرحلة الواحدة فقط، مما يضمن استمرار التزامات صاحب العمل المالية.
الخامس عشر: تشديد العقوبات المالية لمخالفة ضوابط التوظيف
إضافة المادة (229 مكرر) جاءت لتضع عقوبات مالية صارمة على من يخالف ضوابط التوظيف، حيث نصت على فرض غرامة مالية لا تقل عن (200,000) ريال، ولا تزيد على (500,000) ريال لكل من يخالف أحكام الفقرة (1) من المادة (30) من النظام.
ويعكس هذا التعديل توجهًا حاسمًا نحو التشديد في المخالفات العمالية عبر رفع سقف العقوبات لضمان الامتثال، حيث كانت العقوبات المالية سابقًا لا تتجاوز مائة ألف ريـال، مما شجع بعض أصحاب العمل على التهاون في تطبيق الضوابط القانونية، خاصة في التوظيف غير النظامي. ومع التعديل الجديد، أصبحت الغرامات المالية التي تصل إلى 500,000 ريال رادعًا اقتصاديًا قويًا يدفع أصحاب العمل إلى تصحيح أوضاعهم، مما يعزز الردع العام والخاص ويجعل مخالفة ضوابط التوظيف خيارًا غير مجدٍ. كما تؤكد هذه العقوبات جدية المشرّع في حماية بيئة العمل وتعزيز الشفافية، حيث يصعب على المنشآت التحايل على أنظمة التوظيف دون مواجهة عواقب مالية جسيمة، مما يرسخ مبدأ تكافؤ الفرص بين الشركات الملتزمة وغير الملتزمة.
وختامًا
تمثل التعديلات الأخيرة على نظام العمل السعودي الصادرة بالمرسوم الملكي رقم (م/44) وتاريخ 8/2/1446هـ نقلة نوعية في تنظيم العلاقة العمالية، حيث جاءت لتواكب تطورات سوق العمل وتعزز من حماية الحقوق الوظيفية لجميع الأطراف. فقد انعكست هذه التعديلات على مختلف الجوانب التشريعية، من توسيع نطاق الإجازات، إلى تحسين آليات إنهاء العقود، وتوفير بيئة أكثر مرونة وعدالة في التوظيف والتدريب والتأهيل. كما لم تقتصر التعديلات على تصحيح بعض الثغرات القانونية، بل امتدت إلى إدخال مفاهيم جديدة مثل الاستقالة والإسناد، وضبط إجراءات التظلم، وفرض عقوبات صارمة على مخالفي أنظمة التوظيف، مما يسهم في تعزيز الامتثال ورفع كفاءة سوق العمل. ومن خلال هذه الإصلاحات، باتت المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تطوير بيئة العمل بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، ويحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030، ويعزز جاذبية السوق المحلية للمواهب الوطنية والدولية. لذا، فإن متابعة تنفيذ هذه التعديلات وقياس أثرها على الواقع العملي سيشكل عاملًا حاسمًا في تحقيق الأهداف المرجوة، وضمان بيئة عمل أكثر توازنًا واستدامة لجميع العاملين وأصحاب العمل في المملكة.
